نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الحاج (صالح): رجل الميدان حتّى الرمق الأخير(*)


سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله)


أتوجّه بأحرّ التعازي إلى عائلة فقيدنا العزيز والحبيب القائد الحاج أسد محمود صغير، المعروف بالحاج صالح رحمه الله، فرداً فرداً، وإلى إخوته وأخواته وزوجته وأولاده وكلّ أرحامه، وإلى جميع الإخوة والأخوات، خصوصاً الإخوة الذين عايشوه وواكبوه وعملوا معه وقاتلوا سويّاً كتفاً إلى كتف، وأسأل الله سبحانه وتعالى له الرحمة وعلوّ الدرجات.

* من الجيل المؤسّس
من واجبنا أن نتحدّث عن الحاج صالح قليلاً ونعرّف عنه؛ لأنّه كان مجهولاً، لدرجة أنّ اسمه الحقيقيّ لم يعرفه الكثير من إخواننا حتّى المسؤولين الأساسيّين منهم، إلى حين وفاته. وهو من الإخوة الذين التحقوا بهذه المسيرة وهو فتى يافع، وقد بلغ سنّ التكليف وهو في صفوف حزب الله. انطلق من المسجد كما انطلقت مجاميع حزب الله في تلك المرحلة. ولذلك، هو من الجيل المؤسّس الذي تألّف من كبار السنّ والشبّان والفتية الذين التحقوا بهذه المسيرة في أيّامها الأولى، في أيّام الغربة، والفاقة، وقلّة العدد، والتحدّيات الصعبة، والمخاطر الكبرى، حين كان المجاهد يحمل دمه على كفّه، ويتطلّع إلى الشهادة؛ لأنّ النصر لم يكن ظاهراً بحسب المعطيات الماديّة آنذاك.

* خير الصفات
أنا أعرفه شخصيّاً منذ سنوات طويلة، فكان مثال الأخ المؤمن، والمتديّن، والورع، والتقيّ، والعابد، والحريص على الحكم الشرعيّ؛ هكذا بدأ، وهكذا عرفناه، وهكذا أنهى حياته. لقد كان زاهداً، بمعنى أنّه ليس له تعلّق بشيء من هذه الدنيا؛ لا جاه، ولا منصب، ولا مال، ولا رفاهيّة، ولا أيّ شيء آخر. كان الأخ المتواضع، والخلوق، والمؤدّب، والكتوم، لم يكن يبحث عن مظاهر أو مدح أو أمجاد، وكان يمرّ بين الناس أو يجلس بينهم وهم لا يعرفونه.

كان على درجة عالية من الذكاء العمليّ والجدّية في كلّ مراحل العمل. لم يكن لدى الحاج صالح أيّ ارتباطات أو مشاريع أو أعمال، بل كان كلّ همّه فقط حزب الله والمقاومة، لدرجة أنّه كان مُتمحّضاً في العمل، أي كان يخصّص كلّ وقته للمقاومة والعمل والجهاد، وكان يحرص على طلب المسامحة من أفراد عائلته؛ لأنّه كان يقضي فترات زمنيّة طويلة بعيداً عنهم أحياناً.

* رجل أمنيّ
كان الحاج صالح، نتيجة ذكائه وشخصيّته، من الإخوة الأمنيّين في المقاومة؛ وقد تلقّى دورات عسكريّة وأمنيّة وإداريّة وثقافيّة متعدّدة، وبعضها في مستويات عالية. لقد نما، وتعلّم، وراكم تجربة، وحصل على خبرة وهو في هذه المسيرة. الحاج صالح من النماذج الذين تدرّجوا من مجاهد إلى قائد من الكوادر الأساسيّين في مسيرتنا ومقاومتنا، بعيداً عن الضوء والإعلام. وقد تولّى العديد من المهام على صعيد لبنان وسوريا، فضلاً عن مهام أخرى تُعنى بالملفّين الفلسطينيّ والعراقيّ.

* مهامه في لبنان
كان الحاج صالح يعمل إلى جانب الحاج عمادe في مجموعة كبيرة من الملفات: وضع الاستراتيجيّات، والأهداف، والسياسات العامّة، والخطط، والبرامج، والهيكليّات، والشروح التنظيميّة، والأنظمة الداخليّة، لأنّه كان صاحب عقل كبير في هذا المجال، ويتمتّع بقدرة تخطيط عالية.

كما كان من جملة الأساتذة والمدرّبين الذين تربّت على أيديهم أجيال من المجاهدين. وعمل أيضاً في ملفات تقييم المعلومات لمدّة طويلة من الزمن، وهو أهمّ عمل في المجال الأمنيّ؛ لأنّه يحتاج إلى قدرة ذكاء عالية. إضافةً إلى تولّيه مسؤوليّة ملفات تنفيذيّة مباشرة، أي مهام إداريّة في العمل الأمنيّ، مثل المساهمة في تفكيك الشبكات الأمنيّة الإسرائيليّة، وكشف الكثير من العملاء، ومواجهة الجماعات الإرهابيّة في البُعد الأمنيّ، وكشف السيّارات المفخّخة، التي كانت تأتي إلى لبنان وحتّى داخل سوريا.

وحين تولّى الشهيد السيد مصطفى بدر الدين (السيد ذو الفقار) مجموعة من الملفات والوحدات الأمنيّة، كان الحاج صالح رئيس أركانه.

* في سوريا: إنجازات عظيمة
1. مهام أمنيّة: من البداية، تولّى المسؤوليّة العامّة الأخ الشهيد السيّد ذو الفقار (رضوان الله تعالى عليه)، وكان الحاج صالح أساسيّاً في الفريق الأمنيّ منذ اليوم الأوّل، وتولّى أيضاً مجموعة من الملفات تحت إشراف الشهيد السيّد ذو الفقار، وبعد شهادته، تولّى الحاج صالح المسؤوليّة المباشرة.

2. مواجهة الجماعات التكفيريّة: كان له دور في مواجهة الجماعات التكفيريّة أمنيّاً ومعلوماتيّاً، والكشف عنها، خصوصاً على مستوى العمل الأمنيّ والسرّيّ، فضلاً عن المساهمة في كشف الجواسيس الإسرائيليّين، بعيداً عن الإعلام، وبالتعاون مع الأجهزة الأمنيّة السوريّة وقادة أساسيّين من حزب الله.

3. حماية منطقة السيّدة زينب عليها السلام: من الملفات المهمّة جدّاً التي أُوكلت إليه ملف حماية منطقة السيّدة زينب عليها السلام ومقامها، الذي كان هدفاً للتكفيريّين الإرهابيّين، وكان ثمّة نوايا حقيقيّة لتدميره. وقد تعرّض مرّات عدّة للقصف ولمحاولات تفجيره بواسطة سيّارات مفخّخة، ولكن تمّ كشفها قبل أن تصل إليه. لذلك، كان الحاج صالح يعتبر أنّ الشرف العظيم الذي حصل عليه في هذه الدنيا، هو أن تولّى هذه المسؤوليّة الشريفة، مسؤوليّة حماية مرقد السيّدة زينب iومقامها.

4. ملف المفقودين: من أهمّ الملفات أيضاً التي كانت مُوكلة إليه وبالتعاون مع إخوة آخرين، هو ملف المفقودين؛ أي الأسرى، وجثامين الشهداء، والمفقودين الذين لا نعلم حتّى الآن إن كانوا أحياء أم شهداء. وتحقّقت فيه إنجازات كبيرة وصرنا في خواتيمه والحمد لله.

* فلسطين والعراق: إلى جانب الشهيد سليماني
كان الحاج صالح إلى جانب الحاج قاسم سليماني في إدارة الملف الفلسطينيّ والعلاقة مع الفصائل الفلسطينيّة، وأيضاً في الملف العراقيّ خلال مرحلتين: مرحلة المقاومة العراقيّة المباركة بعد 2003م وحتّى 2011م، وأيضاً مرحلة داعش، في أيّامها وأسابيعها الأولى، حيث التحق قادة عمليّات من لبنان بالإخوة الأعزّاء المجاهدين في فصائل المقاومة العراقيّة والحشد الشعبيّ في العراق.

* حتّى الرمق الأخير
لقد أفنى الحاج صالح شبابه وعمره في خدمة هذه المقاومة حتّى اللحظات الأخيرة قبيل وفاته. كنت عندما أتواصل معه خلال فترة مرضه وأقول له: "لا مشكلة في أن ينوب عنك شخص آخر، حتّى يكون جهدك ووقتك مركزين على الاهتمام بصحّتك"، ولكنّه كان يرفض، وأصرّ على القيام بمسؤوليّاته إلى آخر لحظة. ولقد أخفى الحاج صالح مرضه عن كثيرين ولم يفصح عنه، وتعايش معه بالصبر والكتمان، كما كان طوال عمره، واحتسب هذا الأمر بينه وبين الله سبحانه وتعالى، ولم يكن يشكو على الإطلاق. لقد جلست معه مرّات عدّة بعد مرضه، وكنت أجده مبتسماً راضياً ضاحكاً مستبشراً. طبعاً، كان يتمنّى الشفاء، ونحن جميعاً كنّا نتمنّى له الشفاء؛ ليُعطى فرصة أكبر في خدمة أمّته وقضيّته، والعبادة، والتقرّب إلى الله سبحانه وتعالى، ولكن شاء الله سبحانه وتعالى أن يختاره من بيننا في مثل هذه الأيّام.

* بفضل عطاءاتهم
في ذكرى فقيدنا الغالي والعزيز والحبيب القائد الحاج صالح، لروحه الطاهرة ولأرواح كلّ شهدائنا الأعزّاء وإخواننا وأخواتنا الذين قضوا نَحبهم، وهم كانوا وما زالوا على العهد، نقول: سوف نبقى على هذا العهد، نحمل رايتكم، وأهدافكم، وقضيّتكم إلى إحدى الحسنيَين، ونرضى بما يرضاه الله لنا، ونُسلّم باختياره ومشيئته. الرحمة للفقيد العزيز ولكلّ الشهداء.


(*) كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله)، في الاحتفال التأبينيّ للقائد المجاهد الحاج أسد محمود صغير (الحاج صالح): 10/3/2023م.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع