د. نبيل ألماس(**)
نحن جميعاً نتاج أفكارنا. وإنّ أنماط تفكيرنا تحدِّد ما سنكون عليه. إنّ نجاحنا أو فَشَلنا في تحقيق أهدافنا، يتوقّف بجزء كبير منه على طبيعة تفكيرنا، لأنّ هذه الطبيعة تحدِّد التفاصيل والنهايات.
لو كانت الحياة كتاباً وكنت أنت المؤلف، فكيف تريد لقصتك أن تكون؟
في الحياة... من الطبيعي أن نواجه عثرات وعقبات ومصاعب وآلاماً، سننجح أحياناً، وطبعاً سنفشل أحياناً أخرى. كيف سننظر إلى ذلك؟ وكيف نتعامل معه؟ هل سنكون إيجابيين في نظرتنا إلى أنفسنا وقدراتنا وإمكانيّاتنـا، أم سنتبع نمط التفكيـر السلبي، والذي يصفه أحـد علمـاء النفس بأنه: "سلوك غبي يمارسه أناس غير أغبياء"؟
*ما هو التفكير الإيجابي؟
إنّ مفهـوم "التفكيـر الإيجابي POSITIVE THINKING"، نتـاج تيـار حديث في علـم النفس، يُسَمَّى "علم النفس الإيجابي"، وهو يركـِّز على تعزيـز الإمكانـات بدلاً من معالجة المعوّقات.
إنّ التفكيـر الإيجابـي لا يعني عدم إدراك الحقائـق الموجـودة، ولكنه ببساطة يساعدنـا على رؤيـة الأمـور بشكل مختلف. ومن التعبيرات الطريفة المشهورة لتقريب هذا المفهوم من الأذهان:
"إذا أعطتك الحياة الحامض، فاصنع منه الليموناضة".
بسبب حداثة هذا المفهوم، من الصعب أن نجد له تعريفاً واحداً يتفق عليه جميع الباحثين، فنجد أكثرهم أقرب إلى الحديث عن مزاياه وفوائده. ويمكن القول إنّه قدرة فطرية على التعامل بإيجابيّة مع مشكلات الحياة وتحدّياتها، وعدم اليأس في مواجهة التحدّيات والعقبات، والتحلِّي بالأمل، حتى لو كانت الظروف الخارجيّة غير إيجابيّة. وهو استثمـار ما يمكن أن تحتويـه تحدّيـات المواقـف، بما يمكِّننا من تحويل التهديـد إلى فرصة، والتعامل مع الأزمـات كمدخـل إلى واقـع مختلف.
*إيجابي بالفطرة
خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان إيجابيـاً بالفطـرة. وأراد له أن يكـون إيجابيـاً بالفكر والممارسة. لكن شيئاً فشيئاً وتحت تأثير ضغوط الحياة، نمضي مبتعديـن عن فطرتنا الإيجابيـة نحو حالات سلبيـة.
والإسلام دعوة للإيجابية. هو في تعاليمه وأخلاقه دعوة إلى التفكير الإيجابي: حسن الظن، العفو، الإيثار، الصبر. ومن أهم هذه التعاليـم: الثقة بالله سبحانه وحسن الظن به. وهو ما يُبعد عنَّا اليأس، ويزرع في قلوبنا وعقولنا الأمل. عن أمير المؤمنين عليه السلام: "الثقة بالله أقوى أمل"(1).
*الخصال الفطرية العشر للمفكر الإيجابي(2)
يرى بعض الباحثيـن أن المفكّرين الإيجابيّيـن يتّصفون بخصال فطرية عشر، وهذا لا يعني الحاجـة إليها كلّها أو ظهورها في كلّ المواقف والتحديـات، بل إن المسألة نسبية وتتعلق بطبيعـة الموقف.
وهذه الصفات هي:
- الإيمان (وهو أهمها) - التكامل - التركيز - التفاؤل - الحماس - التصميم - الشجاعة - الثقة - الصبر - الهدوء.
*من فوائد التفكير الإيجابي
1 - يقي من الشعور بالعجز واليأس:
اليأس عدوّ الأمل. الأمل هو الرّفيق الذي يشدّ أزرنا في الأوقات العصيبة. هو (الذي يساعدنا للعودة إلى ظهر الحصان) إن سقطنا عنه. فما أضيق العيش لـولا فُسحة الأمل. يصفه أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: "الأمل رفيق مؤنس"(3).
يوجد نوعـان من اليأس:
الأول: هو العادي، والذي قد يصل إليه المرء أحياناً نتيجة ظروف واقعية ضاغطة.
الثاني: اليأس المكتسب. وهذا النوع خطر جداً، يُقال، وكمثال على ذلك، إنّ الفيَلة الكبيرة في السيرك تكون مقيَّدة بأسلاك مربوطة بأوتاد خشبيَّة غير متينة، ومع ذلك هي لا تحاول الهرب، وذلك يرجع إلى أنّها كانت في صغرها تحاول ذلك، ولكنها كانت تُرْبَط بأوتاد معدنيّة متينة جداً، ما جعل محاولاتها تبوء بالفشل، وأوجد عندها حالة من (اليأس المكتسب)، فنشأت وقد تكوّنت لديها قناعة خاطئة من تلك التجارب، أن ليس بإمكانها فعل أي شيء مهما حاولت.
وعلى هذا المنوال، فإن الإنسان يمكن أن يصل في هكذا سياق إلى هذا النوع من اليأس، وعندها لن يتابع جهوده عند تكرار الفشل، أو تكرار العقبات، سعياً لإيجاد مخارج وحلول لأزماته.
2 - يقوِّي حس الإبداع:
ليس المقصود هنا الإبـداع بالمعنى العلمي أو الفنـي، المقصود أنـه عند مواجهة العقبات والعوائق، فإن ذوي التفكير الإيجابي لا يشعرون بالضَّعف. يستمرّون بالمحاولة. هم لا يتعاملون معها كحقائق. دائماً لديهم أمل ولذلك هم يبتدعون الحلول. إنّ العوائق والحدود التي قد تواجه الإنسان بإمكانها أن تفعل فقط شيئين:
الأول: أن توقفه في منتصف الطريق.
الثاني: أن تجبره على الإبداع.
3 - يحمي من الضغوط والاكتئاب:
توجد علاقـة وطيـدة بيـن نمـط تفكيـر الإنسان وبيـن مشاعره ومزاجـه. ما هي نظرتنا للحيـاة؟ ماذا نقـول لأنفسنـا (نفكر) عند مواجهة الأحـداث والوقائع؟ هل نعتبر أمراً ما مثلاً مـُفرِحاً أم مـُحزِناً لنا؟ مـُزعجاً أم مريحاً؟ إلخ... وقد يختلف تأثير الحدث نفسه بين الأشخاص، ونجد في أمثالنا الشعبية ما يشير إلى هذا الارتباط بين طريقة التفكير والمشاعر مثل: "هـَوِّنـْها بـِتـْهـُون".
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "المصيبة واحدة فإن جزعت كانت اثنتين"(4).
إن أنماط التفكير السلبي أو اللامنطقي تؤدِّي غالباً إلى معاناة الضغوط. أما إذا كنَّا دائماً نواجه الأحداث بنظرة إيجابية وبنمط تفكير إيجابي فسنتجنّب تلك المعاناة.
4 - يحسِّن الصحة الجسدية والنفسية:
إن العلاقة بين العقل والجسم والنفس تعمل بشكل دائم ومستمر (سلباً أو إيجاباً). وهذا ما يعالجه اختصاص طب النفس العضوي.
عن السيد المسيح عليه السلام: "من كَثُرَ همّه سَقُمَ بدنه"(5).
إن الأفكار يمكن أن تسبِّب المرض، ولكنها يمكن أن تلعب دوراً مهماً في عملية الشفاء.
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إرْضَ تسترح"(6).
*الوعي بالتفكير
ليس من أحد يتصف بالإيجابية المطلقة أو السلبية المطلقة، بل إن المسألة نسبية، فقد نكون إيجابيين في جانبٍ ما أو ظرفٍ ما، وسلبيين في جوانب وظروف أخرى.
إن الوعي بالتفكيـر خطوة أساسيـة للوصول إلى تفكيـر إيجابي. فنحن نفكـر بطريقـة تلقائيـة معظـم الوقت، ولهذا فإننا نادراً ما ندرك كيف نفكر.
هناك ثلاثة أبعاد أساسية(7) تحدِّد أسلوبك (نمط تفكيرك) في تفسير الأحداث (السارة/ السيئة) التي تحدث لك:
1 - الاستمرارية:
- من يرى أن الحدث السيئ مؤقت (إيجابي)، ومن يرى أن الحدث السيئ سيدوم (سلبي).
- من يرى أن الأحداث السارة دائمة ومستمرة (إيجابي)، ومن يرى أن الأحداث السارة مؤقتة (سلبي).
2 - الانتشارية:
- من يرى أن أسباب الأحداث السيئة تكون في مواقف محدَّدة (إيجابي)، ومن يرى أن أسباب الأحداث السيئة منتشرة في جميع المواقف (سلبي).
- من يعطي تفسيراً انتشارياً للحدث السعيد (إيجابي)، ومن يرى أن أسبـاب الأحداث السعيـدة تكون في مواقف محدَّدة (سلبي).
3 - الطابع الشخصي:
الاعتقاد بأن أسباب الأحداث السيئة شخصية (لوم الذات) أو رد الأسباب إلى ظروف خارجية.
الاعتقاد بأن أسباب الأحداث السارة شخصية (تقدير الذات) أو رد الأسباب إلى ظروف خارجية.
*لتفكير إيجابي
للوصول إلى تفكير إيجابي، حاول أن تدرك نمطك بالتفكير. اعمل على تشريح تفكيرك بناءً على هذه الأبعاد الثلاثة الأساسية. اعرف نقاط ضعفك كما نقاط قوتك.
وتذكر، أن الخصال العشر لذوي التفكير الإيجابي خصال فطرية، ولكنها وتحت التأثيـرات السلبية، فإنها وإلى حد ما تتغيَّر وبدرجات متفاوتة، وتكمن الخطوة الأولى في إعادة تنشيط هذه الخصال. وتكون البداية في إدراك المسافة التي تفصلنا عنها.
ختاماً... لنتذكر دائماً أن الله سبحانه وتعالى خلقنا إيجابيين بالفطرة. ثق بربك وارجُ رحمته وأحسن الظن به، "فالثقة بالله أقوى أمل".
"كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو، فإن موسى ذهب ليصطلي ناراً فعاد نبياً".
(*) مستفادة من محاضرة تدريبية.
(**) اختصاصي في التنمية الاجتماعية - جمعية أمان.
1- عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، ص40.
2- قوة التفكير الإيجابي في الأعمال/ عشر خصال تعطيك خير النتائج: سكوت دبليو.. فـِنترِلَّا - تعريب ناوروز أسعد.
3- غرر الحكم: 1042، م.ن، ص29.
4- غرر الحكم: 1623، م.ن، ص26.
5- الأمالي، الشيخ الصدوق، ص636.
6- عيون الحكم، مصدر سابق، ص78.
7- تعلَّم التفاؤل/ كيف تستطيع أن تغيِّر طريقة تفكيرك وحياتك، د. مارتين سليغمان.