نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مع الشهيدين أحمد ويوسف عبد الكريم ياسين


إعداد: نسرين إدريس


بسم الله الرحمن الرحيم
 ﴿رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَار﴾ُ
صدق الله العلي العظيم


الاسم: أحمد عبد الكريم ياسين
اسم الأم: كاملة مغربل
محل وتاريخ الولادة: كفرتبنيت 25/10/1966
الوضع العائلي: متأهل وله بنتان
الاسم الجهادي: كريم
تاريخ الاستشهاد: 5/5/1994

الاسم: يوسف عبد الكريم ياسين
اسم الأم: كاملة مغربل
محل وتاريخ الولادة، كفرتبنيت 7/7/1974
رقم السجل: 73
تاريخ الاستشهاد: 19/8/1994

يرحلون بصمتٍ يقتل فينا ضجيج الحياة.. يرحلون، ونبقى، وشتان ما بين رحيلهم وبقائنا.. وإن كانوا أبحروا في سفن الغياب عن أعيننا، فذكراهم حاضرة في خلجات الحياة أكثر منَّا، لأن الصور والمشاهدات التي يختزنها الزمن لهم هي التاريخ الصادب لهذا الوطن، وهي المرآة الوضاحة للهدف الذي من أجله قدموا أنفسهم..

و"كفرتبنيت"، تلك القرية التي تربض على كتفها الشمالي تلة "علي الطاهر" وقد جعل منها اليهود وعملاؤهم موقعاً يتربصون من خلاله سكون شوارعها، وطمأنينة ساكنيها، قد سُجِّل على جدران ذاكرتها أسماء أبنائها الذين تربوا وترعرعوا في أحضانها، وعندما شبوا وصاروا رجالاً يعتمد عليهم زرعوا ربيع عمرهم أقحوان نصر على جنباتها، وأعطوها حياتهم لتبقى كريمة مصانة..

ولم تكن "كفرتبنيت" تعني لأحمد ويوسف قرية ينتميان إليها فحسب، بقدر ما كانت قضية آمنا بها منذ الصغر، وكرسا حياتهما لخدمتها وخدمة أهلها. وهما اللذان عاشا في بيت متواضع يضم عشرة أفراد كان لقسوة الحياة محل بينهم، وطريق لأيامهم في زمن نسجت فيه الحرب ضباباً كثيفاً أمام المستقبل، وقد سار الهمّ الوحيد للناس هو تأمين ملجأ يقيهم شر اليهود، والعوز للقمة العيش.. ولأن أحمد كان فتىً واعياً متحملاً المسؤولية، قرر ترك المدرسة بعد أن أنهى علومه المتوسطة في مدرسة القرية ليساعد والده في عمله وليتحمل معه عبء المسؤولية الملقاة على عاتقه، فهو الفتى البار بوالديه، المحب والمضحي أمام أخوته، والقدوة لهم ولجميع من عاش معه ورافقه، إزاء ذلك، لم تكن صورة يوسف بعيدةً عن هذا الواقع، بل كان يحفظ المعاناة في صميم نفسه، إلاَّ أنه ولصغر سنه لم يشارك في خوض غمار العمل ليساعد والده وأخاه..

وعلى الرغم من الظروف العصيبة التي أحاطت بأحمد ويوسف، إلاَّ أنها لم تكن مانعاً أمامهما لمعرفة سبيل الحق وسلوكه، فالتزما بالأحكام الشرعية منذ صغرهما، وعمدا إلى تربية نفسيهما على الالتزام المطلق بولاية الفقيه التي مثّلت لهما حبل الله المتين، وباب الله الذي منه يؤتى، وكيف لا، وكان العشق للإمام الخميني (قدس سره) ونهجه وثورته قد رافق أيامهما، وعاش في نبض قلبيهما..

وكان أحمد يعلم أترابه الصلاة ويحثهم على أدائها في المسجد، وقد التحق مذ كان صغيراً بكشافة المهدي عجل الله فرجه الشريف ونشأ فيها إلى أن أصبح قائداً لفرقة تضم أربعين عنصراً، فكانت تلك الحقبة هي فترة البداية للانتساب للعمل الجهادي فالتحق بصفوف التعبئة عام 1985 بعد أن خضع للعديد من الدورات العسكرية والثقافية، وقد اختار مسيرة حزب الله نهجاً للوصول إلى حيث تطمئن وتهنأ نفسه ولم تثنه المشاكل الاقتصادية والظروف الصعبة التي قاساها إثر التزامه بهذه المسيرة عن متابعة طريقه نحو الحياة النورانية التي اختارها إلى جانب الأنبياء والأولياء والشهداء، فهو السبّاق إلى سوح الجهاد إذا ما دقّ نفير الحرب، والمجاهد الذي يقضي لياليه في الخطوط الأمامية ساهراً والبندقية متحاملاً في أكثر الأوقات على مرضه الشديد الذي يصيب معدته من حين آخر، كي ينعم أهل بلدته والقرى المجاورة بالطمأنينة والهدوء..

وفي المشهد الآخر، هو القدوة الذي يرشد الصغار، ويتحدث مع الكبار، ويوضح لهم أن خط الإمام الخميني (قدس سره) والسيد الخامنئي (حفظه الله) هو سبيل الخلاص في الدنيا والآخرة. وها هي حرب تموز تظهر مواقفه البطولية وشجاعته النادرة، فكم وكم عرَّض نفسه للخطر من أجل تأمين المواد الغذائية للأخوة المجاهدين من أبناء بلدته..

في المقابل تأثّر يوسف بأخيه تأثراً بالغاً، وهو الذي كان من تلامذته الذين حفظوا القضية التي جمعتهم على السرّاء والضرّاء، وجعلتهم إما مجاهدين على ثغور الحق، أو شهداء يرقدون في مدافنهم هانئين بعد أن أدّوا التحية لصاحب العصر عجل الله فرجه الشريف، فإن عشق الجهاد سرى في شرايينهما كسريان الدم، فإذا بيوسف يتعلّم من أخيه ويحذو حذوه، واختار أن يكون إلى جانبه يؤازره ويشدّ على يده التي ما عشقت سوى البندقية، فكان عمره حين التحق بصفوف التعبئة حوالي أربعة عشر عاماً، تاركاً الأحنلام التي يحملها الشبان في بدايات حياتهم، والآمال بالغد، ليكون رجلاً من الرجال الذين إذا أرادوا أراد الله، وخضع لعدة دورات عسكرية أهمها دورة الكوماندوس التي كانت الأخيرة، ولكنه، وبعكس أخيه الذي كان يولي الجانب الاجتماعي حيزاً مهماً في حياته، كان يحصر اهتماماته بالشؤون العسكرية فقط لا غير..

وتمر السنون كالحلم الذي نقش على وجه المياه الصافية، والجهاد في سبيل الله هو الساكن الوحيد لقلبيهما، وفي العام 1991 كلّف أحمد بمسؤولية البلدة، وصار يستقطب الشبان بأسلوبه المميز، ويحثهم على العمل، ويبين لهم بعض الأمور التي عمد البعض إلى تلوينها باللون الرمادي إخفاءً للحقيقة، فيظهر الحق أينما كان، يحب الناس ويتودد إليهم، وتحترمه الناس وتوقّره، وتأخذ بنصائحه وتوجيهاته، فروحه الطاهرة ونفسه الصافية كانتا تأشيرة دخول إلى القلوب التي تعاشره أو تتعرّف إليه، وإن كان الله قد منّ عليه بطفلتين أحبهما حباً جماً، إلاَّ أن تعلقه بهما لم يجعله لحظة واحدة يغيّر هدفه المنشود، وهو الشهادة في سبيل الله ولا شيء غيره، هذا الحلم الذي شاركه فيه أخوه يوسف، وحنمله معه في سكنات فؤاده وخاصة أنه في الفترة الأخيرة بدأ أصدقاؤه واحداً بعد الآخر يرحلون إلى حيث يسكنون عند مليك مقتدر..

ولم يطل انتظار أحمد، فأثناء أدائه لتكليفه في جبل صافي، نال الشهادة التي كان لأجلها مجاهداً مقداماً، محتسباً وصابراً، بائعاً راحة الدنيا، راضياً بمرارة البقاء إذا كان في رضا الله، إلى أن نالت نفسه ما صَبَت إليه، وغادر شوارع كفرتبنيت ليسكن في أعماقها في جوار الشهادء من أبناء بلدته، وإذا كانت السنوات السبع التي فرّقت بين مولده وميلاد يوسف، فإن الأخير اختار أن يختصرها بأربعة أشهر حين الرحيل، وسرعان ما لحق به حاملاً شوقه إليه، وذلك أثناء عملية عسكرية بين موقعي "البرج"، و"علي الطاهر"، اعترف حينها العدو بقتيلين وثلاثة جرحى، وزفت المقاومة الإسلامية إلى جانب الشهيد يوسف، الشهيدين حسين الحايك، وموسى حبيب فحص..

إذا كان أحمد ويوسف قد غادرا "كفرتبنيت" فإنهما ساكنين في حنايا ذاكرتها، وأحاديث أهلها، وإسماهما مخلّدان في السجل النوراني المدوّن فيه أسماء أبطال المقاومة الإسلامية..

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع