مع الإمام الخامنئي | لا تنبهروا بقوّة العدوّ* نور روح الله | لو اجتمع المسلمون في وجه الصهاينة* كيف تكون البيعة للإمام عند ظهـوره؟* أخلاقنا | كونوا مع الصادقين* الشهيد على طريق القدس عبّاس حسين ضاهر تسابيح جراح | إصابتان لن تكسرا إرادتي(1) على طريق القدس | «اقرأ وتصدّق» مشهد المعصومة عليها السلام قلبُ قـمّ النابض مجتمع | حقيبتي أثقل منّي صحة وحياة | لكي لا يرعبهم جدار الصوت

وصايا العلماء: الغفلة ضلال النفوس

آية الله الشيخ جوادي الآملي حفظه الله

يعتقد علماء الأخلاق أنّ الخطوات الأولى في علم الأخلاق، التعرّف إلى الرذائل الأخلاقية وتجنبها؛ ففي البداية يجب على الإنسان معرفة الرذائل الأخلاقيّة والنفسانيّة ومن ثم طردها على شكل الدفع أو الرفع، بمعنى أنه إذا كان غير واجد لها، عمل لكي لا يبتلى بها، وإذا كان واجداً لها، عمل لطردها.

*التخلية مقدّمة التحلية
إنّ معرفة الرذائل الأخلاقيّة ضروريّة ومفيدة عند طبيب الروح، كما أن معرفة السموم ضرورية ومفيدة عند طبيب الجسم؛ لأنه بذلك يتمكّن من الابتعاد عنها، ومن تحذير الآخرين من مخاطر الوقوع فيها. وإذا ما ابتُلي البعض بها قدّم لهم طريق العلاج. من هنا، قال علماء الأخلاق: ترك الرذائل واجتنابها من "التخْلية"، أي تخْلية النفس عن الرذائل الأخلاقية وهي مُقدَّمة على "التحلية" أي تحلية النفس بالفضائل الأخلاقية.

إنّ هذا الكلام تام، إلّا أنه يجب الالتفات إلى أن التخلية عن الرذائل تختلف عن التحلّي بالفضائل؛ لأن الفضائل متجذّرة في طينة الإنسان، أما الرذائل فهي أمور عرضيّة؛ وعندما تتعلّق روح الإنسان ببدنه، فهي وإن كانت منزّهة عن الرذائل الأخلاقية ولكنها ليست خالية عن الفضائل، بل خلقت مع فضائل الميل نحو الحق والتي يعبر عنها بالفطرة التوحيديّة: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (الشمس: 7 - 8).

*موانع السير والسلوك
بناءً على ما تقدم، فروح الإنسان الملهمة بالفجور والتقوى هي في الوقت عينه تميل نحو التوحيد؛ وفي النتيجة، إذا تمّ طرد هذه الرذائل العارضة، تنمو الفضائل الفطرية وتظهر على أكمل وجه، لا بل بإمكان الإنسان اكتسابها وإكمالها.

أما موانع السير والسلوك فهي: الموانع النظرية: كالغفلة، الوساوس العلمية، الظنّ والعقل المتعارف.
والموانع العملية: كالأهواء والأنانية، مصائد الشيطان والدنيا.

وفيما يلي نبدأ بالحديث عن أول الموانع أي: الغفلة.

*الغفلة
ذُكرت الغفلة في علم الأخلاق بعنوان "المانع" وذُكرت اليقظة باعتبارها "شرطاً ضرورياً" لتهذيب النفس والسير والسلوك. أما مقدمة السير والسلوك الواجبة فهي أن يلتفت الإنسان إلى أنه ناقص وأنه "مسافر" وبحاجة إلى زاد وراحلة ومرشد. ومن البديهي أن الإنسان إذا كان غافلاً وغير عارف بأنه مسافر، فلن يتقدم، بل سيبقى في مكانه، وكما يقول مصلح الدين سعدي: "الحرم أمامك والحرامي خلفك؛ فإذا ذهبت فزت وإذا نمت مُتّ"(1).

فالإنسان الذي لا يعلم أنه مسافر وأن هناك من يكمن له، سيتعرض لهجوم قطّاع الطرق إذا نام، وإذا تحرّك وعمل على تحصيل الزاد المناسب وصل إلى المقصد. وقد تحدث الشيطان صراحة عن أنه يكمن للإنسان ﴿لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (الأعراف: 16).

*اليقظة تتطلب الحركة
تتحدث العبارات الدينية عن الذين ليسوا من أهل السير والسلوك بعنوان "النيام" أو "السكارى". والسكران هو الذي غلب "الشراب" عقله. من هنا، كان المقام والغرور والمال من المسكرات من باب أنها تحجب وجه العقل ولا تسمح للإنسان بالتيقّظ والحركة.

جاء في المناجاة الشعبانية حول اليقظة من نوم الغفلة: "إلهي لم يكن لي حولٌ فأنتقِلَ به عن معصيتك إلّا في وقتٍ أيقظْتَني لمحبّتك" (2).

نعم، هذه اليقظة تتطلّب العمل وبذل الجهد. عندما تصل أصوات الأنبياء إلى سمع شخص، توقظه حتى لو كان نائماً. والأنبياء قد جاؤوا لإيقاظ الناس النائمين. ولكن إذا كان نوم الشخص ثقيلاً، فإن أصوات الأنبياء لن توقظه. لذلك خاطبت الذاتُ الإلهيةُ المقدّسةُ الرسولَ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ (فاطر: 22).

إذا استيقظ الشخص، أدرك أنّ عليه أن يتحرّك. وإذا لم يتحرّك وبقي على حال واحدة في لحظتين، فهو مغبون. يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "من استوى يوماه، فهو مغبون"(3).

*دائم الذكر لا يستوي يوماه
ليس المقصود من "اليوم" الليل والنهار أو النهار المقابل لليل. وعليه إذا استوت ساعتان أو لحظتان عند الشخص، لحق به الضرر؛ لأنه فقد عمره ولم يحصل في مقابله على شيء، ولكن إذا كان دائم الذكر للحق تعالى كما جاء في القرآن الكريم: ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ (الأعراف: 205) فلن تستوي دقيقتاه أو لحظتاه لأنّه سيقترب من ذات الإله المقدّسة أكثر، وعندها سيدرك أن كل مرتبة أنقص من المرتبة اللاحقة وأن اللاحقة أكمل من السابقة. لذلك قيل: "حسنات الأبرار سيئات المقربين"(4). من هنا، فاليقظة، الشرط الأول للسير والسلوك. وبعد اليقظة والعزم على الحركة، يدرك الإنسان السالك أنه بحاجة إلى زاد ومركب ودليل ومعرفة لأجل الحركة.

*الغفلة رجس الروح
إن الغفلة التي هي إحدى موانع سير الإنسان نحو الله، عبارة عن الرجس من وجهة نظر ثقافة الدين. يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "الغفلة ضلال النفوس"(5).

ويستفاد من المناجاة الشعبانية أن الغفلة بمثابة رجس لروح الإنسان. جاء في المناجاة المذكورة على لسان الأئمة المعصومين عليهم السلام: "فشَكَرْتُكَ بإدخالي في كرمك ولتطهيرِ قلبي من أوساخ الغفلةِ عنك" (6).
يظن البعض أن التعبير عن الفضيلة والرذيلة الأخلاقيين بـ"الطهارة" و"الوسخ"، هو كناية ومجاز؛ إلّا أن هذا الظن باطل؛ لأنّ للإنسان باطناً بالإضافة إلى الظاهر وأن البواطن تظهر في القيامة.

*منشأ كلّ آفة
إن الغفلة عن داخلنا منشأ كل آفة تحيط بنا من الخارج. وإذا ما وجد في داخلنا حصن الاعتقاد والالتفات، فلن يصيبنا الضرر لأنّ كل غافل يصاب بسهم. جاء في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "ما من طَير يصاد في برٍّ ولا بحر ولا يصاد شيء من الوحوش إلا بتضييعه التسبيح"(7).
وعنه عليه السلام أيضاً: "إنّ الصاعقة لا تصيب ذاكراً لله عزَّ وجلّ" (8). إنّ هذا النوع من المعارف يترك أثراً تربوياً عدا عن البعد العلمي والاعتقادي حتى لا نغفل عن الله وآياته.
يقول الإمام الصادق عليه السلام: "إياكم والغفلة، فإنه من غفل فإنما يغفل عن نفسه"(9).

أما الابتعاد عن الغفلة فهو لأجل الابتعاد عن الأضرار التي تلحق روح الإنسان. وعلى الإنسان أن يحدّد المواضيع والأحكام واحداً بعد الآخر بناءً على ما هو نافع وضار. قال تعالى: ﴿وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ (محمد: 38)، ويقول أيضاً: ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ (المزمل: 20).

*غفلة عن الروح
إن الغفلة عن حفظ المال وأمثاله ذات ضرر دنيوي. إلّا أن الغفلة عن تزكية الروح هي غفلة عن الروح بذاتها، تترتب عليها خسارة كبيرة تعادل فقدان رأس المال. عندما يتحدّث الله تعالى عن البعض بأنه "خاسر": ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (العصر: 1-2 )، فهو لأن البعض ينفصل عن حقيقة ذاته على أثر الغفلة. إذا كان الشيطان يصطاد أرواحنا ليوقع بها في مصائده وليفتح الطريق أمامنا نحو المال الحرام والذهاب نحو الأماكن الملوثة، فإن مكائده تفشل من خلال ما يقوم به الإنسان من أعمال الخير.


1- كلستان، الباب الثاني، الحكاية 11.
2- مفاتيح الجنان، المناجاة الشعبانية.
3- بحار الأنوار، المجلسي، ج68، ص173.
4- م. ن، ج25، ص205.
5- شرح غرر الحكم، ج1، ص369.
6- مفاتيح الجنان، المناجاة الشعبانية.
7- البحار،م. س، ج61، ص24.
8- م. ن، ج90، ص156.
9- م. ن، ج69، ص227.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع