أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

الإطلاع على الغيب.. هل هو ممكن؟

الشيخ موسى خشّاب‏

 



يعتبر موضوع الغيب والاطلاع عليه من الأمور التي ينجذب الإنسان للحديث عنها، ذلك أن الإنسان يتميز بحبه للاستطلاع وحبه لمعرفة الأمور الخفية. وقد ورد في الروايات عن الإمام علي عليه السلام أن طالب العلم هو أحد المنهومَين اللذين عبر عنهما بأنهما لا يشبعان .... فالإنسان بفطرته يحب التعرف على الأمور الغيبية ، ولكن هل يتمكن من ذلك أم أن هذه الأمنية والرغبة غير قابلة للتحقق؟ وفي حال كان هذا الأمر ممكناً فهل هو مختص بالأنبياء والأولياء وأصحاب المناصب الربانية؟ أم أن هذا الأمر ممكن لغيرهم من الناس؟ للإجابة عن هذه الأسئلة لا بد من الاطلاع على ما ورد على لسان الثَقَلَين القرآن الكريم وأهل البيت عليهم السلام وعلى رأسهم الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله.

* على لسان الثقلين‏
فقد ورد في القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تتحدث عن الغيب وقد بينت هذه الآيات أن الغيب بالأصالة موجود عند اللَّه تعالى ثم بينت آيات أخرى أن اللَّه تعالى أعطى الغيب لرسله وحججه وبين في آيات أخرى أن الغيب ممنوع على أصحاب القلوب الملوثة بالكفر والفسوق وبيّنت آيات أخرى نماذج مختلفة من اتصال بعض الأشخاص من غير الأنبياء والأوصياء بالغيب. فمن الآيات التي بيّنت أن الغيب بالأصالة محصور باللَّه سبحانه قوله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (يونس: 20). ومن الآيات التي تبين أن اللَّه تعالى أطلع حججه على الغيب قوله تعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ ...(الجن: 26 - 27). وقوله سبحانه: ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (آل عمران:44). ومن الآيات التي حرّمت الغيب على أصحاب القلوب الملوثة بالكفر والفسوق قوله تعالى: ﴿فَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآَيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (مريم: 77 - 79).

ومن الآيات التي بينت اتصال البعض بعالم الغيب قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (فصلت: 30 - 31). فهذه الآيات صريحة بتنزل الملائكة على أصحاب الاستقامة ومخاطبتهم لهم. وقد وردت بعض الروايات التي حدّدت وقت تنزّل الملائكة عليهم بساعة الموت ولكنها لا تنفي إمكانية حدوث هذا الأمر خلال حياتهم خصوصاً مع وجود بعض الروايات التي تشير إلى هذا الأمر فالاتصال مع الملائكة ورد في الروايات أيضاً. فعن أبي جعفر عليه السلام: "أما إن أصحاب محمد صلى الله عليه وآله قالوا: يا رسول اللَّه نخاف علينا النفاق، فقال: ولم تخافون ذلك؟ قالوا: إذا كنا عندك فذكرتنا ورغبتنا وجلنا ونسينا الدنيا وزهدنا حتى كأنا نعاين الآخرة والجنة والنار ونحن عندك فإذا خرجنا من عندك ودخلنا هذه البيوت وشممنا الأولاد ورأينا العيال والأهل يكاد أن نحول عن الحال التي كنا عليها عندك وحتى كأنا لم نكن على شي‏ء. أفتخاف علينا أن يكون ذلك نفاقاً؟ فقال لهم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: كلا إن هذه خطوات الشيطان فيرغبكم في الدنيا، واللَّه لو تدومون على الحالة التي وصفتم أنفسكم بها لصافحتكم الملائكة ومشيتم على الماء"(1). وقد اتصل بعض الأشخاص بالوحي العام وهو غير وحي النبوة الخاص، كأم النبي موسى عليه السلام قال تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (القصص: 7) فقد اعلمها اللَّه تعالى الغيب كما ترى ولاحظ قوله تعالى: ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ .... وهنا نموذج آخر من نماذج الاتصال بالغيب كمن يأكل من طعام ليس من طعام الدنيا كما في قصة الحواريين الواردة في سورة المائدة (112- 115). وكذلك ما ورد في قصة مريم عليها السلام:

﴿... كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (آل عمران:37). ومن نماذج الاطلاع على الغيب ما ورد عن اطلاع البعض على أحوال الآخرة كما ورد في خطبة المتقين للإمام علي عليه السلام: "فهم والجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذبون..."(2). ومن كلام له عليه السلام قاله عند تلاوته ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ"... وإن للذكر لأهلاً أخذوه من الدنيا بدلاً فلم تشغلهم تجارة ولا بيع عنه، ... فكأنما قطعوا الدنيا إلى الآخرة وهم فيها فشاهدوا ما وراء ذلك، فكأنما اطلعوا غيوب أهل البرزخ في طول الإقامة فيه، وحققت القيامة عليهم عداتها. فكشفوا غطاء ذلك لأهل الدنيا حتى كأنهم يرون ما لا يرى الناس، ويسمعون ما لا يسمعون... قد حفت بهم الملائكة، وتنزلت عليهم السكينة، وفتحت لهم أبواب السماء وأعدت لهم مقاعد الكرامات في مقام أطلع اللَّه عليهم فيه فرضي سعيهم وحمد مقامهم"(3). ومنه ما ورد عن أصحاب الإمام الحسين عليه السلام ومعاينتهم لمنازلهم في الجنة قبل أن يقتلوا.

* موانع الاتصال بالغيب‏
وقد يتوهم البعض أن النماذج المذكورة مختصة بالأشخاص الذين جرت معهم هذه الأمور ولا يشمل غيرهم من الناس وهذا توهم محض لأن ما في جعبتنا من الروايات الشريفة يؤكد عدم اختصاصه بهم وإمكانية حدوث هذا الأمر مع عامة الناس بشرطها وشروطها فمن ذلك: ما روي عن جعفر بن محمد عليه السلام قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: "ما من مؤمن إلا ولقلبه في صدره أذنان: أذن ينفث فيها الملك، وأذن ينفث فيها الوسواس الخناس، فيؤيد اللَّه المؤمن بالملك، وهو قوله سبحانه: "وأيدهم بروح منه"(4). وهذه الرواية توضح أنه كما أن للجسد أذنين كذلك في القلب (الروح) أذنان وإحداهما قادرة على أن تسمع كلاماً من موجود غيبي هو الملك شرط أن لا يطغى صوت الوسواس على صوته بحسب ما ورد في الروايات فعن الصادق عليه السلام أنه قال: "لولا أن الشياطين يحومون حول قلوب بني آدم لنظروا ملكوت السماوات والأرض"(5). وهذه الرواية توضح أن كل إنسان يمكن له أن يطلع على الملكوت بشرط أن يبتعد عن وسوسة الشياطين. وقد قال اللَّه تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (العنكبوت: 69). وتصديق هذه الآية الكريمة في كلام الإمام علي عليه السلام في نهج البلاغة حين قال: "قد أحيا عقله وأمات نفسه، حتى دق جليله ولطف غليظه، وبرق له لامع كثير البرق فأبان له الطريق وسلك به السبيل، وتدافعته الأبواب إلى باب السلامة ودار الإقامة، وثبتت رجلاه بطمأنينة بدنه في قرار الأمن والراحة بما استعمل قلبه وأرضى ربه"(6).
 

فهذه حقيقة قرآنية لا مجال لإنكارها وهي أن سلوك الإنسان في طريق الصلاح، وتقربه إلى اللَّه تعالى وبعده عن الشياطين يفتح له باباً إلى ملكوت السماوات والأرض يشاهد منه ما خفي على غيره من الناس من آيات اللَّه الكبرى. فالقضية باختصار أنه يمكن للإنسان أن يسمع ويرى الملكوت لولا وجود المانع الذي يصنعه الإنسان بيده. وقد روي عن النبي صلى اللَّه عليه وآله عندما كان في مقابر المسلمين وسمع أصوات العذاب لرجل في قبره قوله لمن معه: لولا تكثير في كلامكم وتمريج في قلوبكم لرأيتم ما أرى ولسمعتم ما أسمع(7).
 


(1) كتاب الكافي، للكليني، ج‏2 باب الوسوسة وحديث النفس.
(2) نهج البلاغة، خطبة المتقين.
(3) نهج البلاغة، كلامه عند تلاوته، يا أيها الإنسان ما غرك، ص‏713 شرح الشيخ محمد عبده، مطبعة النهضة، قم المقدسة.
(4) الكافي، الكليني، ج‏2، باب أن للقلب أذنين.
(5) بحار الأنوار، ج‏4، باب بالعدل قامت السموات والأرض.
(6) كلامه عند تلاوته ألهاكم التكاثر.
(7) نهج البلاغة، تفسير الميزان، ج‏5.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع