أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

مصادقة الإخوان في الكتاب والسنة

السيد حسين الصولي العاملي‏

 



قال اللَّه تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ (الحجرات: 1). وفي آية أخرى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ...  (آل عمران: 103). وفي الروايات: ورد في الحديث: "المؤمن أخو المؤمن عينه، ودليله لا يخونه، ولا يظلمه، ولا يغشه، ولا يعده عدة فيخلفه"(1). وقال تعالى: ﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا  (طه: 25). وقال تعالى: ﴿سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ ... (القصص: 35). ويُفهم من هذه النصوص أن الدواعي القائمة على منطق الحق والعاطفة السليمة تعطف البشر بعضهم على بعض. ولذا، قال تعالى داعماً هذه النظرية الكبيرة والتي تمثل قمة الحضارة الإنسانية ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا (الحجرات: 13).

فالتعارف لا التنافر أساس العلائق بين البشر، إلا أنه قد تطرأ عوائق تمنع هذا التعارف كتزاحم البشر على موارد الرزق وغيره، واختلافهم على فهم الحق وتحديد الخير. بيد أن هذه العوائق السيئة لا ينبغي أن تنسي الحكمة المنشودة من خلق الناس وتعمير الأرض بجهودهم المتناسقة. فالأخوة هي روح الإيمان الحي ولباب المشاعر الرقيقة التي يكنها المسلم لإخوانه، حتى أنه ليحيى بهم ويحيى لهم، فكأنهم أغصان انبثقت من دوحة واحدة.

* عهد الأخوة
ورد في الأحاديث عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "إنما سموا إخواناً لنزاهتهم عن الخيانة، وسمّوا أصدقاءً لأنهم تصادقوا حقوق المودة"(2). وعليه، فمن يكن خائناً لا يؤتمن، بل ليس أخاً حقيقة ولا تصح تسميته بذلك، لأنه لا يراعي حقوق المودة التي تدوم معها الأخوة، (كما لو نافق عليه وكذب). فاطلاق اسم الصديق عليه ليس صحيحاً، ولا تتحقق الأخوة بمجرد أن يقول إنسان لآخر: أنت أخي، بل بالقيام بما يمليه عليه هذا الرابط الديني، من التزامات لا يسوغ تجاهلها، وإلا خرج عن عهد الأخوة إلى نقيضه.

* لماذا تؤاخي؟
والجواب عن هذا السؤال ما ورد عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في قوله: "استكثروا من الإخوان فإن لكل مؤمن شفاعة يوم القيامة"(3). ويبرز عنصر آخر في التآخي هو السكينة والاطمئنان، لأن المؤمن يشعر شعوراً صادقاً براحة نفسيّة مع أخيه المؤمن، كأنه المبحر في أمواج هائجة وقد وصل إلى شاطئ الأمان. ويدلل على هذا المعنى رواية: "إن المؤمن ليسكن إلى المؤمن كما يسكن الظمآن إلى الماء"(4). وهناك عنصر آخر لمعنى الأخوة: "من استفاد أخاً في اللَّه عزَّ وجلَّ استفاد بيتاً في الجنة"(5). وفي رواية أخرى: إن المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد، إن اشتكى شيئاً منه وجد ألم ذلك في سائر جسده، وأرواحهما من روح واحدة، وإن روح المؤمن أشد اتصالاً بروح اللَّه من اتصال شعاع الشمس بها(6).

* كسب الأخوة
بعدما تقدم عن معنى الأخوة، يبرز عنصر الفشل الذي يطرح نفسه من خلال الواقع الملموس لسيرة بني البشر على طول التاريخ، وقد بيّن هذا المعنى أمير المؤمنين عليه السلام من خلال وصفه لتلك العلاقة الهشة، والمبنيّة على أسس واهية، قائلاً: "أعجز الناس من عجز عن اكتساب الإخوان، وأعجز منه من ضيع من ظفر به منهم"(7). فكم نشاهد من أشخاص دامت العلاقة بينهم سنين عديدة، ثم افترقوا إلى غير رجعة، حيث أخذت العداوة بينهم مأخذها وأبدت ثغرات، وأُحكم من خلالها غلق الباب الذي يسري نسيم المودة منه. لذا، فالإمام الصادق عليه السلام يُبيّن لنا كيفية اتخاذ الإخوة من خلال قوله عليه السلام: "واطلب مؤاخاة الأتقياء ولو في ظلمات الأرض، وإن أفنيت عمرك في طلبهم، فإن اللَّه عزَّ وجلَّ لم يخلق على وجه الأرض أفضل منهم بعد النبيين، وما أنعم اللَّه على العبد بمثل ما أنعم به من التوفيق لصحبتهم"(8).

* كيف تختار أخاً لك؟
في كثير من الأحيان يسارع الإنسان إلى إقامة علاقة ويتواصل مع غيره من دون أن تكون خطواته مدروسة وبتأنٍ، فيسارع إلى مد جسور بشكل اعتباطي وفوضوي، دون حسبان لما يترتب على هذا التسرّع من نتائج. وهذا يشابه تماماً ما يحصل من فشل بين زوجين، كان اختيار كل منهما لشريكه باستعجال. من هنا، كان للإصلاح دوره في هذا الشأن، إذ دلنا كيف ينبغي أن نختار الإخوان وعرفنا السبيل إلى ذلك، محذراً من الوقوع في صحبة من لا ينبغي أن نصحبه. ونعود بذلك إلى الروايات لاستشكاف ميزان الاختبار عن لسان إمامنا الصادق عليه السلام: "اختبروا إخوانكم بخصلتين، فإن كانتا فيهم، وإلا فاعزب، ثم أعزب، ثم أعزب، محافظة على الصلوات في مواقيتها، والبر بالإخوان في العسر واليسر"(9).

* حق الصداقة
وأما حق الصديق فإن الإمام زين العابدين عليه السلام يوضحه بقوله: "وحق أخيك: أن تعلم أنه يدك التي تبسطها، وظهرك الذي تلتجئ إليه، وعزك الذي تعتمد عليه، وقوتك التي تصول بها. فلا تتخذه سلاحاً على معصية اللَّه، ولا عدة للظلم لخلق اللَّه، ولا تدع نصرته على نفسه، ومعونته على عدوه، والحؤول بينه وبين شياطينه، وتأدية النصحية إليه، والإقبال عليه في اللَّه، فإن انقاد لربه وأحسن الإجابة له، وإلا فليكن اللَّه آثر عندك وأكرم عليك منه"(10).

* بين الاعتكاف والإخوة
جاء في الوسائل عن ميمون بن مهران قال: كنت جالساً عند الحسن بن علي عليهما السلام، فأتاه رجل فقال: يا بن رسول اللَّه، إن فلاناً له عليّ مال ويريد أن يحبسني فقال: "واللَّه، ما عندي مال فأقضي عنك قال: فكلمه قال: فلبس عليه السلام نعله، فقلت له أنسيت اعتكافك؟ فقال: "لم أنس، ولكني سمعت أبي يحدث عن جدي رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أنه قال: من سعى في حاجة أخيه المسلم فكأنما عبد اللَّه تسعة آلاف سنة صائماً نهاره قائماً ليله"(11). وهذا الحديث يصور رؤية الإسلام لعلائق الإخاء الجميل، وتقديره العالي لضروب الخدمات العامة التي يحتاجها المجتمع لإرساء أركانه، وصيانة بنيانه. لقد آثر الإمام عليه السلام أن يدع اعتكافه ليقدم خدمة إلى مسلم يطلب العون.

* أصدقاء السوء
هناك آية قرآنية تصف في القيامة مشهداً يتجسّد بين اثنين أقاما علاقة، إلا أن العاقبة كانت كما قال تعالى: ﴿يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ (الفرقان: 8). وورد في الروايات عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: إياك وصحبة الأحمق الكذاب(12). وفي رواية ثانية: إحذر أن تواخي من أرادك لطمع، أو خوف، أو ميل للأكل والشرب(13).

* خاتمة:
وفي الختام نذكر بعض العناوين المستخرجة من مجموعةٍ من الروايات مع ذكر مصادرها للمراجعة لمن أراد(14). لقد نُهيَ عن مصاحبة الضال والمضل كما بينّاه في الآية المتقدمة. كما نُهيَ عن مصاحبة الفاجر، والبخيل، والفاسق والقاطع لرحمه. والكافر، والشرير، وصاحب اللهو، ومجهول الموارد والمصادر. وكذا نُهي عن مصاحبة المبتدع، والنمام، ومتتبع العيوب، والمرتاب، وسريع الانقلاب، والمتثبط للخير، والمداهن، والسباب، ومزيّن المعصية، والخاذل... الخ.


(1) الكافي، ج‏2، ص‏166.
(2) بحار الأنوار، ج‏71، ص‏180.
(3) كنز العمال، ح‏26442.
(4) النوادر للراوندي، ص‏8.
(5) ثواب الأعمال، ج‏1، ص‏182.
(6) الكافي، ج‏2، ص‏133.
(7) نهج البلاغة، ص‏10، ح‏11.
(8) مصباح الشريعة، ص‏36 55.
(9) ميزان الحكمة، ج‏286.
(10) رسالة الحقوق، حق الأخ.
(11) وسائل الشيعة، مجلد 10، باب الصوم.
(12) ميزان الحكمة، ح‏2302.
(13) ميزان الحكمة، ح‏229.
(14) مراجعة المصادر التالية:
*الخصال، ج‏1، ص‏80.
* البحار، ح‏71، ص‏192.
* مصادقة الإخوان، ص‏80.
* الأمالي للصدوق، ص‏472.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع