نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

شعبان شهري: واقبل دعائي إذا دعوتك


الشيخ د. أكرم بركات


قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ (البقرة: 186).

في شهر شعبان شهر التضرع والدعاء والارتباط بالإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، والدعاء له بالظهور، نذوق طعم عبادة مختلفة، تبدأ بالاعتقاد إلى الارتباط، وصولاً إلى الارتقاء.. فكيف ندعو الله تعالى لنرقى؟

•الله.. العلّة الحقيقيّة
نؤمن أنّ الأسباب الطبيعيّة التي اعتدناها، ليست أسباباً حصريّة للمسبَّب، فأنا حينما يؤلمني رأسي مثلاً، وأتناول قرص دواء، أؤمن أنّ هذا القرص هو علّة وسبب لزوال الألم من رأسي، ولكنّي أعتقد أيضاً بأمرين: أولاً، أنّ قرص الدواء مع أنّه علّة، إلاّ أنّ الله تعالى هو العلّة الحقيقيّة للشفاء: ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ (الشعراء: 80). ثانياً: إنّ الله تعالى قادر على أن يشفي رأسي من دون حبّة الدواء، وذلك بوساطة أخرى قد تكون بتيسير طبيب له، وقد تكون غير ذلك. من هنا، يأتي الدعاء الذي هو اتّصال من العبد بالمولى تعالى، ليطلب منه ما يريد.

•الدعاء توكُّلٌ على الله
إنّ المؤمن إذا كانت له حاجة، فإنّه يعتقد أنّ الله تعالى عالم بها، قادر على تلبيتها، كريم لا بخل في ساحته، وهذا يدعو إلى التوكُّل عليه. يبقى أن يفصح العبد المعتقِد بذلك له عمَّا يريد، وهو على يقين أنّ الله تعالى يسمع دعاءه: ﴿إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء﴾ (إبراهيم: 39). ويكفي في الحثّ على الدعاء قوله تعالى: ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ﴾ (الفرقان: 77).

•آداب الدعاء
للدعاء آداب تزيد من فعّاليّته في الاستجابة، من هذه الآداب:

1- البدء بالبسملة: عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يردّ دعاء أوّله بسم الله الرحمن الرحيم"(1).

2- تقديم التمجيد على الدعاء: عن الإمام الصادق عليه السلام: "كلّ دعاء لا يكون قبله تمجيد، فهو أبتر"(2).

لذا نلاحظ أنَّ الأدعية المأثورة امتازت بتقديم مدح الله تعالى وتمجيده، فأوّل دعاء كميل: "اللهم إنّي أسألك برحمتك التي وسعت كلّ شيء، وبقوتك التي قهرت بها كلّ شيء، (...) وبجبروتك التي غلبت بها كلّ شيء، وبعزّتك التي لا يقوم لها شيء، وبعظمتك التي ملأت كلّ شيء"(3).

3- الصلاة على محمّد وآل محمّد: ورد عن الإمام عليّ عليه السلام: "لا يزال الدعاء محجوباً حتى يصلّي على محمّد وآل محمّد"(4). وعن الإمام الصادق: "من كانت له إلى الله عزّ وجلّ حاجة، فليبدأ بالصلاة على محمّد وآله، ثمّ يسأل حاجته، ثمّ يختم بالصلاة على محمّد وآله محمّد؛ فإنّ الله عزّ وجلّ أكرم من أن يقبل الطرفين ويدع الوسط"(5).

4- التوسّل بمحمّد وآله: في الدعاء المأثور: "اللهمّ إن كانت ذنوبي قد أخلقت وجهي عندك، وحجبَتْ دعائي عنك، فصلّ على محمّد وآل محمّد، واستجب لي يا ربّ بهم دعائي"(6).

5- تقديم الإقرار بالذنب على الدعاء: عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّما هي المدحة، ثمّ الثناء، ثمّ الإقرار بالذنب، ثمّ المسألة"(7).

6- تقديم الدعاء للإخوان: عن الإمام الصادق عليه السلام: "من قدّم أربعين من المؤمنين، ثمّ دعا استجيب له"(8).

7- التضرُّع: ورد في سيرة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرفع يديه إذا ابتهل ثمّ دعا، كما يستطعم المسكين"(9).

8- الدعاء في اجتماع المؤمنين: عن الإمام الصادق عليه السلام: "ما اجتمع أربعة رهط قطّ على أمر واحد، فدعَوا الله، إلاّ تفرّقوا عن إجابة"(10).

•الدعاء الأكمل
أمّا ليكون الدعاء أكمل، ويضيف ارتباطاً معنوياّ للداعي، فعليه:

1- التعبّد بالنصّ المأثور: ورد عن عبد الرحيم القصير قال: دخلتُ على أبي عبد الله عليه السلام، فقلت: جُعلت فداك، إنّي اخترعت دعاء، قال عليه السلام: "دعني من اختراعك"(11). فلم يسمح له الإمام عليه السلام بعرض الدعاء عليه.

وورد أنّ الإمام الصادق عليه السلام علّم عبد الله بن سنان أن يقول في الدعاء: "يا الله، يا رحمن، يا رحيم، يا مقلَّب القلوب، ثبّت قلبي على دينك، فقال عبد الله: يا مقلِّب القلوب والأبصار، ثبّت قلبي على دينك، فقال عليه السلام: إنّ الله عزّ وجل مقلّب القلوب والأبصار، ولكن قل كما أقول: يا مقلَّب القلوب، ثبّت قلبي على دينك"(12).

وقد أنعم الله علينا بمائدة واسعة من الأدعية المأثورة التي قال عنها الإمام الخمينيّ قدس سره: "نحن نفخر أنّ منّا مناجاة الأئمّة الشعبانيّة، ودعاء عرفات للحسين بن عليّ عليهما السلام، والصحيفة السجّاديّة زبور آل محمّد، هذا والصحيفة الفاطميّة ذلك الكتاب الملهم من قِبَل الله تعالى للزهراء المَرضية"(13).

2- اختيار الوقت الأنسب: إنّ الأوقات كلّها لله، لكن ثمّة أوقات خاصّة يُستحبّ فيها الدعاء، منها:

أ- وقت السحر: "من كانت له إلى الله عزّ وجلّ حاجة، فليسأله إيّاها في الأسحار بعد فراغه من صلاة الليل، فإنّها الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء..."(14).

ب- قبل غروب يوم الجمعة: ما ورد عن السيِّدة الزهراء عليها السلام: "سمعتُ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إنّ في الجمعة لساعة لا يراقبها رجل مسلم يسأل الله عزّ وجلّ فيها خيراً، إلاّ أعطاه إيّاه. قلت: يا رسول الله، أيّ ساعة هي؟ قال: إذا تدلّى نصف عين الشمس للغروب. قال: وكانت فاطمة عليها السلام تقول لغلامها: اصعد على الضراب، فإذا رأيت نصف عين الشمس قد تدلّى للغروب، فأعلمني حتّى أدعو"(15).

3- اختيار المكان الأنسب: فالأمكنة كما الأزمنة كلّها لله، إلاّ أنّ ثمّة أمكنة خاصّة يُستحبّ فيها الدعاء، منها:

أ- المسجد: ورد أنّ الإمام الصادق عليه السلام: "كان مريضاً، فأمر، فأُخرج إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكان فيه حتّى أصبح ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان"(16).

ب- تحت قبّة مقام الإمام الحسين عليه السلام: عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في حديثه عن الإمام الحسين عليه السلام: "... ألا وإنّ الإجابة تحت قبّته..."(17).

4- اختيار الحالة الأفضل: ورد في الكافي: "أقرب ما يكون العبد من الربّ وهو ساجد باك"(18).

• شروط الدعاء
ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "إن لم تأتِ بشرط الدعاء، فلا تنتظر الإجابة"(19)، من هذه الشروط:

1- معرفة الله: قيل للإمام الصادق عليه السلام: "ندعو فلا يُستجاب لنا، قال: لأنّكم تدعون من لا تعرفونه"(20).

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "أربعة لا يُستجاب لهم دعوة، الرجل جالس في بيته يقول: اللّهم ارزقني..."(21).

2- اليقين: عن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا دعوتَ فأقبل بقلبك ثمّ استيقن الإجابة"(22). وورد عنه عليه السلام: "إذا دعوتَ فأقبل بقلبك، وظنّ حاجتك بالباب"(23).

3- العمل: سُئل الإمام الصادق عليه السلام: "جُعلت فداك إنّ الله يقول: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ (غافر: 60)، فإنّا ندعو فلا يُستجاب لنا، قال عليه السلام: "لأنّكم لا تفون لله بعهده، وإنّ الله يقول: ﴿وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾ (البقرة: 40)، والله لو وفيتم لله، لوفى لكم"(24).

4- طيب المكسب: عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "من أحبّ أن يُستجاب دعاؤه، فليطيب مطعمه ومكسبه"(25).

•لاستجابة الدعاء
أخيراً، ثمّة جملة من الاعتقادات التي تساهم في قبول الله تعالى للدعاء، يجدر الالتفات إليها:

1- حُسن الظنّ بالله: عن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا دعوت، فظنَّ أنّ حاجتك بالباب"(26).

2- عدم استكثار المطلوب: عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "سلوا الله وأجزلوا؛ فإنّه لا يتعاظمه شيء"(27).

3- عدم استصغار شيء من الدعاء: ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إنّ الله تبارك وتعالى أخفى إجابته في دعوته، فلا تستصغرنّ شيئاً من دعائه، فربّما وافق إجابته، وأنت لا تعلم"(28).

1.بحار الأنوار، (م، س)، ج90، ص 313.
2.(م، ن)، ص 221.
3.مصباح المتهجّد، الطوسيّ، ص 844.
4.الكافي، الكلينيّ، ج2، ص 491.
5.(م، ن)، ص 494.
6.بحار الأنوار، (م، س)، ج91، ص 22.
7.الكلينيّ، (م، س)، ج2، ص 484.
8.(م، ن)، ج2، ص 509.
9.بحار الأنوار، (م، س)، ج16، ص 287.
10.الكلينيّ، (م، س)، ج2، ص 487.
11.الكلينيّ، (م، س)، ج3، ص 476.
12.بحار الأنوار، (م، س)، ج52، ص 149.
13.الوصيّة الخالدة، الإمام الخميني، ص 9.
14.المقنعة، المفيد، ص 145.
15.معاني الأخبار، الصدوق، ص 400.
16.مستدرك الوسائل، الطبرسيّ، ج 7، ص 475.
17.وسائل الشيعة، (م، س)، ج14، ص 452.
18.الكلينيّ، (م، س)، ج2، ص 483.
19.بحار الأنوار، (م، س)، ج 90، ص 322.
20.جامع أحاديث الشيعة، البروجردي، ج15، ص221.
21. وسائل الشيعة، (م، س)، ج7، ص 124.
22.بحار الأنوار، (م، س)، ج90، ص 305.
23.الكافي، (م، س)، ج 2، ص 473.
24. المجلسيّ، (م، س)، ج90، ص 368.
25.(م، ن)، ص 372.
26.(م، ن)، ج2، ص 473.
27.بحار الأنوار، (م، س)، ج8، ص 221.
28.(م، ن)، ج66، ص 274.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع