نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مع إمام زماننا: الظهور ربيع القلوب (*)


آية الله الشيخ عبد الله جوادي الآمليّ


ذكر القرآن الكريم في عددٍ من آياته ومحكماته الأرض، وجملةً من التطوّرات المستقبليّة المرتبطة بها، إلى جانب إعادة الحياة إليها بعد موتها. كقوله تعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ (الحديد: 17). فظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، وما يحمله من إحياء للدين، يُعدّ ربيعاً حقيقيّاً.

* الربيع: عود حياة الطبيعة
يستفاد من ظاهر هذه الآيات أنّ عود حياة الطبيعة في الربيع، بعد انقضاء فصلَي الخريف والشتاء، وتجدّد العيش فيها من المسائل التي يجدر بالمؤمن أن يذكر فيها الله في مقام الوعظ والإرشاد؛ إذ إنّ الربيع بمنزلة الذكرى ليوم القيامة: "إذا رأيتم الربيع فاذكروا النشور"(1).

أضف إلى ذلك، أنّ في المقام رواياتٌ تقارن بين عود الحياة إلى الأرض بعد موتها، وبين الظهور المقدّس لصاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف، بملاك العدالة التي ستتحقّق على يد آخر حجّة إلهيّة عجل الله تعالى فرجه الشريف، فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلئت ظلماً وجوراً.

وعلى هذا الأساس، يكون للوجود وراء مظهره الخارجيّ حقيقةٌ باطنيّة، لها موتٌ وحياةٌ بنحوٍ آخر تجري فيها فصول السنة. ولعلّ من مراتب هذا المعنى -بحسب ظاهره- أنّ ها هنا أرضاً وطبيعة متفاوتة وفصولاً مختلفة. أمّا على مستوى بطون هذه الحقيقة المعنويّة الملكوتيّة، فالمراد أرضيّة الحياة ضمن الخلقة البشريّة؛ إذ إنّ موت الأرض وحياتها أمران طبيعيّان ملكيّان، إلّا أنّ وجود الأُفق للروح الإنسانيّة وعدم وجوده حقيقةٌ ملكوتيّة.

* نحوان من الموت والحياة
إن كان المراد من الأرض في الآية هو الأرضيّة، فظهور إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف من مصاديقها البارزة، ولا حاجة حينئذٍ إلى مزيد من توضيح وبيان. وأمّا لو كان المراد من هذا اللفظ معناه الظاهريّ، فلا تكون الآية ناظرة إلّا إلى الطبيعة وحياة الأرض وموتها الطبيعيّين، ومعه، فإنّ انطباق الآية على ظهور صاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف، بلحاظ أنّه أكمل المصاديق، بحاجة إلى تبيينٍ وتوضيحٍ.

فنقول: للإنسان نحوان من الموت والحياة: نحوٌ ظاهريّ وطبيعيّ، ونحوٌ باطنيّ وحقيقيّ. وتختصّ الحياة والموت الظاهريّان بما يقع بين الورود إلى الدنيا، والخروج منها، وبالمسائل الحياتيّة. وأمّا الحياة والموت الحقيقيّان للإنسان، فيتعلّقان بتكامله العقليّ والإيمانيّ.

* حياة الأرض وموتها
كما لا شكّ في أنّ للأرض حياةً وموتاً، إلّا أنّه ينبغي النظر في نوع حياتها وموتها: هل هو من قبيل الموت والحياة الباطنيّين الحقيقيّين أم لا؟ وإذ إنّنا نقطع بوجود نحوَين: ظاهريّ وباطنيّ في الإنسان، فإنّ ما يسبّب موته أو حياته الحقيقيّين يلزم أن يكون مشهوداً في الدنيا. وعليه، فيمكن إثبات وجود موتٍ آخر وحياةٍ أخرى للأرض وراء الشتاء والربيع الطبيعيّين، ووراء انفجار الأرض وفنائها.

ويُلاحظ: أنّ آيات الذكر الحكيم تثبت للمخلوقات نحواً من الإدراك والشعور والفكر. لقد أشار القرآن الكريم إلى أنّ الموجودات طرّاً تسبّح ذات الحقّ المقدّسة جلّ جلاله: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ﴾ (الإسراء: 44). ومن الواضح أنّ التسبيح فعلٌ لفاعلٍ مُدرِكٍ؛ إذ إنّ المسبّح لا بدّ من أن يدرك فعله، ويدرك الله الذي يسبّحه، إلى جانب إدراك حقيقة التسبيح والتنزيه بما ينسجم مع سعة وجوده، وإدراك الصفات السلبيّة والنقص والعيوب التي ينفيها بتسبيحه عن الله وتنزيهه للحقّ. ولا يخفى، أنّ هذا النحو من الإدراك لا يتأتّى لمن لا يملك الشعور أو الإدراك. وعليه، فجميع المسبّحين؛ أي الأرض والسماء والزمان والعالم وبنو آدم، لهم نحوٌ من الإدراك بحسب مراتبهم من الفكر.

مضافاً إلى التسبيح، يشير القرآن الكريم إلى شؤون أخرى في هذا الإطار، من قبيل ما يُستفاد من قوله تعالى: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا﴾ (آل عمران: 83)، وقوله تعالى: ﴿فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ (فصّلت: 11)، وقوله تعالى: ﴿وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ (النحل: 49)؛ فهي تشير جميعاً إلى أمور تُثبت أنّ لفاعلها نحواً من الشعور والإدراك.

وفي المقام أيضاً، جملةٌ من الروايات التي تشهد بوضوح على ما تقدّم؛ إذ تنسب الشهادة والشكوى والشفاعة والموعظة والنصيحة إلى الأرض، ما يدلّ على توفّر نحوٍ من الشعور للأرض. قال الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ للقبر كلاماً في كلّ يوم، يقول: أنا بيت الغربة، أنا بيت الوحشة، أنا بيت الدود، أنا القبر، أنا روضةٌ من رياض الجنّة، أو حفرةٌ من حفر النار"(2). ولمّا كان لجميع بلاد الأرض قابليّةٌ لأن تكون مقابر، بل هي في معرض ذلك، أمكن القول إنّ هذا الكلام كلام سائر بقاع الأرض.

* الربيع الحقيقيّ للأرض
إذاً اتّضح أنّ للأرض، -إلى جانب حياتها وموتها الطبيعيّين- حياةً وموتاً معنويّين، استناداً إلى قوله تعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ (الحديد: 17)، حيث تتحدّث الآية عن إحياء الأرض بعد موتها، فيمكن اعتبار مرحلة الظلم والجهل والكفر والنفاق للبشر على الأرض على المستوى العالميّ إحدى مراتب الموت المعنويّ للأرض، وعلى إثر الظهور المبارك والقيام الملكوتيّ لآخر ذخيرة إلهيّة عجل الله تعالى فرجه الشريف، سيتحقّق الإحياء المعنويّ والربيع الحقيقيّ للأرض، فيقضي على الظلم والجور. كما أنّ المسيح عليه السلام نفسه سيوقظ العالم النائم في الكفر والشرك؛ لتمتلئ الأرض بالعدل وتقوم بالقسط. إنّ هذا الإحياء هو الربيع الحقيقيّ، الذي يُخرج الأرض من خريفٍ وسباتٍ طويل، مع أنّها كانت تنتظره منذ مدّةٍ مديدةٍ، ليكتب على صفحات التاريخ بقلمٍ من نور وينير الأرض، بعد ما مرّ عليها زمانٌ حالكٌ مظلم، فتنبعث فيها الحياة والنشاط، وتزول عنها علامات الموت المعنويّ، وترتسم عليها علامات الحياة وحيويّة الشباب!

* ماءٌ معين
فما أعظم هذا الزمان الذي يظهر فيه نور الحكومة الإلهيّة ويبزغ فيه الفجر الصادق لخليفة الله!

إنّ هذا الربيع السعيد ماءٌ معين، يروي القلوب الميتة والأرض الجافّة بماء التوحيد والعدل، فيحيي القلوب القاسية، ليتحقّق من جديد شهود تلألؤ الشمس المنيرة لوجه الله.


(*) من كتاب: الإمام المهديّ الموجود الموعود عجل الله تعالى فرجه الشريف – الباب الثالث: من الظهور إلى المدينة الفاضلة – الفصل الثاني – بتصرّف.
1- تفسير الحقّي، ج 9، ص 229، وج 10، ص 373.
2- الكافي، الكليني، ج 3، ص 242.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع