نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

كلّها أيام الله

الشيخ محمد حجازي

يحدّثنا القرآن الكريم عن حقيقة تكوينيّة تتعلّق بفلسفة خلق الأشياء بمراحل زمنية متدرِّجة وفقاً للأسباب والمسبِّبات والقوانين الطبيعية التي جعلها معياراً لإيجاد الخلق وتقدير المقدّرات الغيبيّة، وقد سمّى هذه المراحل المتدرّجة بـ "الأيام". قال تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ (الفرقان: 59).

*الأيام... سلاسل الزمن
فاليوم، وإن كان بحسب تعريفه العلمي بأنه الوقت المحدّد من طلوع الشمس إلى غروبها، إلّا أنَّ هذه الآية الكريمة لا تشير إلى خصوص هذا الوقت القصير، إنّما هي إشارة إلى المراحل الزمنيّة الستّة، والتي قد تكون ستة آلاف عام، كما أشار القرآن الكريم إلى ذلك في سورة الحج: ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (الحج: 47)، أو أنها تشير إلى مراحل زمنيّة غيبيّة لا يعلم سرَّها إلا الله تعالى، لأنَّ كل ما توصّل إليه علماء الجيولوجيا والأنتروبولوجيا في سنيّ بدء الخلق والتكوين، ما هي إلا احتمالات ظنيّة لا ترقى إلى حقائق الدِّين الغيبيّة والتي لا يعلم سرّها إلا الله تعالى.

وبكلِّ الأحوال، فإنَّ اليوم هو نتيجة لذلك النظام الكوني الذي جعله الله تعالى متناسقاً فيما بينه ومترابطاً ببعضه بعضاً طبقاً لمنظومة شمسيّة إبداعيّة يضيع العقل البشري في قدرته للكشف عن أسرارها.
ووفقاً لهذا التنظيم اللامتناهي في دقّته وعظمته، فقد اختار الله تعالى أياماً من خلقه التكويني والزمني وجعلها سيدة على بقيّة الأيام.

*أيامٌ أفضل من أيام
فكما أنَّ المولى -عزّ وجلّ- قد جعل معياراً للتفاضل بين جميع مخلوقاته البشريّة والحيوانيّة والنباتيّة والجماديّة، كذلك جعل معياراً للتفاضل بين الأيام، فيوم الجمعة هو سيّد الأيام(1)، والأعياد الإسلاميّة هي من أيام الله ومفضّلة على الأيام الأخرى، وكذلك استعمل القرآن الكريم هذه التعابير في أيام الحج كمثل: "الأيام المعدودات" التي تتعلّق بأول أيام ذي الحجّة. وكذلك نلاحظ أنَّ الأيام هي مؤشِّر على مواقيت معيّنة ومحدّدة وفق تشريعات الإسلام، فمن غير المقدور لأحد أن يغيّر فريضة الصوم من شهر رمضان إلى شهر آخر على سبيل المثال لا الحصر، وذلك لأنَّ الأيام هي من مخلوقات الله، وهو وحده سبحانه وتعالى القادر على فرض عبادته في مواقيت محدّدة وذلك لما فيها من جلب للمصالح ودفع للمفاسد.

*سبب التفضيل
من هنا، يتميّز بعض الأيام عن غيره لما فيه من ظروف وأحداث لعبت دوراً أساسيّاً في التاريخ البشري، كبعثات الأنبياء، وهلاك المشركين والظالمين، أو حوادث ابتلاء الأنبياء والأولياء. ولكن مهما اختلفت الأيام بصفاتها ومنازلها ومواقيتها فكلها أيام الله. وهذا التعبير نجده في القرآن الكريم حينما يقول المولى: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ (إبراهيم: 5).

ولذلك نجد أنَّ أئمة أهل البيت عليهم السلام أرشدونا إلى مصادقة الأيام وعدم معاداتها، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "لا تعادوا الأيام فتعاديكم"(2). وعن الإمام علي عليه السلام أنه قال: "وكل يوم لا يُعصى الله فيه فهو عيد"(3).
ولكن يظهر من بعض الروايات بعض الاستثناءات في مسألة إيقاع بعض الأعمال في أوقات ترتبط بحركة الكواكب، كما في قضية كراهة عقد الزواج والقمر في برج العقرب، فإنَّ مثل هذا الطرح لا يتعارض مع فكر الإسلام التفاؤلي، لكن لا يتنافى مع كون بعض الأمور لها أثر وضعي بحيث يرد على الإنسان بعض الأمور التي يكرهها، وبالتأكيد ليس بالضرورة دائماً أن يقع ذلك المكروه(4).

*أيام النحوسة: حقيقة أم خيال؟
لذا، من الخطأ تصوير بعض الأيام بالنحوسة، وأخرى بالسعد. ولو عدنا إلى تعبير القرآن الكريم عن بعض الأيام بـ "النحس"، كما في قوله تعالى: ﴿فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ (القمر: 19)، فالاستمرار هو صفة للنحس لا لليوم نفسه، وتعني الآية وما يشابهها من آيات الكتاب أنَّ العذاب مستمر على قوم هود وعاد، فالنحوسة تعود للظروف لا لليوم نفسه.

ولو عدنا إلى أحاديث أهل البيت عليهم السلام، فنلاحظ أنهم كانوا يعالجون عقلية العرب آنذاك حول التشاؤم والنحوسة اللذين كانا شائعين إلى حدّ أنهما كانا سِمَتين بارزتين في عاداتهم وخرافاتهم.

*آخر أربعاء في الشهر
فمن جملة المعتقدات أنَّ آخر أربعاء من كل شهر هو يوم شديد النحوسة لوقوع العديد من الأحداث التاريخية المؤلمة، لكن الإمام الرضا عليه السلام حينما سُئِل عن يوم الأربعاء من آخر كلّ شهر جاء جوابه عليه السلام: "من خرج يوم الأربعاء لا يدور خلافاً على أهل الطيرة وُقي من كل آفّة، وعُوفي من كل داء وعاهة، وقضى الله حاجته"(5).
وما أجمل ما قاله الإمام الهادي عليه السلام لشخص يشكو غلبة الدهر عليه: "ما ذنب الأيام حتى صرتم تتشاءمون بها إذا جوزيتم بأعمالكم فيها"(6)؟
وعلى ضوء الرواية الأخيرة ، فإنَّ الإفساد في الأرض هو الذي يجلب نحوسة الأيام وليست الأيام نفسها مَنْ يجلب التشاؤم والنحوسة. قال تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ (الروم: 41)، وقال تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ (الشورى: 30).

*علاج النظرة التشاؤمية للأيام
ولهذا، ينبغي للإنسان المؤمن أن يربي نفسه على التفاؤل بخلق الله، سواء تعلّق ذلك بحركة الكواكب والزمن، أو تعلّق بأفعال البشر، ولا يضمر في قلبه إلا الخير وفأل الخير. وخير ما قدمه الأئمة عليهم السلاممن علاج لهذه النظرة التشاؤمية هو ما قاله الإمام الصادق عليه السلام: "الطَيَرة على ما تجعلها إن هوّنتها تهوّنت، وإن شددتها تشدّدت، وإن لم تجعلها شيئاً لم تكن شيئاً"(7).
ويعني ذلك أنّه كما نعوّد أنفسنا، فإن لم نضمر إلا التفاؤل بالخير والسعادة فلن نَجني إلا ذلك.

*أيام بركة... أيام العبادة
يبقى أن نشير إلى أنَّ هناك بعض الأوقات المخصوصة في أيام السنة، كأيام شهر رمضان المبارك ولياليه، وأيام الولادات للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام ووفياتهم، أو كليلة النصف من شعبان، فهذه وما يشابهها تزيد بركتها عن بقيّة أيام السنة، كما قال تعالى في ليلة القدر: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ (الدخان: 3).

وكذلك يتميّز وقت السَّحر بخصوصيّة التفرّغ للعبادة والاستغفار واستحباب التسحّر في أيام الصوم لما فيها من بركات عظيمة. فصحيح أنَّ الأيام هي أيام الله وكلّها خلق الله تعالى، لكن بعض الأيام تزداد بركَته ويتميّز عن غيره لما جعل الله تعالى فيه من مبادئ دينيّة تؤثّر على حياة الإنسان.

وفي الختام، على الإنسان أن ينظر إلى خلق الله كلّهم نظرة إيجابية وألّا يتأثّر بالموروث الشعبي إلا إذا كان هناك ما أُشير إليه في الروايات ونُبّه إليه.


1- يراجع: ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج1، ص410.
2- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج36، ص413.
3- نهج البلاغة، خطب الإمام علي عليه السلام، ج4، ص100.
4- يراجع: المفاهيم الدينية عند العوام بين الأُسس الشرعية والمشهورات العرفية، محمد حجازي.
5- الخصال، الصدوق، ص387.
6- وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج5، ص161.
7- ميزان الحكمة، م.س، ج2، ص176.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع