نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الأصالة والإستقامة في نهج الإمام


الشيخ نعيم قاسم


تميز الإمام الخميني قدس سره بعودته إلى الجذور والأصول الإسلامية، وأرازها كمنطلق للفهم والوعي والعمل، وبدعوته إلى هذه البداية التي تصوب المسار وتنير الطريق وهو الذي استخدم مصطلح "الإسلام المحمدي الأصيل" ليصيغ تفسيراً له، من منطلق ما فهمه القدماء بنقائه مشذباً من الشوائب والآفات، وبعيداً عن الحشو والاضافات التي أبعدته كثيراً عن حقيقته السماوية، وقد فُوجئ الكثيرون في العالم عند انتصار الثورة الاسلامية المباركة فيث إيران، واعتبروا أنها تحمل طرحاً وتفسيراً جديداً للإسلام، إلى أن اكتشفوا – بعد التوضيحات والتفسيرات المكثفة للامام الخميني قده – المطابقة مع الاسلام الحق الذي نزل على قلب رسول الله ص، ولكنها غِيَرُ الزمان وما أحدثه المتآمرون والجهلة في تشويه المضمون الحقيقي لهذا الدين العظيم.

1 – الاتجاه الصحيح:
ما السر؟! هل يمكن اعتبار عظمة الاسلام وفعاليته في الدور الاجتماعي والسياسي؟ أم يمكن اعتبارها في البناء الذاتي الايماني والعلاقة المنحصرة مع الله تعالى؟ أم يمكن اعتبراها في التحديات العلمية أو الثقافية؟... أم ماذا؟؟
يحسم الامام الخميني قده الجدل بتبيان الاتجاهين الرئيسين اللذين حاولا تقديم الاسلام بصورته الايجابية ووقعا في الخطأ، ليبيِّن الاتجاه الصحيح الذي يمثل الرسالة الحقة حيث قال مؤسساً له قبل انتصار الثورة المباركة.

"هناك فئتان: واحدة أخذت باجلانب المعنوي للاسلام وتركت جانبه الاجتماعي، وأخرى أخذت جانبه الاجتماعي من علم الاجتماع وعلم السياسة وتركت ذاك الجانب الآخر المعنوي للإسلام، فلا هذا الاتجاه هو معرفة الإسلام ولا ذاك، بل هي الأخذ بهذين الجانبين معاً، والذي يكون عارفاً بالاسلام عليه أن يعرف هذين المطلبين وهاتين الجهتين، بمعنى أن يعرف الاسلام من خلال تلك المعاني العرفانية وأيضاً من خلال تلك المعغاني المادية، فيجب أني عرف الاسلام بكلتي جهتيه".

وهذا منسجم مع كون الاسلام دين الروح والجسد، وقد رفض الاسلام الابتعاد عن الحياة تحت عنوان العبادة حيثُ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا رهبانية في الاسلام"، وتحدث عن التوازن المطلوب لمصلحة الانسان بقول أمير المؤمنين عليه السلام: "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً"، وما لم نلتفت إلى هذا التوازن الذي وضع له الاسلام كل التشريعات المناسبة بحيث لو طبقناها لوجدنا أنفسنا في الخط الصحيح، فإن الانحراف عنها يؤدي إلى الفهم الخاطئ والممارسة الخاطئةبل والاساءة إلى قدرة الاسلام على مواكبة حياة الانسان والانسانية.

وكنموذج تطبيقي يمكننا تلمّس النتائج العظيمة التي حققها شباب المقاومة الاسلامية المجاهدين، حيث ارتقوا بروحانيتهم وعبادتهم لله تعالى وجاهدوا في الله حق جهاده وأبلوا بلاءً حسناً في التضحية بالمال والنفس، وفي نفس الوقت رفعوا راية الاسلام في الميدان السياسي والاجتماعي وطرحوها كسبيل لاسعاد الانسان في تنظيم شؤون دنياه، وحقق هذا الطرح المتكامل والمتاربط رمزية مشرقة ومتلألئة تنير درب الأحرار والثوار وتفتح الطريق أمام الباحثين عن الخلاص.

2 – استقامة الفطرة:
هذا التوازن هو الذي ينسجم مع فطرة الانسان وما خلقه الله تعالى عليها، وكل مخالفة لها تؤدي إلى الضياع واليأس والشرور والظلم... ومن الذي يعرف حقيقة خلقنا؟
لقد جربت البشرية أفكاراً كثيرة، واستنفذت كل وعيها وجهلها، والنتيجة هي المزيد من التجارب والأفكار والأنظمة السياسية والاجتماعية، والمزيد من الآلام والاساءة للنفس الانسانية. وهؤلاء أشبه بطبيب متمرن يخطئ تشخيص الداء ووصف الدواء مع وجود الاختصاصي الذي يريح من هَمِّ التجارب والمعاناة. ومن يعرفنا أكثر من خالقنا! وهو الذي شرع لنا من الدين ما يسعدنا في الدنيا والآخرة، وهو الذي أتم النعمة علينا بهدايتنا إلى ما يرضيه ويرضينا.
"إنما كانت كل دعوات الأنبياء من أجل انقاذ الناس من الضياع الذي يعيشونه حيث تفرقت بهم السبل والمقاصد، وبيان الطريق الصحيح لهم ودعوتهم لاتباعه وترك سائر الطرق. إن هذا الطريق هو هذا "اهدنا الصراط المستقيم" "إن ربي على صراط مستقيم"... لقد جاء جميع الأنبياء لكي يأخذوا بيدكم وينجوكم من كل العلائق التي هي ضد ما تقتضيه طبيعتكم وفطرتكم، ويدخلوكم في عالم النور" الامام الخميني قدس سره.
ولو سألنا كل أصحاب الأفكار والتجارب: لماذا صغتم أفكاراً في هذا الاتجاه أو ذاك؟ لأجابوا لأن سعادة الانسان تتحقق في هذا الاتجاه، ومن العدل أن نعمل لراحته وسعادته ونضع له التشريعات المناسبة لذلك. ولكنهم جاهلون بحقيقة الانسان، ولا يدركون أبعاد فطرته. هم يثيرون غرائزه ورغباته بطريقة عشوائية وجذابة لكنها قاتئلة، ويبررون صحة طروحاتهم بالاقبال الكثيف على آرائهم وترويجهم لها. وقد حذرنا القرآن الكريم من هذه الأوهام "زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين القناطير المقطنرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب" فلندقق في الهدف السامي للأنبياء لادخالنا في عالم النور والرحمة والخلاص.

3 – انتصار الحق:
ولأن الله عزَّ وجل ترك الخيار للانسان "اما شاكراً وإما كفوراً" فالحياة صراع بين الحق والباطل، كانت كذلك منذ بدء الخليقة في جنة آدم عليه السلام وستبقى كذلك إلى نهاية الحياة الدنيا. وبسبب الزينة التي تخدع ويستخدمها شياطين الانسان يقع الكثيرون فريستها. أما طريق الحق فيحتاج إلى جهد وتضحية ومسؤولية وبناء ولذا يقل الصابرون في طريقه "وقليل من عبادي الشكور". هذا الواقع يوحي بفقدان الأمل لسلطة الحق في الدنيا مع التجارب المريرة والكثيرة عبر التاريخ، ونسي هؤلاء التقصير والإهمال اللذين أدّيا إلى هذه النتيجة وهي بما كسبت أيدي الناس. فلو ساروا على الطريقة الالهية "لاسقيناهم ماء غدقاً" "ولو ان أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض".
إذاً اليأس مرفوض، ومعادلة الدنيا ليست للظالمين، والنصر مرتبط بتوفير عوامله البشرية، ووعد الله القائم بتحقيقه في واقع أهل الأرض "ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الأرض يرثها عبادي الصالحون" علماً أن النجاحات التي يمكن تحقيقها قبل هذا اليوم الموعود مرتبطة بمدى استحقاق الناس بناء لعملهم وجهادهم والقيام بتكليفهم. وفي هذا يقول الامام الخميني قدس سره.
"يجب أن لا نخاف من الحرب والارعاب أبداً. لماذا نخاف؟ نحن مكلفون ونعمل بتكليفنا ونحن محقون. عندما نكون محقين فلماذا نخاف؟ إنها تلك الكلمة التي قالها علي بن الحسين عليه السلام لوالده. بعدما قال له سوف تقتلون. قال: ألسنا مع الحق؟ نعم نحن على الحق. قال: إذاً لا نبالي. لقد استقام شعبنا في هذه الثورة التي قام بها، وانتصر حتى الآن بحمد الله، أنتم منتصرون في الدنيا لقد أصبح لكم مكان في الدنيا، حكومات العالم تخاف منكم من جهة الحذر من أن يأتي وقت تصبح شعوبها مثلكم، أنتم الآن منتصرون، استقيموا حتى يأتي النصر النهائي على أيديكم".

* خاتمة:
إن معرفة الاسلام الحقة، وبناء الاسلام على أساس فطرته كما سعى الأنبياء عليهم السلام لذلك ومن ضمن هذا الطريق المستقيم، سيؤدي إلى الانتصار حتماً مهما كانت قوة الباطل ومهما استبعد المحللون والمراقبون هذا الاحتمال. ألم يكن انتصار الالسلام في ايران الشاه المحاطة بالقرار الامريكي المهيمن والحدود السوفياتية المتربصة من أبعد الاحتمالات؟ ألم يكن متوقعاً للثورة أن تتهاوى بعد تكالب العالم عليها عن طريق الحرب المفروضة في أوائل الانتصار بيد العراق وتخطيط واشراف وقرار الشرق والغرب ومع ذلك استقرت وثبتت بحمد الله تعالى.

قدس الله روحك أيها الامام الخميني العظيم، أيها العارف بالله والواثق بنصره وعطاءاته، يا من ربّى ووجّه واستثار الهمم، يا من كنت أمة في رجل، يأخذ منك الجميع فيض العطاء والعزيمة. نحن نحيي ذكرى مئوية ولادتك، لكنك غمرتنا وأحطت بحياتنا إلى درجة لم تعد المئوية محطة في حياتنا لأنك دخلت إليها كلها فنحن المحطة في مئويتك. إننا نذوق طعم الانتصار في كل كلماتك ومواقفك عن الذات وفي مواقع المجتمع. وخليفتك الامام الخامنئي حفظه الله تعالى على نهجك الثابت، نهج النبي والآل صلى الله عليه وآله وسلم، وعندما نعيش معاني الإسلام المحمدي الأصيل كما علمتنا إياها عندها يكون كل وجودنا حيوية وحياة وسعادة ومستقبل.
 

(*) الأقوال الثلاثة للامام الخميني قدس سره من كتاب: الاستقامة والثبات في شخصية الامام الخميني قدس سره الصفحات: 7 – 127 – 197.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع