إنّ التكرار في الوعظ يؤثّر في النفس بشكلٍ فعّال، سواء أكان الفرد يلقّن نفسه أم يكرّره له الآخرون، إذ إنّه يترك فيه أثراً ملحوظاً. أمّا العلم، فيكفي تكراره مرّة واحدة للفهم، ولكن في الوعظ والإرشاد الإسلاميّين، التكرارُ مهمّ لأنّه يشتمل على التنوّع في الأسلوب والمضمون، كما يظهر في القرآن الكريم الذي يكرّر المعاني بصور مختلفة؛ ليبقى التذكير حاضراً أينما نظر الإنسان. من هنا، يحتاج كلّ إنسان إلى الوعظ، سواء من نفسه أو من الآخرين. ومع ذلك، قد يتأخّر تأثير الموعظة بسبب مقاومة الشيطان الذي يعيق تحرّك النفس نحو الخير.
* لا معصية في حضرته تعالى
موعظتي لكم - أيّها السادة - أنّنا كلّنا في حضرة الله وأمام عينه وعلمه، إنّه حاضر في كلّ مكان، فعندما نلقّن أنفسنا هذا المعنى بشكل صحيح، نفهم أنّنا مسؤولون، وأنّ من ألقى على عاتقنا هذه المسؤوليّة حاضر، وأنّها ليست كمسؤوليّات أخرى يكون فيها المحاسب غائباً، إذ يمكن للإنسان التقصير من دون أن يعلم أحد بذلك. أمّا في حضرة الله، فإنّ أيّ عمل نقوم به، يسجّل في دفتر أعمالنا. لذلك، يجب أن لا نرتكب أيّ مخالفة أو معصية بحضوره سبحانه، ولنتذكّر أنّ النعم كلّها منه؛ اللسان، والعين، والأذن، وغيرها، فلنحفظ هذه الأمانة.
* في الإعلام مسؤوليّة
ينبغي أن تتحمّلوا أنتم وأقلامكم مسؤوليّة كبيرة؛ فالمكان الذي تديرونه ليس كإدارة جهة حكوميّة. فأيّ شيء يحدث فيها يبقى في داخلها ولا يعلم به أحد، إلّا إذا تعمّدتم إطلاع الآخرين عليه. من هنا، إن أصبحت مؤسّستا الراديو والتلفاز فاسدتين، فإنّهما سيفسدان شعباً؛ لأنّ الجميع يستمع إلى الراديو ويشاهد التلفاز، فليست المسألة هنا كأيّ معصية تحصل في الخفاء، بل هي علنيّة تطال بأثرها الجميع. فلو أنّ أقلامكم -لا سمح الله- زلّت، وغفلتم عن التزامكم الذي من المفترض أن يكون لله تبارك وتعالى، فلن يكون الضرر عليكم فقط، بل سيعود على عوائلكم وأصدقائكم وشعوبكم والأشخاص المعتقدين بمذهبكم وبدينكم. إذاً، هو ضرر مضاعف.
لأهميّة هذه المسألة، تقع على عاتقكم مسؤوليّة خطيرة جدّاً أمام الناس والشعوب، والأهمّ من ذلك كلّه، أمام الله تعالى. أمّا إذا كان قلمكم الذي في أيديكم إرشاديّاً، فتستطيعون هداية الشعب إلى الطريق الصحيح، وأن تخلّصوا الناس من الانحرافات.
* قلم إصلاحيّ
اليوم، ثمّة الكثير من الأقلام والخطابات المنحرفة مقابل الأقلام والخطابات الإرشاديّة. لذلك، يجب على الإنسان أن ينتبه إلى مسائل مهمّة: لماذا يتكلّم هؤلاء المنحرفون؟ ماذا يريدون القول؟ ما هي دوافعهم وغاياتهم في هذه الانحرافات؟ هل هم في الواقع يحبّون هذا الشعب، ويريدون أن يجتثّوا مسائل الفساد تلك؟ أم أنّها وسيلة تساعدهم في الإفساد؟
فمن يقول: «أريد أن أرشد الناس»، سوف يفهم الإنسان حقيقة موقفه من قلمه؛ أي سيكتشف إذا ما كان الذي يكتبه صادراً عن نفس خبيثة تهدف إلى نشر الفساد، أم من نفس هادئة تسعى إلى الإصلاح.
عليكم أن تكونوا في مواجهتهم، وأن تكون إصداراتكم مصمّمة بحيث يلتفت الناس عند قراءتها إلى أنّها تقدّم أموراً جيّدة وبنّاءة. لا تسعَوا إلى إرضاء المنحرفين، فإن سعيتم إلى ذلك، ستنقادون إلى الانحراف معهم. أمّا إذا كنتم تهدفون إلى إصلاحهم، فليكن قلمكم يوميّاً قلماً إصلاحيّاً، ولتحمل مقالاتكم روح الإصلاح.
* الكلمة مسؤوليّة
إنّ الأخبار التي تكتبونها، والعناوين التي تختارونها، يقرأها القارئ في الصحف، فيدرك الهدف من اختيار هذا العنوان ومصدره. وأحياناً، عندما يقرأ النصّ كاملاً لاحقاً، يكتشف أنّ الواقع مختلف؛ فالعنوان يعبّر عن شيء، والمضمون يعبّر عن شيء آخر!
في هذه الحالة، يجب أن تدركوا أنّ ذلك غشّ بحقّ المسلمين، وأن تلتفتوا إلى يوم الحساب، حيث يحاسب الإنسان على أفعاله وأقواله كلّها. ففي ذلك اليوم، ستشهد الأقلام والأيدي والأعين على ما فعلناه، فلا يخفى شيء على الله.
* نحو نقد بنّاء
إذا كنتم ترغبون في إقامة بلد إسلاميّ بحقّ، فلا بدّ من أن تكون مطبوعاته وصحفه إسلاميّة أيضاً، خاصّة في ظلّ استغلال الأطراف المختلفة لأيّ قضيّة ضدّ بلادنا.
أتمنّى أن تركّزوا جهدكم أوّلاً على توجيه من يريد الإضرار بالجمهوريّة الإسلاميّة وإرشاده، فحتّى لو لم تتمكّنوا من إرشادهم في البداية، فإنّ المثابرة قد تُثمر نجاحاً تدريجيّاً مع الوقت. وفي ما يتعلّق بالمحتوى، لا تعدّوا هؤلاء أعداءً، بل حاولوا إصلاحهم لأنّ لديهم أذواقاً ووجهات نظر ودوافع مختلفة قد تظهر في شكل خلافات. يجب أن يكون النقد موجّهاً بهدف الإصلاح، فالعيب والخلل موجودان في كلّ مكان.
*من كلمة لسماحته بتاريخ: 28 رجب 1401 ه. ق، صحيفة الإمام قدس سره، ج 14، ص 313.