مع الإمام الخامنئي | لا تنبهروا بقوّة العدوّ* نور روح الله | لو اجتمع المسلمون في وجه الصهاينة* كيف تكون البيعة للإمام عند ظهـوره؟* أخلاقنا | كونوا مع الصادقين* الشهيد على طريق القدس عبّاس حسين ضاهر تسابيح جراح | إصابتان لن تكسرا إرادتي(1) على طريق القدس | «اقرأ وتصدّق» مشهد المعصومة عليها السلام قلبُ قـمّ النابض مجتمع | حقيبتي أثقل منّي صحة وحياة | لكي لا يرعبهم جدار الصوت

أدب الأنبياء: النبي يوسف عليه السلام

 


 ﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [يوسف/56]:
 ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ [يوسف/101]:
إنّه الصدّيق يوسف (عليه السلام) النبي المخلص والصابر والمحسن والشاكر لأنعم الله تعالى، هكذا وصفه الله جلّ وعلا في الآيات التي ذكره فيها.
لقد كان بلاؤه عظيماً ومحنته شديدة تكمن في سببين رئيسيين:
أحدهما: محبة أبيه التي خصّه بها فكانت سبباً في حسد أخوته والكيد له.
وثانيهما: جماله الذي فتن امرأة العزيز ونسوة المدينة والذي كان سبباً لزجّه في السجن بضع سنين دون اقتراف جرم أو اجتراح ذنب.
وفي كلّ ذلك كان النبي الصابر الشاكر لله تعالى الذاكر لأنعمه والداعي إلى عبادة الواحد القهّار.
من خلال الاستعراض السريع للآيات التي تحدثت عنه في السورة التي سُميت باسمه يظهر لنا اختصاص الله تعالى له بأنّه اجتباه وعلّمه تأويل الأحاديث وتفسير الرؤيا وبعض الغيبيات.
 ﴿وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾.

﴿فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾  ومن بعد استوائه ورشده آتاه من الحكمة والعلم جزاءً لإحسانه: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ . وكذلك صرف عنه السوء والفحشاء بما كان من إخلاصه لله وإخلاص الله تعالى له:  ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾.
هذا النبي كآبائه، إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، كان تعلّقه بالله سبحانه حقّ التعلّق بحيث فتنه الأدب الإلهي حتّى جعله يراقب مقام ربه ويراعي جانب الربوبية فلا يقصد شيئاً إلاّ لله ولا يترك شيئاً إلاّ لله. ولا يتعلّق بسبب إلاّ وهو متعلّق بربّه قبله وبعده .. إذن هو غايته في كلّ حال.

فحين دعته امرأة العزيز ونسوة المدينة إليهن اختار السجن على إجابتهن وذلك بعلمه الذي أكرمه به تعالى ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا﴾. وهو يعلم وكما أخبر الله تعالى عنه (إن الحكم إلاّ لله ..).
لذلك عندما طلب من ربّه أن يصرف عنه كيد النسوة لم يذكر لنفسه حاجة بل ذكر أنّ نجاته من مهلكة الجل واندفاع كيدهن تتوقف على صرف الله تعالى لهذا الكيد فسلّم الأمر إليه تعالى وسكت:
 ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ﴾ .
وقد استجاب له ربه فصرف عنه كيدهن ونجّاه من الجهل، وأمّا السجن فكان بعدما رأوا الآيات  ﴿ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِين﴾ٍ
وموقف آخر سجّله الله تعالى لنبيّه المخلص، عندما دخل عليه أبواه وأخوته:  ﴿فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ *  وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾
هذا ما قاله النبي يوسف عليه السلام وهو في أعلى الدرجات الدنيوية، من الملك ونفوذ الأمر له، وتواضع أخوته أمامه، واشتياق أبويه له، فلم يذكر شيئاً إلاّ وكان لله تعالى معه ذكر: ﴿ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِين﴾  فحكَمَ لهم بالأمن من العقاب ولكن بمشيئة الله تعالى لأنّ (إن الحكم إلاّ لله ...) لا استقلال للإنسان فيه.
وعندما عبّر عن تحقّق الرؤيا السابقة قال:  ﴿قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي﴾ثمّ ردّ الإحسان في خروجه من السجن إلى الله مطلقاً: ﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ﴾
أمّا سبب بُعده وفراقه لأبويه وأخوته فرده إلى الشيطان ﴿بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾
كلّ ذلك وهو يذكر ما جرى له، من كيد أخوته له، وإلقائه في الجب، وبيعه بثمن بخس، وكيد النسوة له وإلقائه في السجن، بأسلوب الأدب النبوي الذي لا يتعرّض فيه بسوء للآخرين أو أيّة أذية لهم فيما ينسب الأذية إلى نزغ الشيطان للإنسان.
ونلاحظ استغراقه في ذكر الله تعالى وآلائه والثناء عليه، فما زال يقول، ربّ، ربّ، حتى غشيه الوله، وأخذته جذبة إلهية فاشتغل بربه وتركهم كأنه لا يعرفهم فقال:  ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِين﴾َ
فأثنى على ربّه بحاضر نعمه، عنده وهو الملك، والعلم بتأويل الأحاديث، ثمّ انتقلت نفسه الشريفة من ذكر النعم إلى ذكر سبب ذلك فقد أنعم عليه بما أنعم لأنّه فاطر السماوات والأرض، ومخرج كلّ شيء من العدم إلى الوجود من غير أن يكون لشيء من الأشياء وجود من نفسه يملك به ضراً أو نفعاً، أو نعمة أن تقدمةً، أو صلاحية أن يدبر أمر نفسه في دنيا أو آخرة.
وإذا كان الله تعالى فاطر كلّ شيء فهو وليّ كلّ شيء. لذلك ذكر الصديق يوسف عليه السلام، أنّه عبد داخر لا يملك تدبير نفسه بل هو تحت ولاية الله سبحانه يختار له من الخير ما يشاء ويقيمه أي مقام أراد فقال ﴿أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَة﴾ِ .
بعدها انتقل إلى مسألة له يحتاج فيها إلى ربه، ولم تكن مسألة دنيوية ولا حاجة مادية بل مسألة أن ينتقل من الدنيا إلى الآخرة وهو في حال الإسلام إلى ربّه على حدّ ما منحه الله آباءه إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب:  ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [البقرة/132].
فقال عليه السلام:  ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِين﴾َ . وهو نفس السؤال الذي سأله جده إبراهيم الخليل عليه السلام  ﴿رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾  [الشعراء/83]. وقد أُجيب إليه كما في الآيات المذكورة.
لقد تقلّب حال يوسف الصديق في السرّاء والضرّاء، في النعمة والبلاء، مع أبيه وأخوته وبدونهم، في الجب والسجن، في العبودية والحرية والرياسة، فلم يغيره شيء بل ثبت على أخلاقه ودينه وصبره وبقي متمسكاً بأكمل الخصال وجميل الأخلاق وعالي الأدب في التوجّه إلى ربّ الأرباب ومسبّب الأسباب واثقاً من حسن الإجابة سائلاً حسن العاقبة ونعم المصير، وهو في أشدّ البلاء يدعو إلى الله ويقوم بتكليفه.
(لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب). اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، إنّك نِعم المولى ونِعم النصير.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع