أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

قصة العدد: حاملو الأمانة


فضيلة الشيخ كاظم ياسين


ضيّق الصليبيون حصارهم البري والبحري على مدينة صور التي صمدت في وجههم خمسة وعشرين عاماً يعاونها السلاجقة تارةً من البرّ والفاطميون تارةً أخرى من البحر.. وكان أحد البحّارة الفاطميين يتولّى مهمّة نقل الرسائل والمال إلى صور من السفن الفاطمية المتمركزة في عرض البحر.

وبسبب كثافة الوجود البحري للسفن الصليبية لم يكن يجرؤ الأسطول الفاطمي على التقدّم إلى البرّ الصوري.. إلاّ أنّه اعتمد على هذا الغطّاس الماهر الذي كان يسبح حتّى يصل إلى قرب السفن الصليبية ثمّ يقوم بعد ذلك بالغطس والسباحة تحت الماء إلى أن يصل إلى مجال رماية الصوريين فيخرج من الماء حاملاً الرسائل وصرر الدنانير الثقيلة.
وهكذا، رغم بعد المسافة، وصعوبة الطريق وخطرها، ورغم ثقل الحمولة دائماً، كان يجاهد في الوصول إلى صور والعودة منها سباحة وغوصاً..
إلاّ أنّ صباحاً أشرق ومضى نهاره وليله ولم يصل الغطّاس المجاهد ومرّت الأيام، وارتفعت الصيحة على الشاطئ:
جثّة تقاذفها الأمواج قرب الشاطئ..

ونزل الرجال وانتشلوه بعد أن خفّفوا حمله من الدنانير وآخر ما أرسله الفاطميون إلى المدينة المجاهدة المحاصرة من الرسائل، وبعد أن انتزعوا سهماً غرس في ظهره فقتله وهو يؤدّي مهمته..
استشهد، ولكنّه أبى إلاّ أن يوصل الأمانة ويكمل مهمّته حتّى بعد شهادته..

بذلك الشهيد حسن الأخرس قصارى جهده لكي يخفي علاقته بالمقاومة الإسلامية، حتّى أنّه كان مستعداً لأن يقسم لأهالي الشباب في قريته كفرتبنيت بأنّه لا يعرف أين هم وأنّه لا يتصل بهم..!! حفاظاً على مهمته ودوره..
لقد كان الشهيد حسن الأخرس من رجال الاستطلاع المهرة ومن أسود المقاومة الإسلامية الذين كانت تعتمد عليهم قيادتها في نقل المجموعات المقاتلة عبر الوديان والجبال لمعرفته الدقيقة بمسالكها ودروبها..
وكانت مهمّته في ذلك اليوم مزدوجة تحمل في طيّاتها صعاباً ومخاطر، وافق كعادته على تحمّلها وبشجاعة وحماس.. فقد كان عليه قيادة مجموعة من المقاتلين الذين ينبغي أن يلتحقوا بقوات المقاومة المحاصرة.. وكانت الطريق محفوفة بالمخاطر من جهة الأصدقاء والأعداء معاً، ولمن يكن عند المقاومة أفضل من الشهيد حسن الأخرس لإيصال المجموعة بأمان بدون احتكاك بأحد وبدون تعريضها لخطر الوقوع في كمائن العدو.

وكان عليه أيضاً إيصال أمانة أخرى لقيادة المقاومة هناك.. مبلغاً كبيراً من المال ورسائل تتعلّق بأمور المقاومة السياسية والعسكرية..
وأضافت الحقيبة العسكرية على ظهره ثقلاً فوق ثقل المهمة الكبيرة فقد كان عليه أيضاً أن يتصرّف كقائد مجموعة وليس كدليل فقط.
وسار الرجال وراءه، وقد وضعوا كلّ ثقتهم فيه، ينفّذون أوامره بحرفيتها ويطبقون تعليماته بدقّة.. فتوغلوا في الطريق الجبلية الوعرة.. وأصبحوا من هدفهم قاب قوسين أو أدنى.. ولكن صلية من رشاش نثرت التراب بين قدمي الشهيد حسن الأخرس فصرخ في المجاهد الذي خلفه..
وقعنا في كمين.. تحوّل إلى ذلك الطريق مع الشباب وأقصد تلك الوهدة واتجه من هناك غرباً.. بسرعة.
لم يقل له شيئاً، ولم يعترض، ولم يسأله عن نفسه، ولم يخطر بباله أن يقول له: وأنت؟ ماذا ستفعل؟
فقد كانت أوامره صارمة، لا تقبل النقاش..

وبسرعة إنحنى المجاهدون وبدّلوا طريقهم واختفوا من مرمى الكمين بمناورة ناجحة ولم يشتبكوا معه.. ولكن الرصاص كان يملأ مسامعهم وأفئدتهم التي غمرها عشق لم يرتوِ من هذا المجاهد الذي قادهم وأمر بتركه وحيداً فغادروه بدون أن يستطيعوا معه قتالاً.. بينما صوت طلقات بندقيته يصل إلى مسامهم وكأنّه كلمات وداع..
بندقية الشهيد تواجه عشرات البنادق، ولم يعلموا ما الذي جرى له وكيف يشتبك معهم لوحده وكيف يخوض المعركة، إلاّ أنّهم أخذوا يبتعدون رويداً رويداً وصوت الرصاص يختفي أيضاً رويداً رويداً..
ومرّت الأيام.. ولم يكن أمام أفراد المجموعة بعد وصولها إلاّ همّ معرفة الذي حصل للشهيد، بينما كان أمام قيادة المقاومة هم آخر أيضاً..
ليسم المال.. فإنّه أرخص ما في البين..
ولكن الرسائل لها طابع غير عادي.. فاستبدّ بالقيادة القلق وقرّرت إرسال مجموعة تستطلع وضع الشهيد.. وحقيبته السريّة..
وتوغّلت المجموعة يعاونها المجاهد الذي كان يسير خلف الشهيد وأمره بقيادة المجموعة بدلاً منه. ووصلت إلى نفس المكان الذي فارقهم فيه إلاّ أنّ أثراً له هناك لم يكن موجوداً..
أين هو إذن؟
وتفرّق الرّجال يمنة ويسرةً وأمعنوا في البحث وابتعدوا عن ذلك المكان، وعلى بعد خمسين مرتاً وتحت جبّ للعليق وجدوا الشهيد ولكن الحقيقة كان فارغة من المال والرّسائل..
لقد وقع المحذور إذن..
وحمله الإخوان وقفلوا عائدين..
_(ولكن الشهيد حسن الأخرس كان أذكى وأحرص من أن يحصل معه ذلك).

حدّث قائد المجموعة نفسه بذلك، وأطرق يفكّر ملياً حتّى هبطت عليه رحمانية فالتفت إلى المجاهد الذي كان يرافق الشهيد وفارقه في اللحظة الأخيرة..
-لنعد إلى المكان الذي أمرك فيه الشهيد بإكمال السير بدونه..
وعادا بدون تردّد..
وهناك أخذ يبحث آمر المجموعة بين الصخور والأشواك والأعشاب بدقّة ويقلّب الأحجار، يبحث عن شيء..
وفعلاً وفي نفس المكان الذي كان يقف فيه الشهيد لحظة الرماية عليه من الكمين وتحت صخرة.. كان الكيس المشمّع الذي يحوي الرسائل والمال مدفوناً تحت التراب..
وفتحه آمر المجموعة..
كلّ شيء كما تركه الشهيد.. المال والرسائل..
لقد دفنها بسرعة وترك علامة ذلك في ذهن الإخوان وراهن على ذكائهم.. ولكي يضلّل الكمين إبتعد عن مكان الأمانة واشتبك معه فأنقذ المجموعة، وأمّا الأمانة فقد أوصلها بعد شهادته.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع