نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

قراءة في كتاب: "تاريخ لبنان الحـديث"

إعداد: زينب الطحان



تعلمنا، نحن اللبنانيين، من التجارب، أن لا تاريخ حقيقياً لنا، طالما أنَّ هذا التاريخ يشبه الحاضر، ويتماهى معه المستقبل. لا تاريخ حينما يكرر التاريخ نفسه بلا كلل ولا رحمة. هكذا لا يعود اللبنانيون، هذه الأيام، يشبهون حاضرهم، أكثر من آبائهم، كما يقول المثل العربي الذي يستشهد به مارك بلوك في كتابه "دفاعاً عن التاريخ"، والذي يضعه فواز طرابلسي بدوره في بداية الفصل الأول من كتابه "تاريخ لبنان الحديث – من الإمارة إلى اتفاق الطائف" الصادر عن "دار رياض الريس للنشر".

الكتاب في 471 صفحة، ويحوي ثلاثة عشر فصلاً، و"خاتمة موقتة" هي عبارة عن شرح لاتفاق الطائف والتباساته وتناقضاته، كما يصفها طرابلسي. يحاول الكتاب أن يحيط بمرحلة طويلة من تاريخ لبنان الحديث من العام 1528 حتى العام 1990، بادئاً بتفنيد الحوادث والوثائق والتواريخ منذ بدايات لبنان، "بما هو كيان سياسي"، كما يقول، أي يربط بين التاريخ والكيانية السياسية، ويتعاطى مع التاريخ بوصفه حالة سياسية، وليس حالة تقترن بها السياسة والاجتماع واللغة والدين والثقافة والاقتصاد كلها مجتمعة. مع أنَّ طرابلسي يكتب منذ البداية عن كل هذه العوامل المؤثِّرة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في إمارة لبنان وتطوّرها، لا في أصل تكوينها وسببه. فهو لا يعطينا حجة وسبب وجود الإمارة، واستقلالها عن السلطنة، بل يعرض لواقع الإمارة وحالها في تلك الفترة، ويأتي تالياً على نظام الحكم فيها، وعلى علاقة الإمارة بالسلطنة لجهة استقلالها النسبي المترافق مع ولائها الكامل للسلطنة.

كان الصراع على هوية لبنان، في ذلك الحين، بين المسيحيين والدروز الذين يتمتعون بامتيازات. ويلخص الكتاب الصّراع بين الدروز والمسيحيين في جبل لبنان، والذي سيدوم ويتكرر في فترات لاحقة من تاريخ لبنان. يستوقفنا الفصل الثالث من الكتاب إذ يحدثنا طرابلسي فيه عن متصرفية جبل لبنان، ويضعنا أمام تاريخ تأسيس المتصرفية وكيفية ذلك، بالإضافة إلى جغرافيا المتصرفية التي هي "أول وحدة إدارية عثمانية تلي الولاية ويحكمها متصرّف". أما محور الفصل الرابع فقد خصص للحديث عن بيروت "المدينة" ويتضمن عرضاً جميلاً وسلساً للحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية في بيروت بين 1820 و1915. إذ يكتب عن ازدهار المدينة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وتطور هذه المدينة على صعد التجارة والخدمات والسياحة، فيصفها من مبانيها إلى أبنائها وطرقها، وصولاً إلى الترامواي والسكك الحديدية والعربات التي تسيّر رحلاتها بين بيروت ودمشق وحوران. ويعطي إحصاءات محددة لعدد سكان هذه المدينة، الذي وصل إلى 120 ألفاً عشية إنشاء "لبنان الكبير" عام 1920. كما يتحدث عن إنشاء المجلس البلدي في بيروت، وتزويدها بالكهرباء، وحركة النزوح إليها، والتنوع الإثني والطائفي فيها: "وبين أحد عشر تاجراً للقطن تاجر مسلم واحد. المصارف المحلية تملكها أسر مسيحية، باستثناء اثنين لأسرتين يهوديتين". هنا يتحدث عن رجحان "كفة القوة الاقتصادية للتجار المسيحيين الذين سيطروا على تجارة الاستيراد الدولية فيما اضطر التجار المسلمون إلى الاكتفاء بالتجارة بين مرافئ السلطنة". 

يتطرق طرابلسي في الفصل الخامس إلى العلاقات بين كيان لبنان الذي لم تقم له قائمة قبل أيلول 1925، والكيان السوري الذي يقول بعضهم إن لبنان جزء منه كونهما يشكلان سوريا الطبيعية. ثم ينتقل في الفصل اللاحق إلى الحديث عن مرحلة الانتداب التي انتهت إلى استقلال لبنان عام 1943، ويصل إلى مرحلة الاستقلال التي يسمّيها بـ"جمهورية التجار" وامتدت من عام 1943 إلى عام 1952، ويمرّ بالمرحلة الشمعونيّة، ثم الشهابيّة، والأوضاع التي شاعت في تلك الفترة، الاقتصادية منها (قضية بنك إنترا)، والسياسية والاجتماعية (الفلسطينيون ومنظمة التحرير)، وصولاً إلى الحرب عام 1975. هنا تبدأ فصول أخرى من رواية التاريخ اللبناني الحديث، عايشها فواز طرابلسي وكان طرفاً فيها، فتارة ينجح في عرض الحقيقة المجرّدة، وطوراً يقع في فخ إبداء وجهة نظره الخاصة والمنحازة إلى طرف دون آخر، ويظهر هذا في وصفه لميشال عون بأنه "بشير جميل رقم 2"، وبأن "النزعة الشعبوية التي كانت تحرك ميشال عون وحيدة الجانب واختزالية إلى حد كبير". وفي هذا الوصف ما يشبه وصف الحركة الوطنية للمسيحيين بأنهم "انعزاليون"، طبعاً بعد عزلهم. لكن مع ذلك يمكن الاستفادة كثيراً من المعلومات والوثائق والروايات والتواريخ التي جمعها فواز طرابلسي في كتابه، ويمكن أيضاً الاستفادة من وجهة النظر الأخرى هذه لقراءة التاريخ اللبناني المتعدد الأوجه. كما يسجَّل على الكتاب العديد من الملاحظات في سرد الوقائع وإصدار أحكام نابعة من رؤيته الخاصة غير الموضوعية.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع