مع الإمام الخامنئي | لا تنبهروا بقوّة العدوّ* نور روح الله | لو اجتمع المسلمون في وجه الصهاينة* كيف تكون البيعة للإمام عند ظهـوره؟* أخلاقنا | كونوا مع الصادقين* الشهيد على طريق القدس عبّاس حسين ضاهر تسابيح جراح | إصابتان لن تكسرا إرادتي(1) على طريق القدس | «اقرأ وتصدّق» مشهد المعصومة عليها السلام قلبُ قـمّ النابض مجتمع | حقيبتي أثقل منّي صحة وحياة | لكي لا يرعبهم جدار الصوت

أمراء الجنة | الشهيد محمّد جمال تامر

نسرين إدريس قازان

 

الشهيد محمّد جمال تامر (سامر صالح)
اسم الأمّ:
عبير خليل.
محلّ الولادة وتاريخها: بنهران 10/7/1996م.
الوضع الاجتماعيّ: خاطب.
محلّ الاستشهاد وتاريخه: الطيّونة 15/10/2021م.


كم من مُخلِص لله يمشي بين الناس، ولا يُكشفُ عن مقامه إلّا بعد أن يبلغ إحدى الحسنيين! وكم من حديث نتّخذه مرحاً، وما يلبث حتى يتحقّق واقعاً! كذا كان حديث محمّد تامر، لمّا فتح باب المكتب وأخبر رفاقه أنّهم سيحملونه على الأكتاف في يوم السادس عشر من شهر تشرين الأوّل، وقد أصرّ على قوله واضعاً يده على شاربه ممازحاً، طالباً من صديقه محمّد عسّاف أن يتذكّر ذلك.

* مساحة خاصّة
في الخامس عشر من شهر تشرين الثاني، حمل الرفاق محمّداً على الأكتاف وهو ينزف، وتجمهروا في رواق المستشفى، فيما رقد في غرفة العناية الفائقة بسبب نزيف حادٍّ أصابه بعد استهدافه بسبع رصاصاتٍ غادرة، أثناء مشاركته في تظاهرة سلميّة ضدّ تسييس التحقيق في قضيّة انفجار مرفأ بيروت. وكان قبل أسبوع قد رأى في منامه أنّه يوزّع بطاقات دعوة لعرسه، فإذا بها تتحوّل في عالم الواقع إلى ورقة نعيٍ فجر يوم الجمعة الموافق للسادس عشر من ذلك الشهر، ليُزَفّ شهيداً إلى المكان الذي اتّخذه سكناً في قريته بنهران، وهو مساحة صغيرة قرب ضريح ابن عمّه الشهيد المهندس محمّد تامر (جواد)، الذي استشهد في مواجهة ضدّ العدوّ التكفيريّ عام 2017م. وكان محمّد قد حوّل هذه المساحة إلى غرفة فيها تلفاز وفراش، واهتمّ بترتيبها وتأهيلها ليبيت فيها الليل كلّما أحبّ أن يهجر ضجيج الدنيا وصخبها، وحده أحياناً، وأحياناً أخرى مع الأصدقاء، وكان يحرص على أن يعرّف كلّ من أراد الانضمام إلى تلك السهرة إلى ابن عمّه الشهيد.

* الطفل المستكشف
خلال حمل والدته به، أظهرت الصور الصوتيّة أنّ الجنين فتاة، فجهّزت أمّه ثياب فتاةٍ، وجهّز والده زينة استقباله بالألوان الزهريّة. لكن عند الولادة، تفاجأ الجميع أنّ المولود صبيٌّ جميل.

محمّد هو الابن البكر لوالديه. ولد في مدينة طرابلس في شمال لبنان، وترعرع بين ضواحيها وفي قريته التي أحبّها بشدّة. كان في طفولته ولداً هادئاً جدّاً، لا يكاد يُسمع له بكاء، حتّى عندما كبر قليلاً وصار في عمر استكشاف ما حوله، كانت حركته هادئة، لا يصدر ضجيجاً أثناء لعبه. كانت ألعابه المفضّلة هي تلك التي تحتوي أزراراً، فكانت أجهزة التحكّم بالتلفاز والهواتف النقّالة صاحبة النصيب الأوفر باللعب.

عندما التحق محمّد بالمدرسة، ظهر خجله جليّاً، إذ كان مثابراً يجيبُ عن أسئلة المعلّمات إجابات صحيحة، ولكن من تحت الطاولة. ومع نضوجه ووعيه، ظلّ الحياء والهدوء ملازمين له. التحق محمد بكشّافة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، برعماً مشاركاً في الأنشطة المختلفة، التي أثّرت إيجابيّاً في شخصيّته، وصقلتها بشكلٍ لافت، وأظهرت ما عنده من مواهب وملكات، ولكن أكثر ما تكشّف عنه طوال السنوات التي بقي فيها مع الكشّافة، هي تلك الروح المحبّة والمعطاءة والخدومة، إذ لم يكن ليؤخّره شيء عن خدمة الآخرين ولو على حساب راحته، وبقي كذلك حتّى خلال تأدية زيارة الأربعين، حيث كان يهبّ لخدمة الناس.

* الطريق ذات الأشواك
لأنّ محمّداً شابٌّ يضجُّ حياةً وحيويّة ونشاطاً، تراه كالطير ينتقل من مكانٍ إلى آخر، فتارة مع رفاقه في البحر أو يلعب معهم كرة القدم، وأخرى يشارك في إحياء المناسبات، ولكن أكثر ما كان يؤنس قلبه هو شغفه بركوب الخيل، إذ كانت هذه الهواية تتوافق وهدوء روحه.

كَبُر محمّد في وقتٍ كانت حربُ الدفاع عن المقدّسات في أوجها، وعلى الرغم من أنّه كان يقطن آنذاك في منطقة بعيدة، إلّا أنّه ورفاقه في الشمال، عاشوا حميّة الجهاد، وكانوا يتوقون للالتحاق بركب تلك القافلة، وهذا كان سبباً في اتّخاذ محمّد قراراً بالتحاقه بالدورات العسكريّة، ولم تمانع والدته ذلك، بل على العكس، دعمته حتّى لا يستصعب أشواك ذاك الطريق، فهو شابّ في السادسة عشرة من عمره، اعتاد على الاهتمام الشديد بأناقته والحفاظ على أغراضه الخاصّة مرتّبة؛ لذلك، راحت تشرح له صعوبات الحياة في المعسكرات لناحية الطعام وغيره من الأمور حتّى يتهيّأ لها. ولكن الشباب أمثال محمّد، يخلعون رداء كلّ تلك المتعلقات عند باب المعسكر، فيدخلون إليه وكأنّه الوادي المقدّس طوى.

* دون كلل أو تعب
بعد خضوعه لدورات عسكريّة وثقافيّة عدّة، بدأ محمّد عمله الجهاديّ في المقاومة الإسلاميّة، وكانت روحه مثقلة بفقد عزيزين على قلبه، أوّلهما رفيقه وابن بلدته الشهيد حسين محمّد حسين، وثانيهما ابن عمّه الذي لزم ضريحه. ولأنّ روحه مجبولة على الوفاء، فقد انتقى اسمه الجهاديّ على اسم ابن بلدته فقيد الجهاد والمقاومة "سامر صالح". وبتلك الروحيّة الخالصة والمخلصة لله، التحق بركب المجاهدين في الدفاع عن المقدّسات، وبدأت غياباته تطول. وفي إحدى المواجهات الحامية ضدّ مرتزقة داعش التكفيريّة، حوصر مع مجموعة من رفاقه في الجرود، بلا ماءٍ طوال النهار، وقد كُسرت رِجله في تلك المواجهة. وبعد عودته، أخبر أمّه أنّه أحسّ بشفتيه مُتخشبتين يابستين من شدّة العطش، وبأنّه استحضر حينها هو ورفاقه العطشى كربلاء الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته وعطشهم.

ولم تنل الصعوبات من عزيمة محمّد، فبعد الأزمة الاقتصاديّة وأزمة المحروقات، كسر حزب الله الحصار وأمّن المحروقات من الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، واختير محمّد ضمن المجموعة المرافقة للصهاريج، إلى جانب عمله الأساسيّ في المقاومة، فكان يعمل حتّى الفجر، ولم يمنعه تعبه الشديد من التضحية بأوقات راحته في سبيل السعي لتأمين المحروقات للناس من دون تأفّف أو تذمّر.

* "بأمانة موسى بن جعفر"
عقد محمّد قرانه، وفي آخر نهار أحد أمضاه مع خطيبته وأهله، وبعد عودته من غيابٍ في عمله، قرّر محمّد في ذلك اليوم أن يكون "سلطاناً" وعلى الجميع أن يخدموه، فلم يساعدهم في تحضير أيّ شيء، وراح يستعيد وإيّاهم ذكريات طفولته من صور وأوراق في جوّ مؤنسٍ دافئ يعبق بالمحبّة.

نهار الخميس، وقبل أن يخرج من المنزل ويتوجّه إلى المسيرة المقرّرة في الطيونة، كُلّف بعملٍ محدّد، فاقتربت منه أمه لتكتب على صدره ناحية قلبه "بأمانة موسى بن جعفر"، ثم أخذ كوب قهوته ومضى إلى عمله، حيث اختاره الله مع ثلّة من الشهداء، حافراً ابتسامته الملائكيّة في قلوب الناس.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات: