نور روح الله | القلـــمُ أداةُ إصلاح وهداية*‏ مع الإمام الخامنئي | الشباب مظهر أمل يخشاه العدوّ* كفاح الإمام المهديّ عجل الله فرجه في إقامة العدل أخلاقنا | الغضب نار تأكل صاحبها* فقه الولي | من أحكام الخُمس في وجه كلّ شرّ... مقاومة تسابيح جراح | كأنّي أرى تاريخ الشيعة | نفوذ شيعة لبنان في ظلّ الدولة العثمانيّة* شبابيك اجتماعيّة | بيوت نظيفة... شوارع متّسخة! آخر الكلام | “ ما أدري!”

لنعش بروحيّة الزهراء عليهم السلام*

شهيد الأمّة سماحة السيد حسن نصر الله (رضوان الله عليه)

 

لم تكتسب السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلاممكانتها العظيمة من نسبها الشريف، بوصفها ابنة النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وزوجة أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، وأمّ الأئمّة المعصومين عليهم السلام فحسب، بل نالت مكانتها نتيجة جهادها، وعملها، وطهرها، وتقواها، إذ كانت مثالاً للصبر والخشوع والخوف من الله تعالى. نتيجةً لذلك، جعلها الله رمزاً ومقياساً للرضى والبغض الإلهيّين؛ فهي علامةٌ إمّا على محبّة الله أو سخطه. وقد بيّن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك جليّاً حين قال لها: «إن الله ليغضب لغضبك، ويرضى لرضاك»(1).

* حياتُها قدوة للنساء
لذلك، فإنّ نساءنا المؤمنات أمام خيارين:

أوّلاً: إمّا أن يأخذن من الإسلام مجرّد نظريّاتٍ ومفاهيمَ تُقرأ في الكتب، أو تُسمع في المحاضرات والندوات، من دون أن يتجسّد ذلك في واقع حياتهنّ.

ثانياً: أن يتّخذن السيّدة الزهراء عليها السلامأسوةً حيّةً أمام أعينهنّ، فيتكلّمن كما تكلّمت، ويعشن كما عاشت، ويجاهدن كما جاهدت، ويرفضن الظلم كما رفضته، ويسرن في طريق الإسلام كما سارت فيه.

أيّتها الأخوات، أنتنّ مدعوّاتٌ اليوم لأن تجعلن من الزهراء عليها السلامصورةً حيّةً في أذهانكنّ في مراحل حياتها ومواقفها كلّها، لتكون رمزاً لكنّ، وقدوةً، وأسوةً حسنةً. وأن تُدركنَ أنّ طريقها ليس سهلاً؛ فيه الصعوبات، والآلام، والمحن، بل قد نحتاج فيه –كما احتاجت– إلى أن ننصب بيتاً للأحزان.

* مشاهد من حياتها
من هنا، نقدّم موجزاً عن حياة السيّدة الزهراء عليها السلامفي صورتها الإجماليّة، لتتّضح في أذهاننا كقدوةٍ وأسوةٍ ورمز. وسنركّز على ثلاث محطّات أساسيّة في حياتها:

1. الزهراء الابنة: إنّها بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وريحانته التي كان يتأسّى بها ويستمدّ منها المواساة في حياته. وقد سمّاها النبي صلى الله عليه وآله وسلم «أمّ أبيها»، وهذا تعبيرٌ عجيبٌ، يعني أنّها كانت ابنته، كانت مصدر الحنان والعطف والرحمة والمواساة لكلّ ما يعانيه صلى الله عليه وآله وسلم، بعد وفاة السيدة خديجة. كانت تساعده في مختلف المراحل التي واجه فيها الآلام، من مكّة إلى الهجرة، ومن بدر إلى أُحد وحُنين. إنّ دور الابنة هنا ليس سلبيّاً في البيت، بل إيجابيّ، إذ عليها أن تتحمّل مسؤوليّة تُجاه أبوَيها وبيتها، وتُشعرهما بالحنان والعطف والرحمة، لتكون وسيلةً تدفعهما -بهذين الشعورين– نحو الله سبحانه وتعالى. أحياناً، قد يكون الوالدان أو بيئة البيت بعيدةً عن الإسلام، وقد يُضايق الأهل ابنتهم في نشاطها الإسلاميّ، فبدلاً من أن تردّ بسلبيّةٍ عليهما، عليها أن تعيش حالة إيجابيّة معهما، وترتقي لتكون كفاطمة: «أمّ أبيها»، بل «أمّ أمّها»، فتكون أمّاً لهما بعاطفتها، وحنانها، وفكرها، ورسالتها، وتوجّههما إلى الله.

هذا أوّل ما نتعلّمه من السيّدة فاطمة عليها السلام، أنّها لم تكن مجرّد ابنة، بل تحوّلت في بيت أهلها إلى أمٍّ حقيقيّة في رحمتها وحنانها وعطفها وهدايتها وعونها ومساندتها لأبيها.

2. الزهراء الزوجة: كان بعضهم يتصوّر أنّ نمط حياتها عليها السلام، بوصفها ابنة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، يجب أن يكون استثنائيّاً: يُفرش لها السجّاد في طريقها، ويكون مهرها آلاف الدنانير من الذهب والفضّة، أو آلاف النوق الحمر والبيض، ونحو ذلك. لقد تقدّم لطلب يدها كثيرون من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وغيرهم، بل من أغنى أهل الأرض. ولكنّ الله سبحانه وتعالى اختار لها زوجاً لا يملك من الدنيا إلّا قوسَ شَعيرَة ودرعه، وقد باع الدرع ببضع دراهم لتكون مهراً لها، واشترى بما تبقّى منها بعض الحاجات لبيت الزوجيّة الذي سينتقلان إليه.

كان الإمام عليٌّ عليه السلام يعيش المحن، ويقاتل، ويخوض المعارك مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويضحّي في سبيل الله. والسيّدة فاطمة عليها السلاممارست دورها كزوجةٍ حقيقيّة: لا تُثقل كاهل عليّ بالطلبات، ولا تُزعجه في طريق رسالته، بل كانت عوناً له، وسَكَناً، ومصدر عطف وحنان.

هنا، أودّ أن أشير إلى أنّ بعض الأخوات حين يتزوّجن، قد يصبح الزوج عائقاً أمام زوجته في ممارسة نشاطها الإسلاميّ أو جهادها في سبيل الله. وأحياناً، تكون الزوجة هي العائق والمانع، فتختلق الأعذار لتحول بين زوجها والجهاد، فإذا أراد أن يغيب عن البيت، تقول له: «أنا مريضة!»، وفي يومٍ آخر: «رأسي يؤلمني!»، وفي اليوم الثالث: «لا أدري ماذا يريد أهلي... خذني إلى بيتهم، وإلّا فلن يُسمح لي بالبقاء هنا!»، وهكذا. هذا واقعٌ موجود؛ الزوجة التي تربك زوجها، فتُضعِفه، وتُوهِنه، وتضع العوائق في طريقه، وتصبح همّاً يُثقل كاهله في مواجهته لأعداء الله سبحانه وتعالى.

أمّا فاطمة عليها السلامالزوجة، فكانت تُلبس عليّاً عليه السلام درعَه، وتناوِله سيفَه، وتدفعه ليقاتل في سبيل الله، وكانت على يقينٍ من أمرها.

3. الزهراء الأمّ: هي الأمّ التي أنجبت سيّد الشهداء عليه السلام، وسيّدَي شباب أهل الجنّة، والأئمّة المعصومين، حجج الله على خلقه، وأفضل خلقه عليهم السلام. كانت السيّدة فاطمة عليها السلامفي موقع البناء، والرعاية، والتوجيه. وهي التي ربّت الإمامين الحسن والحسين والسيّدة زينب عليهم السلام ليكونوا هداةً للبشريّة.

في مراحل حياتها كلّها، كانت فاطمة عليها السلامتشعر أنّ كلّ حركةٍ منها هي من موقع عبادة الله. فحتّى حين كانت تُطعم أطفالها أو تُربّيهم، كانت تفعل ذلك تقرّباً لله وعبادةً له، وتحدّياً للباطل أيضاً. عندما كانت تحتضن الحسين عليه السلام طفلاً، كانت تستشرفه في كربلاء، واقفاً وحيداً يقول ما معناه: «إن كان دين محمّد لم يستقم إلّا بقتلي، فيا سيوف خذيني».

كانت تُربّي زينب عليها السلاملتحفظ دماء الشهداء، ولتكون بطلة المستقبل، وكانت صورتها واضحة في ذهنها؛ وهي تقف في الحادي عشر من المحرّم، تجمع الأطفال والنساء حولها. وأيضاً وهي تعتلي منبر الكوفة وتقف في قصر يزيد، تدافع بكلماتٍ قاسيةٍ عن رأس أخيها ودمائه. هذه هي السيّدة فاطمة عليها السلامالتي كانت تربّي أطفالها الذين سيكملون مسيرة النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، حتّى يولد منهم الإمام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف الذي يحقّق في الأرض دولة العدالة الإلهيّة.

* بروحيّة الزهراء عليها السلام يجب أن نعيش
حين نتساءل: في أيّ روحيّة يجب أن نعيش؟ أقول: يجب أن نعيش في كلّ حركةٍ من حركات حياتنا ونحن نشعر أنّنا جزءٌ من هذه المعركة الكبيرة.

فزوجة المجاهد، بتربيتها لأطفالها هي جزءٌ من الصراع. وعندما تغسل ثياب زوجها، وتهيّئ له طعامه، وتحمل ثيابه الملطّخة بدمه، وتصيح: «الله أكبر! هيهات منّا الذلة!»، هي جزءٌ من الصراع أيضاً.

هكذا، تصبح نساؤنا جزءاً من هذا الصراع. وليس المطلوب أن تحمل إحداكنّ البندقيّة لتكون كذلك، بل كلّ عملٍ ينفَّذ في طريق المعركة والمقاومة، هو جزءٌ من هذه المقاومة، والثورة، والصراع.

بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، رأت الزهراء عليها السلامأنّ الأمّة تنحرف، فخرجت بنفسها لمواجهة هذا الانحراف، لدرجة أنّ أوّل تظاهرة نسائيّة في تاريخ البشر هي تلك التي نظّمتها فاطمة الزهراء بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم. لقد اعتلت المنبر، وتكلّمت، ووضّحت الحقّ، وقالته بكلّ قوّة، من دون أن تخشى في الله لومة لائم. ذهبت إلى بيوت الأنصار والمهاجرين بيتاً بيتاً، حتّى بُحّ صوتها وهي تصدح بالحقّ. بهذه الروحيّة تتجلّى أمامنا السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلاموشخصيّتها لنقتدي بها، وهي: بنت، وزوجة، وأمٌّ تتحمّل مسؤوليّاتها الشرعيّة تجاه ما يجري في واقعها وحياتها.


*من كلمة لسيّد شهداء الأمّة سماحة السيّد حسن نصر الله (رضوان الله عليه)، بمناسبة ولادة السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام، بتاريخ: 14/3/1985م.
(1) مستدرك الحاكم، النيسابوري، ج 3، ص 154.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع