أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

قراءة في كتاب: تاريخ خاتم الأنبياء رسول الله محمد(ص)

إبراهيم حسن

لأنّه تاريخ خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم، ولأنّه "أوسع وأعمق وأخطر تاريخ عقائدي وسياسي وثقافي واجتماعي عرفته الإنسانية"(1)، ارتأى سماحة الشيخ كاظم ياسين أن يقدّم في هذا الكتاب خلاصة بحثه وتدريسه الطويل في مجال السيرة النبوية. الحقّ يُقال، إنّ هذا الكتاب ليس كسائر كتب السّير والتاريخ، فهو وإن اشترك معها في العنوان والموضوع، إلا أنّه فريدٌ من نوعه واضح التميّز، يأسر لبّ قارئه ويأخذ بيده إلى ما بعد السيرة، وإلى ما بعد ما بعد السيرة! محافظاً على موقعه المناسب، بعيداً عن الإطناب والإسهاب، وأبعد عن الاختصار الساذج، ثمّ يضيء على جوانب وأسرار، مع لغة التحليل بأجمل البيان...

يقع الكتاب في مجلّدين، صدرت الطبعة الأولى منه هذا العام عن دار المحجّة البيضاء، وهو يتميّز بالخصائص الآتية:

*النمط التحليلي
يتناول الكتاب السيرة النبوية، لكنّه يبتعد عن النمط التقليدي في عرض الأحداث، بل يعرضها في سياق النقد والتحليل وقراءة ما وراءها، محاولاً كشف الحقائق، وأخذ الدروس والعبر من الأحداث، بعد وضعها في سياقها التاريخي العام، وهذا ما أشار إليه
الكاتب تماماً في مقدّمة كتابه، حيث ذكر أنّ التأريخ لسيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرّ بمراحل ثلاث:
1- مرحلة سرد الأحداث، أو ما يعرف بالتاريخ النقلي، وتميّز بعرض كثير من التفاصيل والجزئيّات، لكن بشكلٍ مبعثر.
2- مرحلة تجميع الأجزاء المتناثرة، وتقريب بعضها من بعض، وتقديم الصورة المتكاملة للحدث التاريخي.
3- مرحلة سبر غور الصورة المتكاملة، واكتشاف المعاني والدروس والتجارب التي تزخر بها هذه الصورة، ومعرفة فلسفتها وموقعها في التجربة الإنسانية. وهذه المرحلة هي بيت القصيد(2)!

*ربط السيرة النبوية بالمسيرة العامة للبشرية
من الأمور الملفتة في الكتاب تأكيده على ربط السيرة النبوية بمسيرة البشريّة ككلّ، لتكون- فعلاً- سيرةً لخاتم الأنبياء من جهة كونه خاتماً للأنبياء، ومكمّلاً ومتمّماً لمسيرتهم، ومؤسّساً لمرحلة قادمة يظهر فيها دين الإسلام على الدين كلّه. هذا الربط، يظهر بوضوحٍ في عدة مواضع. منها- مثلاً- عند تحليل البيئة الاجتماعية والسياسية لجزيرة العرب قبيل الإسلام. صحيحٌ أنّ كثيرين عرضوا واقع هذه البيئة، لكنّ كتابنا يتميّز بوقفته عند أهمّية هذه البيئة في إنجاز المشروع الإلهي الكبير، ذلك أنّ " المعركة بين الدعوة إلى عبادة الله ونجاح إبليس في إغواء البشريّة كادت تحقّق نجاحاً لمصلحة إبليس"(3)، "لكنّ أمراً ملفتاً ظهر في شبه الجزيرة العربيّة؛ إنّه الطبيعة التي ولّدت التفكّك الاجتماعي والعصبيّة القبليّة، وأنتجت استحالة قيام سلطة أمنيّة مركزيّة، وعين الله تعالى تريد للإنسانيّة نبيّاً تنتصر به على عدوّها، يولد وينشأ في مأمنٍ من الفراعنة والأكاسرة والقياصرة والملأ من قومه... وهكذا كانت نبوّة محمّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم الخاتمة!"(4).

*الأسلوب الأدبي والمصطلحات الخاصّة
يتميّز الكتاب كذلك بلُغته وأسلوبه في تقديم الأفكار؛ إذ يُشعرك أنّك بين دفّتي روايةٍ أدبيّة، تختلط فيها الأحداث بالمشاعر والأحاسيس، فينقل لك الكاتب بين جوانب الكلمات تفاعله مع تصاعد الأحداث، حزناً عند محن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ومآسيه، وبهجةً وفرحاً عند أفراحه وانتصاراته، وتذهب بك التعابير في نهاية المطاف لتخَطّي حدود كونك قارئاً، ولتُشعرك أنّك في قلب الأحداث، بل- في كثيرٍ من الأحيان- شريكٌ فيها.

على صعيدٍ آخر، تظهر فرادة الكتاب في انتقائه مصطلحاتٍ سياسيّة واجتماعيّة (كالاستراتيجية، التصفية، موازين القوى، وغيرها الكثير...) هي غريبةٌ عن السيرة، وبعيدةٌ عن لغتها التقليدية، لكنّها تدخل في المباحث بكلّ لطافة، فتضفي عليها رونقها الخاصّ،
وتزيد من دقّة التعبير وروعة التحليل، الذي سبق وذكرنا حرص الكاتب عليه.

*الكشف عن قضايا ما بعد السيرة
يلحظ القارئ أنّ الكاتب جعل من كتابه منطلقاً للإضاءة على كثير من قضايا ما وراء السيرة، ما يوسّع من دائرة مواضيعه لتشمل مواضيع علومٍ أخرى، فتطلّ على علوم القرآن الكريم وتفسيره في عرض أسباب نزول السور والآيات القرآنية، ضمن سياق عرض الأحداث. كما تطلّ على كثير من الأحكام الفقهيّة من خلال عرض تسلسل التشريع. ويأتي التحليل السياسي والاجتماعي، وكذلك التحليل الأمني والعسكري، وإفراد بحث "دولة خاتم الأنبياء"، ليساهم في بلورة مبادئ الإسلام الاجتماعية والسياسية والإدارية وغيرها. ومع ذلك كلّه، تجد بين الحين والآخر المواعظ الأخلاقية، والدروس والعبر المستفادة من الأحداث (كالدروس والعبر المستفادة من معركتي أُحد وحُنَين على سبيل المثال).

*كثرة المصادر وتنوّعها
مع تتبّع المصادر والمراجع، تلحظ وجود قائمةٍ طويلةٍ منها، تصل إلى427 مصدراً، تمتدّ زمنياً من القرن الهجريّ الأول حتى الرابع عشر، وتنتشر موضوعياً لتشمل كتب السير والتاريخ، كتب التراجم، كتب التفاسير، كتب الحديث، وغيرها من كتب الخاصّة
والعامّة، ما يشير إلى كدّ الكاتب للوصول إلى ثمرات بحثه، ويظهر حرصه على انتقاء كنوز الحقائق من بطون الكتب، فضلاً عن اكتشاف الحقيقة بالدليل والبرهان.

*الفهرسة والتبويب
يمتاز الكتاب- كذلك- بحُسن تبويبه لمراحل السيرة النبويّة، بما يخدم التحليل السياسي لحركة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فتراه يضيء في المقدّمة على الوضع الجغرافي والاجتماعي والسياسي والديني في جزيرة العرب قبل الإسلام، ثمّ يقسّم سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى مراحل أربع:
- المرحلة الأولى: وهي المعروفة بالمرحلة المكّيّة، تمتدّ من ولادة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم إلى هجرته إلى المدينة المنوّرة.
- المرحلة الثانية: من هجرته صلى الله عليه وآله وسلم إلى يثرب، إلى تحقيق التوازن مع الشرك في حرب الأحزاب.
- المرحلة الثالثة: الاستراتيجية النبويّة نحو قلب موازين القوى والقضاء على الوثنيّة.
- المرحلة الرابعة: تصفية الوثنيّة والشرك، وإنهاء مرحلة التنزيل بإعلان إمامة علي بن أبي طالب عليه السلام.

ويُلاحظ كيف قسّم الكاتب المراحل المدنية بالشكل الذي يظهر دولة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مراحل تطوّرها، وبما يؤكّد على النمط التحليلي للكتاب.

المراحل الثانية حتى الرابعة تشمل سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد الهجرة. صحيحٌ أنّ معظم المؤرّخين دأبوا على اعتبارها مرحلةً واحدة (المعروفة بالمرحلة المدنية)، إلا أنّ المؤلّف فضّل تقسيمها إلى مراحل ثلاث، من حيث الحالة التي كانت عليها دولة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم.

ثمّ لم يُختم الكتاب بختام حياة نبيّنا صلى الله عليه وآله وسلم، بل أراد الكاتب أن يقدّم عصارة كتابه في تبيان معالم دولة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم، مستفيداً من هذه الشخصيّة التي شكّلت نبراساً للبشريّة في كافّة المجالات بلا استثناء، ومنها مجال القيادة والسياسة.


1- تاريخ الأنبياء، الشيخ كاظم ياسين، ص5.
2- م.ن، ص5.
3- م.ن، ص13.
4- م.ن، ص14- 15.

أضيف في: | عدد المشاهدات: