نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

زينة الدنيا أم زينة الآخرة؟

زهرة بدر الدين*

 



فُطر الإنسان على حبّ الزينة والتزيُّن، انطلاقاً من كونه اجتماعياً بالطبع، وأنّه يسعى دائماً إلى إزالة العيوب وما يشينه من خلال الزينة. وقد يترك العرف والثقافة والتربية البيئيّة الأثر البالغ في اختيار الزينة ومفهومها، ما يؤثّر أحياناً على تحديد خاطئ للمفهوم ولنفس الزينة. ما هي الزينة؟ وما الفرق بين الظاهرية منها والباطنية؟ أسئلةٌ سنجيب عنها ومن خلال عرض نموذجين، اختار أحدهما الزينة الظاهرية فيما الآخر رجّح عليها، عن رشد، الزينة الباطنية، نقصد بذلك قارون والسيدة خديجة عليها السلام.

* تعريف
الزينة من الزَّين مقابل الشَّين (وهو ما يُعاب به الإنسان). فالزينة ما يرتفع به العيب ويذهب بنفرة النفوس (1). وكذا فالزينة اسم جامع لكل شيء يُتزيَّن به (2). ولهذا فإن القرآن الكريم قد أورد الصور المختلفة للزينة، والتي تأتي بمعان متعدّدة:

1ـ الحُسن: كما في قوله تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (البقرة: 212).
2ـ الحُليّ: ﴿وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ... (طه: 87).
3ـ الثروة: ﴿..إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً (يونس: 88).
4ـ الملابس: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ (الأعراف: 31).
5ـ التلوُّن: ﴿وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (الحجر: 16).
6ـ الإيمان: ﴿وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ (الحجرات: 7).
7ـ الشهوات: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ... (آل عمران: 14).

وبما أن الإنسان يعيش في هذه الدنيا وبين بني جنسه ووسط مجتمعه الإنساني، فإنّه يحتاج إلى الزينة لما تمثله من الآداب العريقة التي تلازم المجتمعات (3). ولهذا فإنها تعتبر وسيلة من الوسائل التي تساعد في استمرار الحياة والتلاقي الاجتماعي.

زينة الدنيا وزينة الآخرة
تمثِّل الزينة الدنيويَّة وسيلةً وآلةً تساعد على بناء المجتمع البشري وتماسكه. ولهذا فإنّها تتصف بالزوال وعدم البقاء. وإذا ما استفيد منها كهدف للبقاء، فإنها ستتحول إلى آلة تدميرية للإنسان، كما حصل مع العديد من الناس خصوصاً قارون. وبما أن الزينة ما يترفع به الإنسان عن العيب والنفور، فإنّ لها حظّاً من الظاهر كما الباطن، وبهذا تنقسم إلى زينة الباطن وزينة الظاهر، فالأولى ممدوحة وهي زينة الآخرة، والثانية مذمومة وهي زينة الدُّنيا. لقد جعل تعالى الزِّينة وسيلة من وسائل التَّماسك الاجتماعي، وفي الوقت نفسه قد حدَّد الأماكن والطرق والكيفية التي تُستخدم فيها الزينة، فيقول تعالى: ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ (الأعراف: 31). كما ذمَّ أولئك الذين يحرِّمون الزينة التي جعلها الله تعالى لعباده المؤمنين: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ (الأعراف: 32). فإن استخدام الزينة الظاهرية يجب أن يكون وسيلة للأمور التي ترضي الله تعالى. وقد حذر الإمام علي عليه السلام من استخدامها لغير ذلك: "إياك أن تتزين للناس وتبارز الله بالمعاصي"(4). كما وأكد على جمالية الزينة الظاهرية وأهميتها للإنسان، وبالغ في جمالية الزينة الباطنية أكثر "زينة البواطن أجمل من زينة الظواهر"(5). ومن مصاديق الزينة الظاهرية: اللباس، المال، الفضة، الذهب، القصور، الرياسة، الطعام...

* زينة الأخلاق
أما الزينة الباطنية، فهي تشمل كل صفة أخلاقية يمتلكها الإنسان. ففي الحديث عن الرسول صلى الله عليه وآله إشارة إلى زينة كل صفة بالخصوص: "العفاف زينة البلاء، والتواضع زينة الحسب، والفصاحة زينة الكلام، والعدل زينة الإيمان، والسكينة زينة العبادة، والحفظ زينة الرواية، وحفظ الحَجَاج زينة العلم، وحسن الأدب زينة العقل، وبسط الوجه زينة الحلم، والإيثار زينة الزهد، وبذل الموجود زينة اليقين، والتقلل زينة القناعة، وترك المنّ زينة المعروف، والخشوع زينة الصلاة، وترك ما لا يعني زينة الورع"(6). ولا يوجد أحسن من زينة الطاعة لله تعالى: " ما تزيّن متزيّنٌ بمثل طاعة الله"7).

* نموذجان قرآنيان
ذكر لنا القرآن الكريم نموذجين، واحداً لزينة الدنيا والآخر لزينة الآخرة، وبيَّن لنا النتائج والآثار الناتجة عنهما، وهما زينتا قارون والسيدة خديجة عليها السلام. يذكر صاحب مجمع البيان(8) أن قارون كان ابن خالة النبي موسى عليه السلام وكان عالماً وتالياً للتوراة، وكان لديه علمٌ لا نظير له، وكان بدايةً من أنصار النبيّ موسى عليه السلام ومن جملة السبعين رجلاً الذين اختارهم الله تعالى للميقات، وكان ملازماً للنبي موسى عليه السلام عندما ذهب إلى جبل الطُّور. ولكن عندما آتاه الله المال والثروة والكنوز، استخدمها في غير ما أمر الله تعالى، فوقع في غضبه عزّ وجلّ. أما السيدة خديجة عليه السلام، فكانت تحتلُّ مكانةً مرموقةً بين سيدات المجتمع المكي نسباً وشرفاً ومالاً وجمالاً ومكانةً اجتماعية، فهي قرشية أبوها خويلد بن أسد بن قصي... وبالجد قصي تلتقي مع نسب الرسول صلى الله عليه وآله. وكان يُطلَق عليها الطَّاهرة وسيدة قريش، ولا سيما مع كونها تاجرةً ثريةً ومعروفةً بالكفاءة الإدارية والمالية، وهذا يعكس جانباً من شخصيتها القوية واستقلاليتها، إضافة إلى أنها لم تتعامل بالرِّبا والرَّشوة والظُّلم وما شابه، لكنها استفادت من كل ما تملكه ووضعته في سبيل الله تعالى، واستخدمته كوسيلة من أجل الوصول إلى طاعة الله تعالى ورضاه، فنالت بذلك سمو الدّرجة والرّفعة في الآخرة. يمثل هذان النموذجان مثالاً للقدرة والمال والجاه والنفوذ، وكل مظاهر الزينة الدنيوية الظاهرية. فنجد أن قارون قد جعلها هدفاً لتحقيق مآربه الشخصية، فأصبحت أداةً تدميريةً له في الدنيا قبل الآخرة، إذ خسف الله به الأرض، بينما السيدة خديجة جعلتها وسيلةً لنيل رضا الله تعالى؛ فنالت بذلك الزينة الباطنية، فزادها الله تعالى شرفاً وعزَّاً ومكانةً في الدنيا قبل الآخرة.

أهمُّ النقاط التي يمكن استخلاصها من حياة هاتين الشخصيتين هي:
1ـ إن العلم والمال لا يمنعان من وقوع العذاب والهلاك على الإنسان وقد لا ينفعانه أبداً: ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرْضَ (القصص: 81)، بينما قد يكونان سبباً للعزَّة والنُّصرة الإلهية وإنقاذ البشرية، كما حصل مع السيدة خديجة حينما أنفقت كل مالها في سبيل الله ونشر دعوته، وجعلت العلم يدير المال لديها بما يرضي الله تعالى.

2ـ إن السيّدة خديجة كانت تعتقد أنّ المال والثروة هما من الله تعالى، وينبغي جعلهما في سبيله، بينما قارون اعتقد أنّهما من نفسه وبسبب جهده الشخصي، وكذا علمه الذي استخرج به الكنوز والمعادن من الأرض قائلاً: ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي (القصص: 78).

3ـ رأت السيّدة خديجة أن السعادة الحقيقيّة إنّما هي في رضى الله تعالى وتحرُّر الذات من أسر الشهوات واللذات، وخصوصاً شهوة المال والجاه، بينما كان قارون يراها في القدرة والتجبر وامتلاك المال والجاه ناسياً قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً (القصص: 78). إن المال عند قارون كان من أجل التباهي والتفاخر أمام الناس ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ (القصص: 79)، وقد امتلكه ذلك لدرجة أنه منعه من الاعتراف بوجود الله، بينما خديجة استخدمت المال كوسيلةٍ لمواساة الرسول صلى الله عليه وآله، خصوصاً عند محاصرة المشركين له صلى الله عليه وآله ولأهل بيته عليهم السلام في شعب أبي طالب عليه السلام، والذي دام ثلاث سنوات، لتصبح بذلك بطلةً حقيقيةً ونموذجاً في نشر الدعوة ونصرة الرسول صلى الله عليه وآله بعد أبي طالب عليه السلام. حيث كانت تتصرف بالمال من أجل توفير الإمدادات اللازمة لصمود المسلمين في وجه المشركين.

4ـ إنّ قارون ومن أجل إخفاء عجزه، قام أمام الجماهير بخطةٍ لإلهائهم بالخروج من بيته بكل ماله وذهبه وحُليِّه وزخارفه وحشمه؛ ليسحر به أعين وقلوب الناس، وهو بذلك كان عارضاً لقوّته الماديّة والاقتصاديّة، ظنّاً منه أنّها أساس النصر والسعادة، ولم يأخذ العِبَر من القرون الماضية وما حلّ بهم. بينما السيدة خديجة كانت خطَّتها بإظهارها نقاط القوة لديها، حيث أظهرت تواضعها أمام الفقراء والمحتاجين، ولم يكن المال يمتلكها، بل كانت هي تمتلكه، وأظهرت أن قيمة الإنسان بإنسانيته وبصفاته الحسنة والأخلاقية والتي تخلّد الإنسان، بعكس المال فيما لو استخدم بغير الغرض الأصلي له، وعلمت أن المال والقدرة لا يخلِّدان الإنسان؛ معتبرةً بالقرون الماضية. أخيراً يشير الله تعالى إلى أن الحياة الآخرة أبقى من متاع الدنيا: ﴿فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى (الشورى: 26).


* أستاذة وباحثة إسلامية.
(1) تفسير الميزان، السيد الطباطبائي، ج 8، ص 80 (بتصرّف).
(2) لسان العرب، ابن منظور، ج 6، ص 130.
(3) تفسير الميزان، م. س، ج 8، ص 80.
(4) ميزان الحكمة، الشيخ محمد الريشهري، ج 4، ص 317.
(5) م. ن.
(6) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 74، ص 131.
(7) عيون الحكم والمواعظ، الليثي الواسطي، ص 481.
(8) انظر: مجمع البيان في تفسير القرآن، الشيخ الطبرسي، ج 7، ص 459.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع