نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أخلاق العاملين‏: عاملان للسقوط والانحراف‏

آية الله جوادي الآملي‏

*عاملان للسقوط والانحراف:‏ الجهل الاعتقادي‏ واتباع الشهوات‏
ذكرنا سابقاً أن أعظم كمال للإنسان هو صيرورته عند الله. بمعنى أنه يتكامل إلى الدرجة التي يصل فيها إلى لقاء الله ويترك ما عداه. فالبعض ينالون لقاء رحمة الله وثوابه وجنته، والبعض يصلون إلى لقاء ذات الحق. أوساط المؤمنين ينالون المقام الأول ويكون لقاؤهم بالفيض الخاص لله. وحول هذه الفئة يقول القرآن الكريم: ﴿وما عند الله خير وأبقى... (القصص: 60). فما عند الله من الفيض والرحمة الخاصة في حضور الله هو خير وأبقى للمؤمنين المتقين. ولكن بالنسبة للاوحدي من المؤمنين الذي يفوق الأوساط، ومقامه أعلى من باقي المؤمنين يقول القرآن الكريم: ﴿والله خير وأبقى (طه: 73). فالكلام هنا لا يدور حول "ما عند الله" بل عن الله. فالوعد لهذه الطائفة من المؤمنين ليس الجنة الخيرة والباقية، وليس اللذات الموجودة في الجنة بل هو شي‏ء أعلى. فهم المشتاقون إلى لقاء الحق، وليس إلى فاكهته.

إذا قيل أن للشهيد مقاماً يسمى مقام "لقاء الله" فذلك لأن هذا الشهيد لم ينثر جسده ويضحي به لأجل الوصول إلى الجنة أو قصورها وأنهارها، وإن كانت كل هذه النعم ملكاً له وتحت يديه. بل هو يسعى لأجل أن ينال لقاء ذات الحق. فلهؤلاء "والله خير وأبقى". فهذان المعنيان الواردان في القرآن الكريم يبينان أن مقامات المؤمن ليست متساوية. فالبعض يصلون إلى لذات الجنة، والبعض إضافة إلى تلك اللذات، يصل إلى لذة حضور ذات الله المقدسة. وهنا أعود إلى هذه المسألة وهي أن الإنسان إنما يصل إلى مقام عند الله ولقاء الله عندما يرى الله حاضراً في جميع أعماله ووجوده. وهو يراه ناظراً إلى جميع شؤونه، وإذا تم له ذلك ورأى نفسه في محضر الله، فإنه لا يرتكب معصية ولا يكتب حراماً، ولا يقدم رجلاً نحو هذا المقصد ولا ينطق بحرام ولا يسعى نحوه، وفوق كل ذلك لا يخطر في ذهنه أي خاطر معصية. فإذا صان ذهنه وجميع جوانحه، وبدنه وجميع جوارحه، فإنه شيئاً فشيئاً يصل. فالشي‏ء الذي يمنع الإنسان من الوصول إلى هذا المقام إما أن يكون جهله الفكري أو اندفاعه نحو اللذات الدنيوية. فإما أن تكون مسألة التوحيد بعيدة عن واقعه الفكري وإما أن يكون فاقداً- في مقام العمل- للقدرة على ترويض شهواته فهنا يوجد أمران مانعان من الوصول إلى تلك الرؤية التوحيدية:
الأول: الجهل في العقيدة.
الثاني: اتباع الشهوات.

هناك سورة قرآنية تحت عنوان سورة لقمان يذكر فيها هذا الإنسان العظيم بتكريم خاص ويعرّف بالحكيم. وتبيين حكمة لقمان في هذه السورة يتضح طريق القضاء علة الجهل الفكري ويظهر سبيل التخلص من اتباع الشهوات. فمن خلال الحكمة اللقمانية التي هي الحكمة الإلهية تزول أرضية الجهل ويعرف الإنسان أنه في محضر الله، وكذلك لا تبقى أرضية اتباع الشهوات، حيث يعلم الإنسان أن هذا الأمر لا يجر إلا الخسارة. فإذا تم القضاء على هذين العاملين، يجد الإنسان نفسه في محضر مبدئه وخالقه. وإذا حصل له ذلك، يسعى للوصول إلى لقائه، يقول الله تعالى في هذه السورة:﴿ولقد آتينا لقمان الحكمة. وإذا ذكرت الحكمة فإنها توصف بالخير الكثير، بينما نجد أن لذات الدنيا توصف بالقليل: ﴿قل متاع الدنيا قليل. فالحكمة خير كثير وليست متاعاً: ﴿ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً. فما هي الحكمة التي حصل عليها لقمان؟ يقول الله تعالى: ﴿أن أشكر لله. فالشكر هو صرف النعمة في موردها الخاص. والشكر ليس علة اللسان فقط حيث يقول الإنسان: "الحمد لله"، وليست في القلب فقط بحيث تتوقف على الاعتقاد بأن الله معطي النعم، بل الشكر يقع في متن العمل حيث يصرف المتنعم تلك النعم في موردها الخاص. وإذا صرفها في غير موردها فهذا كفران وليس شكراً. ثم يقول تعالى: ﴿ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه. فإذا شكر الإنسان سواء في مقام الاعتقاد أم العمل أم اللسان، فإن هذا الشكر يعود عليه بالنفع، وإذا لم يشكر: ﴿ومن كفر فإن الله غني حميد ﴿وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه الموعظة جذب الخلق إلى الحق.﴿يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم. وجاء الخطاب للتحبيب مبتدئاً بقوله: "يا بني" فأعظم الظلم هو الظلم العقائدي وأسوأ ذنب المعصية الفكرية. ﴿ووصينا الإنسان بوالديه في الحكمة العملية فإن احترام الوالدين يعد جزءً من الحكمة والخير الكثير، ثم يذكر تعب الأم وآلامها: ﴿حملته أمه وهناً على وهن، ﴿وفصاله في عامين فبعد الحمل هناك عامان من الرضاعة، تتحمل الأم فيهما جميع المشكلات. فجاءت الوصية: ﴿أن أشكر لي ولوالديك. وبمعزل عن أن الأمر بشكر الوالدين قد ورد بصورة مباشرة في القرآن الكريم، فإن شكرهما قد جعل إلى جانب شكر الله. لأنهما أحد مجاري الفيض الإلهي. ﴿إليّ المصير "فالصيرورة والتحول إلى الله ولقائه".

نحن نجد أن الله تعالى وضمن تكريم الوالدين يبين حدود حرمتهما بقوله: ﴿وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما فهو يأمر بالعمل طبق رغباتهما، ولكن ليس في المسائل العقائدية. فإذا تكلم أحدهما بشي‏ء مخالف للعقيدة الإسلامية ليحرفا ولديهما، فإن الطاعة عنا لا مورد لها أبداً. يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق". فهذا أصل ديني. أما في الأنظمة الطاغوتية فإنهم يقولون: "المأمور معذور". فإذا صدر الأمر من السلطة العليا بمخالفة أمر الله، فإن المأمور مكلف بعدم الطاعة والتنفيذ. فإذا قال: إنني مأمور فلا عقل يقبل ولا الشرع يسمح. فلا عذر لأحد مقابل حكم الله، ولا احترام لأمر إذا كان مخالفاً لأمر الله. حتى ولو كان من الوالدين. أما في المسائل الدنيوية، فإن رعاية حرمة الوالدين لازمة، حتى ولو لم يكونا مسلمين. ﴿وصاحبهما في الدنيا معروفاً ففي القضايا الدنيوية يجب على الولد أن يكون مصاحباً جيداً ورفيقاً رؤوفاً ووفياً مع والديه. ﴿واتّبع سبيل من أناب إليّ فهذا من حكمة لقمان التي فيها خير كثير.

﴿ثم إليّ مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون فهذا القدر القليل كان في مجال حديث لقمان الحكيم. ومن هنا يبدأ أصل البحث فلقمان الحكيم، صاحب الخير الكثير يحارب عامل الجهل- الذي يمنع الإنسان من أن يرى نفسه في محض الله-، وكذلك عامل اتباع الشهوات. ففي نفس السورة المذكورة يقول تعالى: ﴿يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير. فتلك الصفات الخبيثة والمنحطة، وإن كانت صغيرة جداً أو مخفية، فإن الله يراها ويحاسبها. فإذا كان الناس لا يرون الشي‏ء فذلك بسبب صغر حجمه أو بسبب اختفائه واحتجابه، كالذرات الموجودة في الهواء أو النجوم البعيدة جداً في المجرات. هنا يقول لقمان إن الذنب وإن كان صغيراً جداً بمقدار حبة خردل، فإن هذا بالنسبة لله لا يكون مانعاً من رؤيته. فالله يراه وسوف يأتي به يوم القيامة. ذلك لأن الله لطيف. فإذا كان لطيفاً ومجرداً فهو خبير. فالله سبحانه يقضي على هذا المانع وهو الجهل من خلال هذه الرؤية التوحيدية ويقول: اعلم أن كل أعمالك هي في محضر الله.

أما بالنسبة للمسائل العملية، يقول لقمان لأبيه: ﴿يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وإنه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور فهذه الصلاة موجودة في جميع الأديان الإلهية، وفي أحاديث وتعاليم جميع الأنبياء والحكماء الإلهيين. وإضافة إلى الصلاة لا بد من دعوة الآخرين إلى المعروف ونهيهم عن المنكر. فالمؤمن لا يفعل المنكر ولا يجيز فعله، وفي المقابل نجد المفسد يفعل المنكر ويأمر به.
فالمؤمنون ﴿يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر (آل عمران: 104) بينما نجد الكفار والمنافقين: ﴿وهم ينهون عنه وينأون عنه (الأنعام: 26). فهم بعيدون "ناؤون" وينهون. ولكن المؤمن يعمل بتكليفه، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. وهو صبور: ﴿واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور فعند إقامة الصلاة والأمر بالمعروف تحدث الصعاب التي تحتاج إلى الصبر والثبات. ﴿ولا تصغر خدّك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً فإن هذه المسألة تسقط الإنسان من محبوبية الله ﴿إن الله لا يحب كل مختال فخور فالمختال هو الذي يعيش على الخيال دون العقل. فإذا وصل الإنسان إلى مقام، واستوعبه هذا المقام وأوجد فيه فخراً موهوماً، فإن هذا الإنسان بتعبير القرآن الكريم مختال. وهو الذي يؤثر فيه المقام والمنصب والعنوان، ويبعده عن العقل. فكل ما هو خارج الروح لا يكون سبباً للكمال، وما يخرج عن حقيقتنا لا يعطينا شرفاً، فذلك الفخر الذي يعطى بكلمة يؤخذ بأخرى. أما ذلك الفخر الذي يتحدث عنه أمير المؤمنين سلام الله عليه فهو دائم: "إلهي كفى بي عزاً أن أكون لك عبداً". وباختصار، فإن التكبر والاستعلاء في الفكر والعمل، وحب المنصب والمقام كل هذه تقع في دائرة التخيّل. ﴿واقصد في مشيك واغضض من صوتك، إن أنكر الأصوات لصوت الحمير الاعتدال في المشي، وعدم رفع الصوت عن الحد المطلوب ضروري. لأن الحوار والحديث لا يحتاجان إلى رفع الصوت.

* الخلاصة:
1- لا يوجد مقام أرفع وأعظم من مقام عند الله.
2- "ما عند الله خير وأبقى"، وأعلى منه "والله خير وأبقى".
3- وهذا أصل قرآني، وهو متيسر لمن يرى الله ناظراً في كل أعماله.
4- الشي‏ء الذي يمنع من الوصول إلى هذا المقام: إما الجهل العقائدي أو اتباع الشهوات.
5- ينبغي أن نرفع الجهل الاعتقادي بالرؤية التوحيدية.
6- وأن نرفع خطر اتباع الشهوات بالالتفات إلى عواقبه السيئة.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع