ديما جمعة
بعد أن غفا أطفالها الأربعة، قامت أمّ شادي المنهكة عن الكنبة، أطفأت جهاز التلفاز وبدأت بجمع ألعاب الصغار في صندوق، ثمّ حملت المكنسة، نفضت الأرائك لتمنع تجمّع الغبار، كنست الأرض بعناية فائقة، وتوجّهت إلى المطبخ لتجمع القمامة. وبعد ساعة، فتح أبو شادي الباب، فاستقبلته بابتسامة واسعة وهي تهمس: «نام صغارك باكراً وقد شارفت على الانتهاء من تنظيف المنزل».
* نظيفة ولكن...
وضع أبو شادي مفاتيحه على الطاولة مبتسماً، فهو يدرك أنّ زوجته “سرسوبة نظافة”، وأنّها لا تتمكّن من النوم أبداً قبل أن تتأكّد من وضع كلّ شيء في مكانه المناسب، وتنظيف زوايا منزلهم المؤلّف من ثلاث غرف، توجّه نحو الشرفة حيث جمعت زوجته أكياس القمامة، إلّا أنّها هرولت خلفه كعادتها وقالت بصوت منخفض: ”ارمها بعيداً! المرّة الماضية علق كيس منها تحت الشرفة مباشرةً، ارمها إلى وسط مجرى النهر كي تجرفه الأمطار ولا تعيده إلينا“. هزّ رأسه موافقاً وحمل الأكياس. رماها بكلّ قوّته إلى وسط مجرى النهر الجافّ، وابتسم هامساً: ”لم أفقد براعتي على الرغم من العمر المتقدّم“.
* دورٌ مسؤول
تعيش عائلة أبو شادي منذ أعوام في أحد الأحياء المطلّة على مجرى نهر، يجفّ في فصل الصيف وتركد فيه الأمطار في الشتاء، وقد تحوّل إلى مكبّ عشوائيّ للنفايات، وعلى ضفافه مئات البيوت السكنيّة التي يفترض أن ينزعج قاطنوها من مشهد أكياس القمامة التي تملؤه، إلّا أنّ بعضهم في الواقع يسهمون في صنع هذا المشهد العجيب!
أمّا السيّدة “سرسوبة النظافة”، فهي واحدة من هؤلاء، فتحرص على أن يكون منزل عائلتها لامعاً ونظيفاً، ولكنّها لا تلتفت إلى سلوكها اليوميّ الذي يلوّث البيئة ويحوّل مكان سكنها إلى مكبّ واسع للنفايات، ويساهم في انتشار الأمراض والبكتيريا.
للسيّدة “سرسوبة” ولأمثالها نتوجّه بالنصائح الآتية:
1. تذكّروا قول النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم: ”تنظّفوا بكلّ ما استطعتم، فإنّ اللَّه تعالى بنى الإسلام على النظافة، ولن يدخل الجنّة إلّا كلّ نظيف“(1)، وهذا يعني أنّنا يجب أن نحافظ على نظافة مساكننا وكل ما حولنا، وأنّ رمي نفاياتنا في غير أماكنها المخصّصة في الشوارع لا ينسجم مع وصيّة رسولنا الكريم.
2. إنّ أكياس القمامة لن تتبخّر بفعل ساحر، بل ستتحلّل ببطء شديد، مضافاً إلى انبعاث الروائح الكريهة منها وانتقال الغازات السامّة عبر التربة، مثل الأمونيا والكبريتيات والميثان وثاني أكسيد الكربون، وهي من أكثر الغازات ضرراً على صحّة الإنسان.
3. بتكديس عشرات الأكياس، سيتحوّل المكان الذي نسكن فيه إلى مكبّ كبير للنفايات وبيئة مناسبة لتجمّع الجرذان التي ستدخل منازل القاطنين قربه وتشكّل مصدر أمراض مميتة!
4. إنّ رمي النفايات على الطريق أشبه بجمع الأوساخ تحت السرير في المنزل، فصحيح أنّنا نتخلّص من منظرها في البيوت، إلّا أنّنا نبقيها قربنا في المحيط الذي نعيش فيه.
5. التوجّه إلى الأماكن التي يوجد فيها مستوعبات للنفايات وعدم رميها عشوائيّاً، حتّى لو أدّى ذلك إلى تكبّد بعض العناء والتعب.
* دور البلديّات
في الواقع، يرفع عمّال البلديّة النفايات التي تتكدّس في المستوعبات وحولها وفي زوايا الطرق وتحت الجسور مرّة كلّ أسبوعين، ولكنّ سلوك بعض المهملين للنظافة العامّة يحول دون المحافظة على نظافة البيئة والطرق العامّة، وهذا ما يتطلّب، إلى جانب دور الناس، اتّخاذ بعض الإجراءات المهمّة، منها:
1. القيام بحملات تفتيش شبه يوميّة للتأكّد من التزام رمي النفايات في الأماكن المخصّصة لها.
2. تنظيم محاضر ضبط للمخالفين عبر دفع غرامات ماليّة تردعهم عن تلويث البيئة.
3. توزيع سلل نفايات ومستوعبات كبيرة في كلّ حي، مع تنظيم أوقات لرفعها من المكبّات.
4. تنظيف الأحياء والقيام بحملات توعية لتشجيع السكّان على الالتزام بقواعد النظافة. وهنا، يمكن لعناصر الكشّافة في المنطقة ورجال الدين المساهمة في هذا الدور المهمّ.
صحيح أنّ علاج هذه المشكلة هو مسؤوليّة مشتركة بين المواطنين والبلديّات، ولكنّ الحفاظ على نظافة الأحياء والشوارع يقع على عاتق المواطن أوّلاً وأخيراً؛ فالنظافة أمر فطريّ ومسألة طبيعيّة لا تحتاج إلى الوعظ والإرشاد.
ألا يجب أن يتحمّل كلّ مواطن مسؤوليّة أفعاله؟ ألا يجب أن يكون كلّ واحد منّا رقيباً على نفسه؟
(1) ميزان الحكمة، الشيخ الريشهري، ج 4، ص 3303.