نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أبواب الرحمة بين يديك

الشيخ محمود كرنيب


قال الله تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ (الأعراف: 156)، الإسلام دين الرحمة، وقد عرَّف الله عن نفسه في كتابه بقوله: ﴿نبّئ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ (الحجر: 49)، وأيضاً: ﴿الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ﴾ (الأنعام: 133)، وجاء التصديق العلويّ في مفردات دعاء كميل: "اللّهمّ إنّي أسألك برحمتك التي وسعت كلّ شيء". وكتابه أيضاً "هدى ورحمة"، لذلك؛ سبقت رحمته غضبه، بل إنّه تعالى جعل مفتتح سور كتابه الكريم البسملة المتضمّنة لصفتي "الرحمن الرحيم"، بل إنّ مفتتح كلّ أمر ندب إلى البدء بالبسملة.

في هذا المقال، نلج إلى عرض بعض أبواب الرحمة العامّة في الإسلام، نذكر منها بإيجاز الأمور الآتية:

* الدعاء: فَإِنِّي قَرِيب
قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ (البقرة: 186).

الدعاء باب من أبواب الرحمة، وهو عبادة يكفي أن يؤدّيها الإنسان ليحصل على الأمر الطبيعيّ منها، وهو استجابة الدعاء، وفي قوله تعالى إلماحٌ إلى ذلك: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ (غافر: 60). والدعاء إنّما هو وسيلة لتربية النفوس البشريّة لقمع الكبر، قال سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ (غافر: 60).

ومن جهة أخرى، فإنّ استجابة الدعاء مظهر من مظاهر رحمته، وتدبير لانتشال الإنسان من هاوية اليأس بيد المعونة الإلهيّة؛ لقضاء الحوائج وتحقيق الآمال، وهو أيضاً باب الفرج من حلق المضيق: ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ (النمل: 62)؛ بل هو إحدى وسائل بناء بصيرة الإنسان بمعرفة نفسه ومعرفة ربّه، ووسيلة لاستشعار القرب الإلهيّ: ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾. فانظر إلى ما في الدعاء من رحمات وكرامات وألطاف ليس أقلّها السماح للعبد على ضعفه وذلّه وحقارته، أن يتّصل بربّ الخلق ربّ السماوات والأرض. ولأنّ ثمّة علاقة وطيدة بين الرحمة والدعاء، فإنّ التوسّل بالرحمة منتشر في كلّ الأدعية، إذ ينتهي أغلبها بعبارة: "برحمتك يا أرحم الراحمين".

* التوسّل والشفاعة رحمةٌ ولطف
لمّا كان أغلب الخلق قاصرين عن أن ينالوا بدعائهم أمانيّهم، والفوز بقضاء حوائجهم الدنيويّة والأخرويّة، كان التوسّل، الذي هو عبارة عن الوسيلة للتقرّب إلى الله تعالى، الباب الذي يطرقه هؤلاء من أجل قضاء الحوائج. وعندما يكون عمل الإنسان غير كافٍ في جلب المغفرة وجبر التقصير، فإنّه يأتي لإتمام النقص لمغفرة الذنب، أو بلوغ المقام، من خلال التوسّل بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته  عليهم السلام والاستشفاع بهم، فيلج كلّ ذي حاجة إلى حاجته؛ بل يرتقي إلى المقام الذي تصبو إليه نفسه.

كذلك، فإنّ التوسّل والشفاعة دليل على أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والمعصومين  عليهم السلام، هم أبواب رحمة الله، والوسيلة إلى الله والأدلّة عليه، وهم  عليهم السلام: "معادن رحمة الله"؛ بل "خزّان رحمة الله". وبالشفاعة نعرف عظمة هؤلاء ومقامهم عند الله، ومن المعرفة يتولَّد الحبّ، ومن الحبّ توجد قابليّة الانجذاب للاقتداء بهم.

لذلك؛ علينا أن نقرأ قوله تعالى في نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ (الأنبياء: 107)، بطريقة نفهم منها هذا الوجود الذي جبله الله برحمته، ليكون جاذباً للقلوب والأنفس. وقد أودع الله رسوليّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، ورسالته صلى الله عليه وآله وسلم، وشخصه صلى الله عليه وآله وسلم صفة الرحمة؛ ليكون جاذباً قويّاً للنفوس إلى الإسلام لخلاص الأنفس: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ﴾ (آل عمران: 159). ولذلك أيضاً، كان أهل البيت والأئمّة  عليهم السلام سفن النجاة لإنقاذ الناس، وإيصالهم إلى برّ الإنسانيّة ودار السلام، والأمن في الدنيا والآخرة. وعليه، فالتوسّل والشفاعة كلاهما باب من أبواب رحمة الله، ويمكن للإنسان أن يعين الإنسان على محاربة اليأس وإيجاد التوازن في النفس بين الخوف والرجاء.

* التوبة: أوسع أبواب الرحمة
إنّ الذنوب مرض يفتك في القلوب أوّلاً، وتكون آثارها مورثةً عمى البصيرة، ومكدّرةً للعطايا والمنح الإلهيّة، وحجاباً غليظاً يمنع الاستفادة من النفحات الربّانيّة. والله عزّ وجلّ بسط يد رحمته، ليستنقذنا نحن بني البشر من غياهب الذنوب إلى فسحات الأمل ونور المغفرة، عن طريق التوبة؛ فبها يزيل الإنسان موانع وصول إشراقات الأمل ونور الهداية.

فالتوبة وسيلة لاستصلاح النفس واستدراك الأخطاء، وهي تعني رجوع العبد المذنب بملء إرادته واختياره عن المعصية ليعود في صفّ المطيعين لله. وهي أن يترك الإنسان الذنب لعلمه بقبحه نادماً على اقترافه مع عزمه الأكيد أن لا يعود إليه. وقد جعلها اللطيف الخبير دواءً ينجي من الآلام ويشفي من الأسقام التي تتركها الذنوب من جهة، ومن جهة أخرى هي نور يطرد ظلمة اليأس التي يحاول الشيطان أن يجعلها تهيمن على النفس البشريّة.

إنّ التوبة، إذاً، من أوسع أبواب رحمة الله، فلا غروَ أن يُقال إنّه نادراً ما تخلو سورة من ذكر التوبة؛ بل في بعضها أمر بها بما يدلّ على وجوبها؛ بل فوريّتها، كما في قوله تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (النور: 31). وقال الإمام الخمينيّ قدس سره: "التوبة من المنازل المهمّة الصعبة، وهي عبارة عن الرجوع عن عالم المادّة إلى روحانيّة النفس، بعد أن حُجبت هذه الروحانيّة ونور الفطرة بغشاوات ظلمانيّة من جرّاء الذنوب"(1).

* الراحمون يرحمهم الرحمن
أحد أهمّ أبواب الرحمة هو الاتصاف بها، وهو صريح الرواية القائلة: "الراحمون يرحمهم الرحمن"(2). وأيضاً جاء عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إن كنتم تريدون رحمتي، فارحموا"(3).

لكي يكون الإنسان محلاً للرحمة الخاصّة، يجدر أن يمارس هذه الرحمة في وسطه وبينه وبين خلق الله.

ولعلّنا نجد في قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ (الأنبياء: 107)، ما يفسّر هيمنة الرحمة على الإسلام عقيدة وشريعة وأخلاقاً.

* ماء وجود الإنسان
لقد أبت يد الرحمة الإلهيّة إلّا أن تحوط الإنسان بعنايتها؛ وذلك بجعل الرحمة ماء وجود الإنسان، والهواء الذي تتنفّسه روحه، والأفق الذي ترنو إليه نفسه، والمستقبل الأخرويّ الذي ترجوه وتأمله؛ فأصل خلقه بالرحمة، ووجوده بالرحمة، والآخرة الأمل بالرحمة.

قال تعالى: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ (الزمر: 53).


(1) الإمام الخميني قدس سره، الأربعون حديثاً، ص257.
(2) العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج74، ص 167.
(3) السيّد البرجوردي، جامع أحاديث الشيعة، ج 15، ص 529.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع