اخرج إلى الضوء | عندما يكون القائد والداً للمجاهدين مهارات | المساندة النفـسيّة في الأزمات والحروب الملف | كيف نواجه إشاعات الحرب؟ الملف | بصبركنّ... ننتصر الملف | دعاء أهل الثغور: مدد المجاهدين الملف | الشهداء المستبشرون معالم المجتمع الصالح في نهج البلاغة الملف | قيم المقاومة آخر الكلام | تحت الركام.. الافتتاحية | الصبر حليف النصر

مشاركات القراء" "يا إمامي يا حسن"(*)


نور علي طالب


محمود هو ذلك الفتى المفعم بالحياة، لا يكاد يحضر في مكان إلّا ويحضر الفرح والحبّ معه، فتكتسي سهراتنا ألوان البهجة المرصّعة بضحكات القلوب والفوّاحة بعبير الرّوح. يتربّعُ على مسرح السّرور، فلا يُماثلُهُ أحد.

"يا إمامي يا حسن"، هي العبارة السرّ في كلِّ صعبٍ يمرُّ فيه أو قلقٍ يعتريه؛ فالإمام الحسن عليه السلام موجودٌ في قيامه وقعوده، في تبسّمه وحزنه، إليه يبثُّ الأحزانَ ويُثني عليه في الأفراحِ.

في ليلته الأخيرة معنا، كان الحاضر في كلّ وجدانه. بعد الانتهاء من الإفطار في أوّل أيّام شهر رمضان المبارك، تألّق مُحيّاه حضوراً وخفّة، وتعاظمت روحه فرحاً وغبطة، وألقى بظلال أُنسهِ الوارفة، فلم يبقَ صغيرٌ وكبيرٌ إلّا وعانقه الفرح والمرح. حدث أن أحضر بيده إبريق الشّاي ومشى بخفّة بيننا، وبلمحِ البصر مال جسده وسقط أرضاً، وراح الإبريق يقفز بيننا ومحمود يقهقه بصوته المرتفع، فتعالت أصوات الضّحكات والصّراخ: "قمْ يا محمود، لقد أوقعتَ قلوبنا".
صبيحة اليوم التّالي، ناولته حقيبته، لم تكن ثقيلة، فهو لا يحتاج إلى الكثير كما قال.

مرّت أيّام ثلاثة على وصوله إلى عمله صَوناً للأرضِ والعرضِ والدّين والأمّة. وفي اليوم السّابع من شهر رمضان المبارك، زُفَّ إليّ نبأ استشهاده، فكان للقلب العزّ والشّموخ. استُشهد محمود مع أصدقائه في عمليّة "الخالصة" في ريف حلب، فكيف لي أن أغمره جسداً أو أُناغيه؟ إنّه مفقود الأثر!

ذِكْرُ الإمام الحسن عليه السلام لم يفارق فكري، وغربته ألقت بثقلها على روحي وهدّأتها، فقد سكن في وجداني وعقلي. فما أعظم أنْ ألقى سيّدتي فاطمة الزّهراء عليها السلام وفي جعبتي مواساتها في شهادة ابنيها الحسنين عليهما السلام وغربتهما، وفقد مزارها وهي مفقودة الأثر.
مرّت سنة وأربعة أشهرٍ عجافٌ، وأنا أُراقبُ الأفق، فلا خبر. كم كنتُ أُشاركُ في تشييع الشّهداء ويداي ممتلئتان بالدّعاء والدّموع، فترتوي نفسي راحةً وطمأنينة!

أشرقت شمس السّابع من صفر، ذكرى شهادة الإمام الحسن عليه السلام؛ ليُشرق وجه الدّعاء مُبشِّراً بالعثور على جثمان محمود، فاقتبست من حُسْنِ الحسَنِ راحة وطمأنينة، ومن رأفته قبساً وحنيناً. فما عاد الشّهيد مفقود الأثر، بل كلّ الأثر. فرشتُ قلبي ورداً وعَطّرتُ روحي مسكاً يوم لقائه. فاللّقاء بعريس الشّهادة بطاقة هويّة أَعْبرُ بها يوم الحشر نحوَ سيّدتي الزّهراء أمّ الحسن عليها السلام.
 

(*) عن لسان والدة الشّهيد محمود حسين حيدر "الحرّ"، الذي استشهد بتاريخ: 15-6-2016م.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع