إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد

الحجاب...في شكلٍ مشوّه


د. سحر مصطفى(*)


"الحجاب المودرن"، "حجاب الموضة"، "الحجاب الجديد"، وغيرها من العبارات، تستخدم للتعبير عن ظاهرة واحدة، ألا وهي الشكل المشوّه للحجاب الذي تتزايد مظاهره يوماً بعد يوم في مختلف البلدان الإسلاميّة. وفي هذا المجال، من المهمّ التوقّف عند المصطلحات المستخدمة للدلالة على هذه الظاهرة، فالموضة والحداثة أو العصريّة (مودرن) لا تنتمي إلى حقل الأمور السلبيّة والمذمومة، وتستخدم في الأدبيّات العامّة للدلالة على أمور تحاكي التطوّر... من هنا، نتحفّظ على تسمية الظاهرة بأيّ من هذه المسمّيات ولحين إيجاد المصطلح المناسب سنشير إليها بالشكل المشوّه للحجاب...

فما هي أسباب هذه الظاهرة؟ ما مدى خطورتها؟ هل يجب أن نتصدّى لها؟ وهل يمكن أن يصبح هذا النمط هو النمط الطاغي والمقبول للحجاب؟ وتكرّ سبحة التساؤلات...

الحقيقة أنّ مقاربة هذه الظاهرة تحتاج إلى الكثير من التأنّي، وخاصّة على مستوى المعالجة. لذا، سنحاول تحديد معالجتنا للموضوع عبر ثلاثة محاور: 1- الأسباب. 2- التداعيات. 3- معالجة الظاهرة.

1- أسباب ظاهرة الشكل المشوّه للحجاب

لطالما كانت عمليّة التغيّر الاجتماعيّ سمة المجتمعات الإنسانيّة، ولكنّها كانت عمليّة تجري ببطء وتحتاج إلى عقود وتواجهها الكثير من المقاومة. مع عصر العولمة، والتقنيّات الحديثة، التي فتحت المجتمعات على بعضها بعضاً وسرّعت وتيرة التبادل الثقافيّ، أصبحنا نشهد في أحيان كثيرة عمليّات انقلاب في العادات والتقاليد والسلوكيّات العامّة في المجتمعات وليس عمليّات تغيير وحسب...

ومع طغيان وهَيْمنة الولايات المتّحدة الأميركيّة كقطب أوحد يتحكّم في اقتصاديّات العالم، ويفرض سياساته ورؤاه، أضحى نموذج الحياة الأميركي (American Life Style)، هو النموذج الثقافيّ الذي تسعى المجتمعات كافّة لتقليده، للوصول إلى الحداثة والتطوّر، وخاصّة أنّه يحظى بعمليّة ترويج إعلاميّة مبرمجة ومخطّطة بعناية...

وتفاوَتَ تجاوب المجتمعات مع هذا النموذج، إلّا أنّه ترك تداعياته على كثير من مظاهر الحياة في عدد كبير من الدول والجماعات. هذا النموذج يترك بصماته في مختلف مناحي السلوكيّات الاجتماعيّة، ومنها طريقة اللّباس ومواصفاته المقبولة اجتماعيّاً. وحتّى ما يدخل في إطار الحرام فجزء من المقاييس الشرعيّة للّباس تحدّده الأعراف الاجتماعيّة... ويقول المثل الشعبيّ: "كُلْ على ذَوقك والبس على ذوق الناس".

نحن كمجتمعات دول نامية، كما اصطلح على وصف مجتمعاتنا، نعيش أزمة ثقة بالنفس تجعلنا متذبذبين بين المحافظة على التقاليد، والأعراف والدين وبين الانبهار بالثقافة الغربيّة، وبشكل خاصّ نمط الحياة الأميركيّ... ولمّا كان الحجاب من أكثر الظواهر التي جرت محاربتها على صعيد أدبيّات تحرير المرأة وجرى ربطه بالتخلّف وظلم المرأة وما إلى ذلك، فمن الطبيعيّ أن ينال نصيبه من التغيير في شكله ومدى انتشاره وطريقة التعاطي معه... ويمكن أن نعتبر ظاهرة الشكل المشوّه للحجاب الذي نجده في مجتمعاتنا، شكلاً واضحاً وممثّلاً صريحاً لهذا التذبذب. فنحن نريد أن نماشي التطوّر ونريد أن نحافظ على الرابط الدينيّ والعلاقة مع العادات والتقاليد فيُولَد لدينا مخلوق مشوّه غريب. وما يؤكّد عمليّة التذبذب هذه، النتائج التي أظهرتها دراسة قام بها مركز أمان للإرشاد السلوكيّ والاجتماعيّ حول الاتّجاهات القيميّة والسلوكيّة لتلامذة المرحلة الثانويّة في لبنان، فقد أيّد 10 % من التلامذة فقط ما يُسمّى بـ"الحجاب المودرن"، على الرغم من أنّ قسماً من الفتيات اللواتي عارضنَه يرتدينَه...

وممّا يزيد الأمور تعقيداً تداول بعض الفتاوى الدينيّة التي تضفي بشكل أو بآخر صبغة الشرعيّة على أشكال الحجاب الغريبة المنتشرة... ومن العوامل المساعدة على نموّ هذه الظواهر تراجع آليّات الضبط الاجتماعيّ وممارسة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لصالح مفهوم الحريّات الشخصيّة، المستورد بدوره من الثقافة الغربيّة...

يبرز في هذا المجال ضَعف الفهم الحقيقي، للحجاب والأطروحة الإسلاميّة. وفصل مسألة الحجاب عن العفّة أمر غير ممكن، يفرّغ الحجاب من مضمونه، كما هو حاصل اليوم. فهما مسألتان متلازمتان في الرؤية الإسلاميّة، فكما لا قيمة للحجاب بدون عفّة داخليّة، كذلك لا تكتمل العفّة إلّا بالحجاب والستر الخارجيّ للجسد الذي أوجبه الله تعالى على المرأة، خلافاً لِما يُحاوَل الترويج له أنّ الحجاب ليس واجباً دينيّاً وإنّما هو عادة اجتماعيّة...

نجد أنفسنا، في هذا السياق، أمام أزمة هويّة وثقة بالنفس والمقدّرات، في ظلّ ضعف الأطروحات البديلة، فنحن دائماً في موقع المهاجم، والناقد للظواهر المتأثّرة بالغرب ولسنا في موقع من يقدّم نمط حياة بديلاً مدعوماً بسلطة قويّة ذات مقدرات ولديها نجاحات على المستوى العلميّ والتقنيّ والإنتاج الثقافيّ.

إلّا أنّ بارقة الأمل التي أطلقها سماحة الوليّ الفقيه السيّد الخامنئيّ دام ظله، تحت شعار "نمط الحياة الطيّبة"، المستمدّ من القِيَم الإسلاميّة، مدعوماً بالنجاحات التي تحقّقها الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة على كافّة الصعد يفتح كوّة في جدار الأزمة...

2- تداعيات الظاهرة

إنّ انتشار هذا الشكل من الحجاب وتقبّل المجتمع له، يجعله يفرض نفسه شيئاً فشيئاً كأمر واقع ليتحوّل فيما بعد إلى نمط عاديّ طبيعيّ، وقد يُقدَّم مع الوقت أنه شكل الحجاب الذي يتواءم مع تطوّرات العصر. وخطورة هذا الموضوع تكمن في استئناس المنكر، وتحوّل المعايير الذي سيؤثّر حُكماً حتّى على الفئة التي تهتمّ بالحدود الشرعيّة للّباس، فقياساً على الشكل المشوّه المنتشر للحجاب، فإنّ أيّ توسيع وتحسين طفيف سيبدو جيّداً...

هذا فضلاً عن تفريغ الحجاب من مضمونه ووظيفته الأساس، وهي حفظ عفّة المرأة وحيائها وحمايتها وحماية المجتمع، ليتحوَّل إلى صيحة من صيحات الموضة...

3- سُبُل المعالجة

إنّ معالجة هذه الظاهرة يجب أن تركّز بشكل أساس على تقديم النموذج الجميل للحجاب الصحيح، ونشر ثقافة العفّة وتعميق الإيمان وتقوية العقائد الدينيّة، بعيداً عن التهجّم ومحاربة الفتيات اللواتي يرتدين الشكل المشوّه للحجاب لأنّ من ترتدي هذا الشكل من الحجاب ولو أنها تسيء إليه من حيث تدري أو لا تدري، إلّا أنّها لا زالت تحمل في داخلها بذور الاحترام للشريعة والخوف من الله تعالى، يجب أن نمدّ لها يد العون لتتعرَّف أكثر إلى جمال العفَّة والحجاب الكامل، وما تحقّقه من طمأنينة وتصالح مع النفس من خلال مجموعة من الإجراءات منها:

1- العمل على تبيان فلسفة العفاف والحجاب وتداعياتهما الثقافيّة والاجتماعيّة والنفسيّة والأخلاقيّة الإيجابيّة في مجالات الحياة المختلفة. والآثار السلبيّة لعدم رعايتهما في إضعاف المباني الأخلاقيّة للأسرة والمجتمع(1).

2- إجراء دراسة تضمّ نسبة ممثَّلة من الفتيات اللواتي يرتدين "حجاب الموضة"، للوقوف على حقيقة الدوافع التي تدفعهن لذلك، حتى تكون الأنشطة المقدَّمة مجدية وتحاكي تطلّعاتهنّ. وإشراكهنّ في طرح الأفكار التي يمكن أن تساهم في تحسين مفهوم وشكل الحجاب..

3- إقامة مسابقة على صعيد المدارس، والثانويّات والجامعات لاختيار مجموعة من الفتيات المميّزات في حجابهنّ ضمن معايير موضوعة من قبل لجنة تضمّ تربويّين، وعلماء دين.

4- إطلاق حملة عامّة تحت شعار جاذب ومحبّب مثال "ارتقي بحجابك" وغير ذلك، يشترك فيها الإعلام المرئيّ والمسموع والبلديّات والجمعيّات الأهليّة والحركات الكشفيّة.

5- تأمين نوادٍ رياضيّة للفتيات المحجّبات تراعي الشروط الشرعيّة، تخصَّص فيها برامج خاصّة لتعزيز ثقة الفتاة المحجّبة بنفسها وحجابها، وتقديم تسهيلات خاصّة بالدفع وحوافز للفتيات اللواتي يراعين شروط الحجاب الشرعيّ.

6- التشجيع على مشاريع صغيرة، تستثمر في إنتاج ملابس أنيقة ومرتبة تراعي الشروط الشرعيّة بأسعار مقبولة.

7- تطوير وتوسيع نطاق برنامج "نجمة البتول" الذي تتبعه كشافة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف مع الفتيات، حيث تحقّق الفتاة المكلفة مجموعة من المطالب التي تجعل منها فتاة تراعي شروط الحجاب وتفهم أبعاده المختلفة، فتصبح بذلك نجمة من نجمات البتول عليها السلام.

8- تدريب الأهل وتثقيفهم على أهمية الحجاب وتعزيز العفّة عند أبنائهم، مع التركيز على إزالة مجموعة من المفاهيم الخاطئة العالقة في الأذهان، منها: إنّ الفتاة المحجّبة بطريقة صحيحة وتمتلك الحياء والعفَّة تتراجع حظوظها في الزواج...

9- تعزيز فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وخاصّة فيما يتعلّق بنشر ثقافة العفاف والحجاب...

10- إبراز النجاحات التي تحقّقها الفتيات المحجّبات على صعيد العالم الإسلاميّ في كافّة الميادين (العلميّة، الرياضيّة، الجهاديّة،...).

11- التثقيف حول مخاطر الانحراف من جرّاء وسائل التواصل الاجتماعيّ، وتبيان حدود الاختلاط سواء في الواقع أو من خلال مواقع التواصل...


(*) أستاذة جامعيّة ومسؤولة الدراسات في مركز أمان للإرشاد السلوكيّ والاجتماعيّ.
1- مركز الأبحاث والدراسات التربويّة، ثقافة العفاف: وثيقة تنفيذيّة صادرة عن المجلس الأعلى للثورة الثقافيّة في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع

الحجاب في شكله النشوه

سمير علي / لبنان

2016-04-09 11:02:12

بعد التحية والسلام،،، ورد جملة تحتاج للتدقيق من قبل كاتبته( د. سحر) وإدارة المجلة الكريمة، وهي كما جاءت ( فصل الحجاب عن العفّة أمر غير ممكن، يفرغ الحجاب من مضمونه، كما هو حاصل اليوم. فهما مسألتان متلازمتان في الرؤية الاسلامية فكما لا قيمة للحجاب بدون عفّة داخليّة كذلك لا تكتمل العفّة إلا بالحجاب والستر الخارجيّ للجسد) صحيح أنّ الحجاب والعفّة متلازمتان في الرؤية الاسلامية، والعفّة واحدة من أهداف الحجاب ووجوبه،، ولكن إن لم تحرز العفّة الداخليّة للمحجبة هذا لا يعني لا قيمة للحجاب ويفرغه من مضمونه، وليس بالضرورة يكون هناك ربط بين العفّة الداخلية والحجاب، لأن بحسب ما ورد من آيات الستر، وما تعرض له الشهيد مطهري في كتابه مسألة الحجاب الذي استستقى منه كتّاب هذا الموضوع في الملف يبين أنّ الحجاب الشرعي حاجة مجتمع سليم من الآفات له أهداف عدة ولا تنحصر أهدافه بالعفّة، والعفّة الخارجيّة واحدة منها، وأمّا العفّة الداخليّة تحصيلها لا يكون إلا بالتقوى،،، فكم من محجبّة زنت، وكم من سافرة بقيت على عفّتها، راجعي فلسفة الحجاب بحسب نظر الشهيد مطهري في كتابه مسألة الحجاب