أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

مجتمع: الضَّياع الأكاديمي

تحقيق: صفية حيدر أحمد



رحلة الطالب الأكاديمية في المدرسة في صفوف الامتحانات الرسمية والمرحلة التي تلي هذه الامتحانات ونتائجها تخلّف لدى الطالب خوفاً وقلقاً كبيراً على مستقبله. ضغوطات نفسية واقتصادية واجتماعية صعبة تتفاعل في نفسية الطالب وهو أمام استحقاق مصيري في حياته من خلال الاختبار المهني لمستقبله "المشرق". عيّنات من المجتمع ألقينا الضوء على تجاربهم التي مروا بها خلال هذه المرحلة، ثمّ تحدثنا مع مدير المركز الإسلامي للتوجيه المهندس السيد "علي زلزلي" للاستنارة برأيه في هذا المجال.

* بطموحهم استمروا
صفاء فتاةٌ تُحبُّ الدراسة كثيراً، إلا أنها لم تبلغ مُناها، ولم تستطع تحقيق ما كانت تصبو إليه في الحياة الثقافية والتعليمية، ولا حتى العملية. كانت تحلم بأن تصبح طبيبة يوماً ما، ولكن البرنامج التعليمي في مدرستها لم يؤهلها لخوض غمار عالم الطب. أما أهلها فلم يتفهموا عدم قدرتها على متابعة دراستها في المجال العلمي ورغبتها في الانضمام إلى "الراية الأدبية"، ولكن بعد إعادة صف "البكالوريا القسم الأوّل" والرسوب فيه للمرة الثانية، رضخ الأهل للأمر الواقع وتم تسجيلها في صف الفلسفة وأثبتت جدارتها في ميدانها الأدبي، ولكن بعد أيامٍ طويلة من حياتها انقضت عبثاً. أما مريم .... فلها قصةٌ أخرى مع الدراسة والاختصاصات، فهي كانت تعمل في مكتبٍ للمحاماة كأمينة سرّ، وهذا ما دفع بطموحها نحو دخول كلية الحقوق عندما أنهت دراستها الثانوية، ومما زاد في تصميمها نصح أهلها والأقارب والأصدقاء لها لتنضم إلى قافلة المحامين ... وهذا ما آلت إليه الأمور. ولكن في خضم كل ذلك وجدت نفسها غير قادرة على المتابعة؛ لعدم تناسق الوقت بين كليتها وعملها، بالإضافة إلى صعوبة المواد. هذه الأسباب وغيرها دفعت بها نحو اتجاهٍ آخر وهو معهد العلوم الاجتماعية الذي كان ملاذها الأخير. 

وماذا عن علي الذي كان من التلامذة المتفوقين في الدراسة، والمتأمل بمستقبل واعد؟؟ هو لم يفضِ بأسراره والأسباب التي أدت به إلى الرسوب في الامتحانات الرسمية "البريفيه"، بل اكتفى بالتصريح عن النتيجة. وهو ينوي دراسة هذه السنة وتقديم الامتحانات الرسمية عبر تقديم طلبٍ حر. وتابع القول إنه ينوي الانتساب إلى أحد المعاهد لدراسة مهنة ما ... هو لا يعلم أية مهنة سيختار، وليس لديه أدنى فكرة عن هواياته الخاصة وقدراته، فلقد تبعثرت أحلامه مع رسوبه، وفقد قدرته على التركيز والاختيار تاركاً الخيارات للظروف والقدر.  وتتصاعد الأمور مع عماد الذي حصل على درجة ماجستير في الفلسفة، ودرس هذه المادة لمدة عشر سنوات إرضاءً لوالده الأستاذ في العلوم الإنسانية، ولكن طموحه وميوله نحو الإعلام والصحافة ظلّا يتجاذبانه حتّى قرر أخيراً الالتحاق بالجامعة اللبنانية كليّة الإعلام والتوثيق لدراسة هذا الاختصاص في عمر الخامسة والثلاثين ولممارسة الكتابة رغم تقبله للأمر الواقع السابق. تعددت الأسباب والضياع الأكاديمي واحد...

فكيف يختار الطالب ميدانه التعليمي الخاص به؟ وكيف يتغلب على العوائق الشائكة في طريقه؟ وكيف يستطيع خفض السنوات الضائعة سدىً من حياته؟. للإجابة عن هذه الأسئلة التقينا المهندس السيد "علي زلزلي" مدير المركز الإسلامي للتوجيه للحديث عن الصعوبات التي تواجه الطالب خلال مراحله الأولى وكيفية تفاديها منذ البداية وتوجيهه نحو الطريق السليم.

* الرضوخ تحت نير الضغوطات النفسية
تبدأ الضغوطات النفسية لدى الطالب منذ مرحلة مبكرة وقبل الانتساب إلى أية جامعة - أي في المرحلة المدرسية- مما يؤدي إلى تراكمات نفسية تساعد على سوء اختياره لمهنته واختصاصه. هذا ما بدأ به المهندس علي زلزلي في حديثه عن سبب ضياع العديد من الطلاب بين براثن الصعوبات الجمة. وتابع قائلاً إن القلق يعتري أي شخص مقدم على عملٍ ما أو خطوةٍ مهمة وحاسمة قد تؤدي إلى تغيير جذري في حياته العادية والمهنية، مما يجعله تحت وطأة ضغوطات نفسية مرهقة. وبيَّن أن ردود الفعل هذه عادية جداً طالما تبقى في إطارها الطبيعي ولا تتحول إلى قلق هستيري. فالقلق ينقسم إلى قسمين: القلق النفسي والقلق المرضي. أمّا القلق النفسي فهو القلق الإيجابي والمطلوب أحياناً، أي إن الطالب في مرحلة امتحانات الشهادة المتوسطة والثانوية ينتابه القلق بسبب التفكير في النجاح أو الرسوب، أمّا القلق المرَضي فهو السلبي والمرفوض حتماً، والذي يصاحبه اصفرار لون الوجه وحالات الإعياء والتقيؤ. وقد تتطور بعض هذه الحالات إلى الإغماء في بعض الأحيان.  ولا يقف القلق عند حدود انتظار نتائج الامتحانات الرسمية، بل يصاحبه منذ بدء سنته الدراسية والذي يتجلى في صورٍ متعددة، منها: كثافة البرنامج الدراسي والحالة النفسية التي يعايشها الطالب في بيته من ملاحقة الأهل له للاستمرار في دراسته طول الوقت وعدم إهدار دقيقة واحدة خارج نطاق الدراسة. كما أن للمدرسة والأساتذة دوراً كبيراً في تفوق التلميذ العلمي من حيث إرشاده لتنظيم أوقاته بعناية فائقة ولجعله يعيش في حالة استرخاء نفسي قبل التحضير للامتحانات؛ وذلك من خلال تهيئته دراسياً ومعنوياً وميدانياً للتأقلم مع جو الامتحانات وعدم التفاجؤ بما قد يجري في قاعة الامتحانات.

* ضياع ما بعد الامتحانات ...
أكمل مدير المركز الإسلامي للتوجيه قائلاً: إن أي طالب ثانوي بعدما ينجح في الامتحانات الرسمية يعتقد بأنه قد اجتاز أصعب المراحل في حياته، ويبدأ بالبحث عن الاختصاص الذي يريد الانتساب إليه، وهنا يكمن الخطأ الفادح والمميت، فعلى الطالب البدء في التعرف إلى نوع الاختصاص الذي يريده في مراحلٍ مبكرةٍ مع اعتباره لقدراته ومهاراته الخاصة والاختصاصات الجامعية والمهنية بتفاصيلها الدقيقة.  ما يقع فيه طلابنا هو اختيار الاختصاص الذي يحبون أو المفروض عليهم من قبل الأهل أو الظروف الاجتماعية القاهرة في نهاية العام الدراسي الثانوي أو نهاية مطاف الامتحانات الرسمية ومن دون التعرف إلى الاختصاصات جميعها أو معرفة الجامعات وطرق تدريسها والانتساب إليها. وهنا يطرح سؤال: هل راعى الطالب بانتقائه لهذا الاختيار قدراته الفكرية ومهاراته المهنية وثباته النفسي في مواجهة صعابها ومتطلباتها؟ وماذا عن سوق العمل في هذا المضمار؟ كل هذه التساؤلات على الطالب الإجابة عنها في بدء المرحلة الثانوية وليس في نهايتها...

وللإجابة عن كل هذه الطروحات عليه الاستعانة بآراء المدرسين الناجحين وتوجيه والديه المطلعين والمراكز التربوية المختصة لمساعدته على تجاوز كل تلك العوائق المذكورة أعلاه. ويجب بالتالي على المدرسة إيجاد برامج توعية خاصة تساعد الطالب وتهيئه للمرحلة الهامة في حياته وتعرفه إلى مهاراته الإبداعية والمميزة. كما على الأهل أن يكونوا عاملاً مساعداً وليس معارضاً لموهبة ولدهم، فكل المهن عامل مؤسس ومهم في المجتمع وإنما الشخص هو الذي يعمد إلى نجاحه أو فشله عبر قدراته ومهاراته وشخصيته.  وعلى كل طالب التعرف إلى قوانين الجامعة المعنية بتخصصه، ومنها مثلاً معرفة أوقات امتحانات الدخول حتى لا يفاجئه ما هو ليس بالحسبان.  ولا بد من وجود بدائل وخيارات أخرى للطالب في حال عدم التوفيق في مجالٍ ما، لا الاستسلام والنوح على الأطلال، بل الجد والمثابرة للنجاح في حياته والتقدم قدماً. فعليه الوثوق بنفسه وذاته أولاً وهذا ما نشجع عليه جميع الأهل والمدارس للمساهمة في بناء ثقة الطالب بنفسه منذ المرحلة المتوسطة.

* إرشادات مثمرة
واعتبر السيد علي زلزلي أنه لا بدّ من تشجيع الطلاب على طلب النصائح التأهيلية من المراكز التوجيهية لقدراتها وخبراتها في هذا الحقل، ومثالاً على ذلك أوضح زلزلي بعض الطرق المعتمدة لتوجيه الطلاب كالبرامج المدروسة والمخصصة من الصف السادس إلى الصف الثاني عشر بمختلف المهارات والمعارف. وتعرّف هذه البرامج الطالب إلى مهارات حياتية وتعليمية وتوجهه نحو اتخاذ قرار مهني شخصي سليم، من خلال بنك المعلومات الواسع الذي يوفر للطالب كماً هائلاً من التفاصيل عن الجامعات والاختصاصات في لبنان وعن سوق العمل المتاحة كي لا تعمد العقول الفتية إلى الهجرة بحثاً عن العمل في الخارج، بالإضافة إلى ورشات عملٍ واختبارات وموادٍ سمعيةً مرئية مقروءة. كما هناك المقابلة الفردية التي تعمد إلى التحليل النفسي لشخصية الطالب وطريقة تفكيره لاكتشاف قدراته وطموحاته، وبالمقابل يُطلب منه الشفافية والوضوح للتوصل إلى نتائجَ سليمة وإلا فالعكس صحيح. 

كل تلك الطرق تساعد الطالب على انتقاء طريقه المناسب في الحياة العملية والميدانية، ولكن في نهاية المطاف فالاختيار بيده لا بيد غيره. وفي هذه المناسبة، توجه مدير المركز الإسلامي للتوجيه إلى الأهل الكرام الذين يحرصون على مستقبل أولادهم بأن لا يعمدوا إلى فرض أرائهم وإسقاط أحلامهم عليهم، وأن لا يستصغروا بعض الاختصاصات مقارنةً بغيرها، فلكل اختصاص سوق عمله ووقته. فمن كان يظن أن اختصاص علم النفس الذي طالما لاقى رفضاً كبيراً من الأهل والمجتمع – سابقاً- سوف تكون له مساحة شاسعة من العمل في أيامنا هذه؟.  وهنا على الطالب التوقّف والتفكير مطولاً قبل الإقدام على خطوةٍ ناقصةٍ قد تؤدي به إلى التعب والإرهاق في حياته المهنية المقبلة، لذلك عليه إعلاء شعار "في التأني السلامة وفي العجلة الندامة".

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع