مع الإمام الخامنئي | لا تنبهروا بقوّة العدوّ* نور روح الله | لو اجتمع المسلمون في وجه الصهاينة* كيف تكون البيعة للإمام عند ظهـوره؟* أخلاقنا | كونوا مع الصادقين* الشهيد على طريق القدس عبّاس حسين ضاهر تسابيح جراح | إصابتان لن تكسرا إرادتي(1) على طريق القدس | «اقرأ وتصدّق» مشهد المعصومة عليها السلام قلبُ قـمّ النابض مجتمع | حقيبتي أثقل منّي صحة وحياة | لكي لا يرعبهم جدار الصوت

نحو فقه واع: الأحكام الشرعية والأحكام الولائية

الشيخ خليل شرف الدين


*يقال أنّ في التشريع الإسلامي أحكاماً لكلّ مفردات الحياة فهل هذا صحيح؟
- كلّ سلوك يمكن صدوره عن الإنسان له في التشريع الإسلامي حكم خاص به بلا فرق بين السلوك الفردي والاجتماعي.

* على أيّ أساس يُقال بشمولية تلك الأحكام لكلّ سلوك إنساني؟
- بعد فرض أنّ الإسلام دين الحياة وإنّ الإسلام جاء لينظم حياة البشر بتوجيه سلوكهم نحو الأفضل.
وإنّ تنظيم الحياة لهم لا يتمّ بتخصيص القوانين بجهة دون أخرى وبسلوك دون آخر، لا بدّ وأن نلتزم بأن الدين الذي يعتبر نظام حياة البشر يجب أن يكون شاملاً لكلّ مفردات الحياة حتّى يصح أن نقول عنه إنّه دين الحياة.

*هل تقصدون من شمولية الأحكام الإسلامية لكلّ سلوك إنساني أنّ الإسلام جعل أحكاماً لكلّ شيء حتّى لشرب الماء وأكل الطعام..؟
-كلّ شيء يستطيع الإنسان أن يفعله في حياته له حكم في الإسلام من غير فرق بين عظائم الأمور وحقيرها فقتل الذبابة له حكم وقتل الإنسان له حكم وشرب الماء له حكم وشرب السم له حكم.

*الملاحظ وجود أحكام غير منسجمة مع الواقع الاجتماعي في هذه الأزمنة فهل يمكن تغيير تلك الأحكام؟
-إذا كان المقصود باللاانسجام عدم قبول المجتمع للتكليف الشرعي فلا يكون لعدم الانسجام المذكور أي تأثير لأنّ الدين هو الذي يرسم القوانين للناس لا أن الناس تفرض على الإسلام رسم القوانين كما تريد.

*نقصد بعد الانسجام أنّ بعض الناس يواجهون مشكلة في تطبيقهم للحكم الشرعي لا أنّهم يرفضون الحكم أساسا؟
-إذا كان في تطبيق الوظيفة الشرعية مشكلة لدى بعض الناس فقد يكون هناك حلّ شرعي بخصوصهم.
وقد لا يكون وذلك باختلاف معيشته لحلق لحيته غير الإنسان الذي تدفعه لقتل النفس المحرمة.

*هل للزمان والمكان تأثير في الأحكام الشرعية بحيث يمكن أن يتغير حكم شرعي من الحرمة إلى الجواز مثلاً عند اختلاف الزمان أو المكان؟
-قد يتدخّل عاملا الزمان والمكان في عملية استنباط الحكم الشرعي لدى الفقيه، فقد يكون هناك حكم شرعي ثابتاً لشيء في زمان أو مكان ما ولا يكون هو نفسه في زمام أو مكان آخر، فلو أخذنا الاحتكار وحكمه مثلاً لوجدنا أنّ العديد من الفقهاء يعتبرون أنّ الاحتكار محرّم وأن الاحتكار المحرّم خاصٌ بالغلات الأربع: (القمح، الشعير، التمر، الزبيب) وهنا قد يناقش البعض فيقول أنّ الزمن الذي صدر فيه تحريم الغلات الأربع كان على أساس تلك الغلات هي الطعام الأساسي الذي تحتاجه الغالبية العظمى من الناس وأما في هذا الزمن فلا يعتبر لا الشعير ولا التمر ولا الزبيب من الأطعمة الأساسية للناس بل منها ما لا يُعدّ طعاماً أصلاً في هذا الزمن مثل الشعير فهل يُعقل أن نجوّز احتكار الأرز واللحم والخبز ونحرّم احتكار الشعير والتمر والزبيب!؟
فهنا نلاحظ كيف أنّ الزمن يمكن أن يكون له دخالة في استنباط الحكم الشرعي لدى الفقيه وكذلك الحال بالنسبة إلى عنصر المكان فلن نطيل الكلام.

*ذكرتم في بداية الحديث أنّ في الإسلام أحكاماً لكلّ مفردات الحياة في الوقت الذي نجد فيه أنّ الكثير من الشؤون الحياتية ليس لها حكم لا في الرسائل العلمية ولا في الاستفتاءات الشرعية بل قد لا يكون لها حكم بخصوصها أصلاً كمسألة الحفر في الطرقات العامّة ومسألة التوقف على إشارات المرور ومسألة رمي النفايات في الشوارع العامّة .. فما حكم من أحدث الحفر في الطرقات العامة أو خالف إشارات المرور أو رمى النفايات في الأماكن الممنوعة، هل تقولون له إنّك فعلت حراماً وكفى، هل لمثل هؤلاء عقوبة في التشريع الإسلامي، وما هي تلك العقوبة؟
-معلومٌ أنّ للفقيه السلطة العامّة في إدارة البلاد والعباد ومقتضى هذه السلطة يعني أنّ للفقيه رسم القوانين العامّة التي يتوقف عليها حفظ النظام الاجتماعي وطبيعي أن حفظ النظام الاجتماعي لا يتمّ بيان الأحكام الشرعية فقط بل لا بدّ من وجود قوانين إجرائية وهذه القوانين إن كانت مبينة في الكتاب أو السُنّة أخذ بها وإن لم تكن مبينة قام الفقيه بوضعها وسنّها وفقاً لما تقتضيه الظروف والمصالح العامّة والقوانين الإجرائية الصادرة عن الفقيه قوانين نافذة ويجب العمل والالتزام بها باعتبار أنّ هذه القوانين صدرت لأجل حفظ النظام العام والإخلال بها إخلال بالنظام العام وهو غير جائز. وأيضاً قد يتطلب الأمر من الفقيه سنّ تشريعات معينة مضافاً إلى القوانين الإجرائية المذكورة وذلك لأنّ حفظ النظام الاجتماعي كما يحتاج إلى قوانين إجرائية يحتاج أيضاً إلى قوانين تشريعية، فلو أخذنا الأمثلة المذكورة لرأينا أنّ من الطبيعي أن يضع الفقيه تشريعات بالنسبة إليها فمسالة التعدّي على الطرقات العامّة يتناولها الفقيه ويضع القوانين المناسبة لها وكذلك الأمر بالنسبة لإشارات المرور وغيرها من الأمور الحياتية والاجتماعية. والفرق بين الأحكام المستنبطة والأحكام الموضوعة من قبل الفقيه أنّ الأحكام المستنبطة هي أحكام شرعية بالمعنى المصطلح عليه في الفقيه الإسلامي والأحكام الموضوعة من قِبل الفقيه هي أحكام ولائية.

*هل إنّ الأحكام الولائية كالأحكام الشرعية ثابتة لا يطرأ عليها تبدل أو تغير أو أنّ بإمكان الفقيه تبديلها وفقاً للظروف الموضوعة والمصالح العامّة؟
-الأحكام الشرعية أحكام ثابتة لا تتبدّل ولا تتغيّر إذ حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة فقد نزلت هذه الأحكام وحياً إلهياً على النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لتكتسب عنوان الدين الأبدي وستبقى كذلك إلى الأبد.
والأحكام الولائية أحكام تنبثق من مركز الولاية الثابتة للفقيه فتوضع وتنفذ بحسب مصلحة كلّ عصر وليست هذه الأحكام جزءاً من الشريعة الإسلامية حتّى تكون ثابتة لا تقبل التبديل والتغيير.

*تقولون أنّ الأحكام الشرعية ثابتة لا تتغير وقد ذكرتم سابقاً أنّه قد يكون للزمان والمكان تأثير في تبدّل الحكم الشرعي أليس هذا تناقضاً؟
-الحكم الشرعي لا يؤثّر فيه لا زمان ولا مكان وإنّما لهذين العنصرين تأثير في موضوع ومتعلّق الحكم الشرعي، فإذا قلنا أنّهما يؤثران في تبدل الحكم فإنّما نقصد بذلك أنّهما يؤثران بموضوع أو متعلق الحكم لا بالحكم الشرعي مباشرةً وكمثال على ذلك نأخذ الشطرنج فالروايات تدل على حرمته ومع هذا قال بعض الفقهاء بحليته وهنا نسأل كيف يمكن لفقيه أن يقول بحلية لعب الشطرنج مع وجود الأدلة على حرمته؟
والجواب واضح فإنّ الشطرنج كان من إحدى آلات القمار في زمن صدور تلك الروايات فيفهم من هذا أنّ الشطرنج محرم بلحاظ أنّه آلة قمار ومع مرور الزمن تغير الحال ولم يعد الشطرنج آلة قمار ومن الطبيعي أن يتغيّر حكمه أيضاً فيصير حلالاً بعد أن كان حراماً.
وهكذا نجد أنّ عنصر الزمن لم يُلغِ الحكم الشرعي الذي كان ثابتاً للشطرنج وإنّما ألغى صفة عن الشطرنج وهي كونه آلة قمار.
وبانتفاء هذا الوصف ينتفي عنه الحكم بالحرمة أيضاً.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع