صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

كيف يُستجاب الدعاء؟

قال تعالى: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ(غافر:60). للدعاء آداب وأسرار تهيئ له الأسباب للإجابة والقبول من الباري تعالى. سنجيب في هذه المقالة، وباختصار مفيد، عن بعض الأسئلة التي تعين الداعي في إجابة دعائه، وذلك ضمن المسائل التالية:
ما هي الحكمة من مراعاة بعض الآداب في القرب واستجابة الدعاء؟
ما هي ثمار التوفيق للدعاء؟
ما هي علامات قبول الدعاء؟
ما هي موانع الاستجابة؟
ما هي الحكمة من عدم الاستجابة، أو تأخيرها؟
عن الإمام الصادق عليه السلام: "...فارغبوا فيما رغبكم الله فيه، وأجيبوا الله إلى ما دعاكم؛ لتفلحوا، وتنجوا...".

* حكمة مراعاة آداب الدعاء
لا بدّ للداعي أن يعلم أنّه يقف بين يدي العزيز المقتدر، ويتوجّه بخطابه لجبّار السماوات والأرض، ومالك الملك، ويتوقّع أن يحظى برعاية الله تعالى ورحمته بحيث يستجيب دعاءه. وهذا يستوجب منّا أن نلتفت إلى الآداب الواردة في الروايات التي تعلّمنا كيف نكون على أفضل حال من جهة التأدّب أمام جبّار السماوات والأرض، وكيف نكون أقرب لقبول الدعاء واستجابته.
قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ (البقرة:186).
فقوله تعالى ﴿إِذَا دَعَانِ، يدل على أن وعد الإجابة المطلقة، إنما هو إذا كان الداعي داعياً بحسب الحقيقة مريداً بحسب العلم الفطري والغريزي مواطئاً لسانه قلبه، فإن حقيقة الدعاء والسؤال هي ما يحمله القلب ويدعو به لسان الفطرة، دون ما يأتي به اللسان الذي يدور كيفما أدير صدقاً أو كذباً، جداً أو هزلاً، حقيقةً أو مجازاً1. من هنا ينبغي مراعاة آداب الدعاء من أجل تحقيق حقيقة الدعاء، وكي يكون الدعاء بلسان الحال لا بلسان القال.

* ثمار التوفيق للدعاء
تظهر ثمار التوفيق للدعاء في الدنيا كما لها آثار تظهر في الآخرة، وذلك ما حدثتنا عنه الروايات عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيت العصمة عليه السلام:
فالآثار الدنيوية للدعاء والتي نستخلصها من أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام أبرزها2:
- الدعاء شفاء من الداء.
- الدعاء ادّخار وذخيرة في حال الرخاء لوقت البلاء.
- الدعاء يهذّب النفس.
- الدعاء سلاح المؤمن.
- الدعاء تلقين لأصول العقيدة.
- الدعاء يرد القضاء ويدفع البلاء.
أمّا الآثار الأخروية فهي:
- الفلاح.
- النجاة من العذاب.
وفي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "عليكم بالدعاء، فإنَّ المسلمين لم يدركوا نجاح الحوائج من ربهم بأفضل من الدعاء، والرغبة إليه، والتضرع إلى الله، والمسألة. فارغبوا فيما رغبكم الله فيه، وأجيبوا الله إلى ما دعاكم؛ لتفلحوا، وتنجوا من عذاب الله"3.

* علامات قبول الدعاء
ذكر الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ له، ثلاث علامات لقبول الدعاء فقال: "إذا اقشعرّ جلدك، ودمعت عيناك، ووجل قلبك، فدونك دونك4 فقد قصد قصدك5"6.

* موانع استجابة الدعاء
ووردت رواية عن أمير المؤمنين عليه السلام يفصّل فيها الموانع جواباً لرجل سأله عن ذلك فقال عليه السلام: "إن قلوبكم خانت بثمان خصال:
أوّلها أنّكم عرفتم الله فلم تؤدّوا حقّه كما أوجب عليكم، فما أغنت عنكم معرفتكم شيئاً.
والثانية أنّكم آمنتم برسوله ثمّ خالفتم سنّته وأمتّم شريعته، فأين ثمرة إيمانكم؟
والثالثة أنّكم قرأتم كتابه المنزل عليكم، فلم تعملوا به، وقلتم سمعنا وأطعنا، ثمّ خالفتم.
والرابعة أنّكم قلتم إنّكم تخافون من النار، وأنتم في كلّ وقت تقدمون إليها بمعاصيكم فأين خوفكم؟
والخامسة أنّكم قلتم إنّكم ترغبون في الجنّة وأنتم في كلّ وقت تفعلون ما يباعدكم منها، فأين رغبتكم فيها؟
والسادسة أنّكم أكلتم نعمة المولى ولم تشكروا عليها.
والسابعة أنَّ الله أمركم بعداوة الشيطان وقال:﴿إنَّ الشيطان لكم عدوّ فاتّخذوه عدواً فعاديتموه بلا قول، وواليتموه بلا مخالفة.
والثامنة أنّكم جعلتم عيوب الناس نصب عيونكم، وعيوبكم وراء ظهوركم، تلومون من أنتم أحقّ باللوم منه، فأيّ دعاء يستجاب لكم مع هذا؟ وقد سددتم أبوابه وطرقه؟ فاتقوا الله وأصلحوا أعمالكم، وأخلصوا سرائركم وأمروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر فيستجيب الله لكم دعاءكم"7.

* الحكمة من عدم الاستجابة أو تأخيرها
يتساءل بعضنا عن عدم إجابة دعواتهم، خاصة في حال مراعاتهم آداب الدعاء التي ليست المانع الوحيد من عدم الإجابة، والّذي دونه موانع لا بد من مراقبتها8.
ومن هذه الموانع:
1- قد يكون الدعاء مخالفاً لسنن التكوين والتشريع، كمن يسأل الله الخلود في الدنيا أو الدعاء على أخيه المسلم، أو يدعو الإنسان على نفسه حال الضجر.
2- عدم مراعاة الداعي لآداب وشروط الدعاء.
3- لوجود موانع تمنع من صعود الدعاء، مثل أكل الحرام، وقطع الرحم وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر...

أما في تأخير الاستجابة للدعاء فأمور منها:
1- أن يكون هناك مفسدة في التعجيل للداعي، أو لغيره.
ومضمون هذا الكلام في دعاء الافتتاح: "ولعلّ الذي أبطأ عنّي هو خير لي لعلمك بعاقبة الأمور"9.
2- أن يكون من شدّة محبّة الله لعبده للإكثار من الدعاء، وسماع صوته.
وممّا تقدّم يتبيّن: أن الدعاء مستجاب إذا أخلص الداعي في إتيان أدبه وشرطه، وتوجّه بقلبه إلى الله تعالى منقطعاً عن جميع الأسباب. والاستجابة إمّا عاجلة في دار الدنيا، أو آجلة في الآخرة. وإذا تأخرت الاستجابة فلمصالح لا يعلمها إلا عالم السرّ وأخفى. وتأخيرها لا بدّ فيه من مصلحة للداعي، فعلى الداعي أن لا يقنط من رحمة ربّه، ولا يستبطئ الإجابة فيملّ الدعاء.
هذا والحمد لله رب العالمين.


1-  تفسير الميزان، السيد الطباطبائي، ج 2، ص 33 .
2- هذه العناوين مستخرجة من الروايات الواردة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام في وسائل الشيعة (الإسلامية)، الحر العاملي، ج4، ص1089.
3-  م.ن.
4- أي اغتنم هذه اللحظة.
5- أي جاء الوقت المناسب وهي لحظة الاستجابة.
6- الخصال، الشيخ الطوسي، ص .82
7- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 90، ص 376، 377.
8- بتصرف.والعناوين مستخرجة من الروايات هذه المسألة مستفادة من كتاب. "الدعاء حقيقته، آدابه، آثاره"، مركز الرسالة، ص 76، 80.
9- إقبال الأعمال، ابن طاووس، ج1، ص136.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع