الأسير المحرر علي حيدر
لا شك أن الأسر والاعتقال مدرسة عظيمة من مدارس الحرية والكرامة والجهاد، حيث أن المجاهد الأسير أو المعتقل يتعرض لأحلك الظروف وأعظم الأخطار ومع ذلك فهو على أتم استعداد لتقديم أنفس القرابين وأغلى التضحيات.
فما هي هذه الأخطار التي يواجهها الأسرى والمعتقلون؟ وما هي ظروف التعذيب وأساليبه؟ وكيف يمكن مواجهة هذه الأخطار والأساليب؟ وما هو صدى المقاومة في المعتقلات؟ وكيف تقم الأنشطة التعبوية فيها؟ أسئلة كثيرة وغيرها نحاول مع الأخ الأسير المحرر علي حيدر أن نجيب عليها على صفحات المجلة لتكون لنا منارة وعبرة.
كلمة لا بد منها:
في البدء أجد نفسي مضطراً لأن أقدم الاعتذار لكل الأسرى المحررين ولكل الأحرار المرابطين في معاقل الحرية ولكل عوائلهم لأني أشعر بالقصور في التعبير الذي يبرز معاناتهم وبطولاتهم. كما ينبغي لها أن تبرز. وعن القصور في إعطائهم حقهم فيما سطروه من ملاحم مشرفة في زنازينهم، ولكن ما لا يدرك كله لا يُترك جله.
ومما لا شك فيه أن أوَّل ما يفض نفسه في هذا الموضع هو التساؤل عن خلفية وأهداف الكتابة عن موضوع الأسرى، لذا ينبغي الإشارة إلى أن حديثنا عن الأسرى وظروفهم وتحديداً أسرى الصراع مع الصهاينة يأتي في سياق المحاولات لصياغة رؤية ثقافية ومن ثم تأصيلها في الواقع بالتالي لتضرب بجذورها به قضية الأسرى من دلالات توجب وتبرر هذا السعي، وخاصة أن المسافة بين الأسير بكل تفاصيل تضحياته الكبيرة وبين الناس وإن كانت ليست ببعيدة إلاّ أنها ليست بقريبة أيضاً... هذه التفصيلات التي تدخل في دقائق التضحية هي التي ينبغي أن تصبح نمطاً من أنماط الثقافة وهذا أمر لا يمكن أن ينجز إلا من خلال جهد ثقافي، كما أن ترابط قضية الأسرى والمعتقلين في السجون الإسرائيلية مع قضية المقاومة، بل إنها إحدى القضايا المقاومة الرئيسية وهي وجه رافد من روافدها التي تساهم في إضفاء طابع القداسة عليها، يجعل كل الأنشطة التي تتناول هذه القضية (الأسرى والمتعقلين) امتداداً لحركة المقاومة، وخاصة أنها تشكل مادة من مواد السجال مع العدو الصهيوني ما فرض علينا العمل على فضح وتعرية الأساليب الهمجية التي تعكس الحقد والعداء الصهيوني لأمتنا.
* الأسلوب المعتمد:
يوجد أكثر من أسلوب يمكن أن يعتمد في قراءة واقع الأسر وحيثياته لسنا في مقام الشرح حول ذلك- إلاّ أنه بالإجمال سوف نعتمد الأسلوب الشمولي بشكل عام وذلك للإحاطة بمفردات السياسة الإسرائيلية (في معتقل الخيام) المتكاملة والموجهة لأنه وإن كانت المصاديق المتنوعة موزعة ومتغيرة عمودياً وأفقياً إلا أنها ترجمة لخطة مرسومة أملتها الذهنية العدائية الحاقدة للصهاينة.
* تساؤلات تبحث عن أجوبة:
ما هي نظرة العدو الإسرائيلي إلى الأسرى والمعتقلين وبالتالي كيفية التعامل معهم؟ هل أن القضية بالنسبة لإسرائيل هي مجرد اعتقال للأسرى ومن ثم إيداعهم داخل الزنازين بانتظار ما سؤول إليه مجريات الصراع، أم أن هناك سياسة معينة لها مفرداتها وأهدافها تتعامل خلالها معهم؟ وما هي الأخطار التي واجهها ويواجهها الأسرى والمعتقلون، واليت فيما لو لم يتجاوزوها لسقطوا في أشراك الصهاينة.
وفي مقابل ذلك كيف واجه الأسرى هذا الواقع وهم مقيدون في زنزاناتهم وتطوقهم الأسوار المحصنة من كل جانب وتحيط بهم صيحات الجلادين من كل مكان وتتلوى على أجسادهم السياط... وكيف كانت نتائج تلك المواجهة وغير ذلك من التساؤلات والقضايا التي سنتناولها في المستقبل إن شاء الله تعالى.
* سياسة العدو في المعتقل:
يمكن لنا أن نعبر عن هذه السياسة بأكثر من أسلوب وأن نستبدل أي عنوان أو مفردة بالكثير من العناوين الأخرى البديلة، إلا أنها تعبر عن مضمون وجوهر واحد ومن الطبيعي أن يكون التقسيم المعتمد تقسيماً اعتبارياً تتطلبه منهجية الدراسة لأن نفس المصاديق التي يمكن أن نشير إليها- أو نتجاوزها- هي في وجه، تعكس عنواناً معيناً، وفي وجه آخر تعكس عنواناً آخر، وهكذا، نذكر هنا جملة من العناوين:
1- اعتبار المعتقل حقلاً من حقول الانتقام.
2- زرع الفرقة والشقاق بين المعتقلين والأسرى.
3- محاولة تقديم الأسير كنموذج سيء للأمة.
4- نشر الأخبار المدروسة والهادفة وبث الشائعات.
5- استخدام الأسرى كورقة من أوراق الضغط.
6- منع الأسرى من التحصيل الثقافي بمختلف أنواعه: الدينية والسياسية
1- الانتقام:
يمكن للإنسان أن يفسر بعض ما يتعرض له الأسرى من قبل الإسرائيليين والعملاء باعتباره الوسيلة لانتزاع المعلومات (وفي هذا المنحى يبرز أيضاً الطابع الهمجي والوحشي)، إلاّ أنه من الواضح أن أكثر ما عاناه المعتقلون والأسرى لا علاقة له بذلك من قريب أو بعيد، إلاَّ أن الحقد المشبعة نفوسهم به وعجزهم أمام المجاهدين وعدم قدرتهم على النيل من مقاومتهم واستمرار الضربات تلو الضربات لهم كان يدفع الصهاينة إلى أن يوجهوا إجرامهم باتجاه ما يعتبرونه الحلقة الأضعف، وذلك بسبب أن الأسرى عُزّل من السلاح، وكان يتجلى ذلك بالتجويع الشديد المؤلم والضغط النفسي المتواصل ومنع مقابلات الأهالي لأبنائهم المعتقلين والضرب المبرح الشديد لأتفه الأسباب ومن دون أسباب أيضاً وغير ذلك الكثير الكثير من التفصيلات الواسعة... التي لا مجال لذكرها لأن لكل نموذج من النماذج التي ذكرتها قصصاً وقصصاً كثيرة جداً لا مجاد لحصرها.. ولا يمكن لنا أن نحدد هذفاً لهذه الأساليب إلاَّ الانتقام وخاصة أنه كان يحصل بعد انتهاء التحقيق فضلاً عن فترة التحقيق... ومن المعروف أن كل هذه الأفعال الانتقامية لن تتمكن من أن تحول دون استمرار الضربات لهم بل على العكس فإنها تزيد من حافز المجاهدين. ويكفي أن نعرف أن هناك العديد من الأسرى سقطوا شهداء أو أصيبوا بأمراض مستعصية نتيجة الهمجية في التعذيب والإهمال الطبي.
* ملاحظة: إن هذا الموضوع خاص بما جرى في معتقل الخيام دون غيره.
* تم السماح بإدخال الكتب إلى معتقل الخيام بعد دخول الصليب الأحمر الدولي في كانون الأول 1995 ولذلك أسبابه وظروفه.