مع الإمام الخامنئي | لا تنبهروا بقوّة العدوّ* نور روح الله | لو اجتمع المسلمون في وجه الصهاينة* كيف تكون البيعة للإمام عند ظهـوره؟* أخلاقنا | كونوا مع الصادقين* الشهيد على طريق القدس عبّاس حسين ضاهر تسابيح جراح | إصابتان لن تكسرا إرادتي(1) على طريق القدس | «اقرأ وتصدّق» مشهد المعصومة عليها السلام قلبُ قـمّ النابض مجتمع | حقيبتي أثقل منّي صحة وحياة | لكي لا يرعبهم جدار الصوت

في رحاب بقية الله: بهم نعرف الله (1)

آية الله الشيخ عبد الله جوادي الآملي


"
اللهم عرفني نفسك، فإنّك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرفني رسولك، فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك، فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني"1.
هذا الدعاء هو الدعاء المعروف بدعاء عصر الغيبة والذي أمرنا الإمام الصادق عليه السلام بالدعاء به لصاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف. وقد ذكره الشيخ الصدوق رحمه الله في كتابه (إكمال الدين) ضمن دعاء طويل، رواه عن ابن همام الذي أخذه عن الشيخ العمري النائب الخاص للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف في زمن الغيبة الصغرى الذي أمره أن يدعو به.


*سرّ الدعاء
إن الخلافة عن الله جلَّ وعلا هي خلافة تكوينية. ولا يمكن معرفة الخليفة، عادةً، إلا بعد معرفة المستخلف عنه. فمن يرد أن يعرف الإمام عليه السلام عليه أن يعرف الله جلَّ وعلا، وبعد ذلك يعرف خليفته الذي هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإذا عَرِفه سيتمكن من معرفة خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو الإمام المعصوم عليه السلام. وهذا سر هذا الدعاء العظيم، فطلبُ معرفة الإمام بابُه معرفة الله ورسوله ولذلك وردت روايات عديدة حول أهمية معرفتهم عليهم السلام، فعن المفضل أنه دخل على مولانا الصادق عليه السلام فقال له: "يا مفضل، هل عرفت محمداً وعلياً وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام كنه معرفتهم؟ قلت: يا سيدي وما كنه معرفتهم؟ قال: يا مفضل من عرفهم كنه معرفتهم كان مؤمناً في السنام الأعلى، قال: قلت: عرّفني ذلك يا سيدي. قال: يا مفضل، تعلم أنهم علموا ما خلق الله عزَّ وجل وذرأه وبرأه وأنهم كلمة التقوى وخزّان السماوات والأرضين والجبال والرمال والبحار وأنهارها وعيونها... فقلت: يا سيدي قد علمت ذلك وأقررت به وآمنت. قال: نعم يا مفضل، نعم يا مكرم، نعم يا محبور2، نعم يا طيّب، طبت وطابت لك الجنة، ولكل مؤمن بها"3.


*إني جاعل في الأرض خليفة
إنّ سر هذا الدعاء هو أنّ قيمة الإنسان وحرمته في كرامته ﴿ولَقَد كَرَّمنا بَني آدم . فإذا كان حراً مقاوماً للاستعمار والاستعباد فذلك بسبب حرمة كرامته. فالذات الإلهية المقدسة التي هي خالق الإنسان هي منشأ هذه الكرامة. يقول عز وجل:﴿إني جاعِلٌ فِي‏الأرض خَليفَةً (البقرة: 30) فكرامة الإنسان بسبب خلافته الإلهية لا بسبب أن جوهر ذاته كريم. ولعل سبب كرامته أنه سُمح لخلافته أن تكون عن الله جلَّ وعلا، فهو خليفة الله ويجب أن لا ينطق إلا بكلام "المستخلف عنه" – الذي هو الحق جلَّ وعلا – ولا يجوز لمن يدعي أنه خليفة الله أن يعمل طبق هوى نفسه ويطلق لنفسه حرية الكلام والعمل كيفما اشتهت، فمثل هذا الشخص لا يعتبر خليفة الله.


*كلامهم كلام الله
وقد وردت روايات كثيرة تنص على أن كلامهم عليهم السلام هو كلام جدهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكلامه كلام الله. فليس شيء عندهم إلا بسبب خلافتهم للنبي، ومن عنده، وما عند النبي فكلّه من الله وبسبب خلافته لله.
فإذا ضممنا إلى ذلك الروايات التي تتحدث عن أنهم الوحيدون الذين عندهم علم صحيح وأنّه لا يحق لأحد أن يأخذ علمه إلا منهم كما هو نصّ حديث الثقلين وغيره كانت كرامتهم بسبب خلافتهم عليهم السلام لله ورسوله وكرامة العلماء بسبب أنهم خلفاء الأئمة عليهم السلام. فقد جاء في الرواية: عن هشام بن سالم وحمّاد بن عثمان وغيرهما قالوا: سمعنا أبا عبد الله عليه السلام يقول: "حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين عليه السلام وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحديث رسول الله قول الله عزَّ وجل"4.
وفي رواية: عن أبي مريم: "قال أبو جعفر عليه السلام لسلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة: شرّقا وغرّبا فلا تجدان علماً صحيحاً إلا شيئاً خرج من عندنا أهل البيت"5.


*حرمة العلماء بسبب معرفتهم لكلام الأئمة
في هذا الدعاء النوراني يقول الإمام الصادق عليه السلام لزرارة إن العلماء والمؤمنين هم خلفاء الإمام فإذا لم يعرفوا الإمام فكيف يستطيعون القيام بعمله وأوامره؟ وإذا لم يطبقوا أوامر الإمام عليه السلام فلا حرمة لهم. وبما أن الإمام عليه السلام هو خليفة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فإذا لم يعرفوا الرسول فإنهم لن يعرفوا الإمام أيضاً.

وهذا مضمون كثير من الروايات؛ فقد ورد في رواية طويلة تتحدث عن خلفاء الله من الأنبياء والأوصياء. فلما قضى محمد صلى الله عليه وآله وسلم نبوته واستكملت أيامه أوحى الله تبارك وتعالى إليه: "يا محمد قد قضيت نبوتك واستكملت أيامك فاجعل العلم الذي عندك والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة في أهل بيتك عند علي بن أبي طالب عليه السلام فإني لم أقطع العلم والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة من العقب من ذريتك كما لم أقطعها من بيوتات الأنبياء الذين كانوا بينك وبين أبيك آدم"، وذلك قول الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (آل عمران: 33).


*أئمتنا هم المُلك العظيم
وإن الله تبارك وتعالى لم يجعل العلم جهلاً ولم يكل أمره إلى أحد من خلقه لا إلى ملك مقرب ولا نبي مرسل ولكنه أرسل رسولاً من ملائكته فقال له: قل كذا وكذا فأمرهم بما يحب ونهاهم عما يكره فقصّ إليهم أمر خلقه بعلم، فعلّم ذلك العلم وعلّم أنبياءه وأصفياءه من الأنبياء والإخوان والذرية التي بعضها من بعض فذلك قوله عز وجل: ﴿فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا (النساء: 54).
فأما الكتاب فهو النبوة وأما الحكمة فهم الحكماء من الأنبياء من الصفوة وأما الملك العظيم فهم الأئمة [الهداة] من الصفوة وكل هؤلاء من الذرية التي بعضها من بعض.
والعلماء هم الذين جعل الله فيهم البقية، وجعل فيهم العاقبة وحفظ الميثاق حتى تنقضي الدنيا والعلماء. ولوُلاة الأمر استنباط العلم وللهداة، فهذا شأن الفضل من الصفوة والرسل والأنبياء والحكماء وأئمة الهدى والخلفاء الذين هم ولاة أمر الله عزَّ وجلّ، واستنباط علم الله، وأهل آثار علم الله من الذرية التي بعضها من بعض من الصفوة بعد الأنبياء عليهم السلام من الآباء والإخوان والذرية من الأنبياء.


*ضلّوا وأضلّوا
فمن اعتصم بالفضل انتهى بعلمهم ونجا بنصرتهم ومن وضع ولاة أمر الله عز و جل وأهل استنباط علمه في غير الصفوة من بيوتات الأنبياء عليهم السلام فقد خالف أمر الله عزَّ وجلّ، وجعل الجهّال ولاة أمر الله والمتكلفين بغير هدى من الله عز وجل وزعموا أنهم أهل استنباط علم الله فقد كذبوا على الله ورسوله ورغبوا عن وصيّه عليه السلام وطاعته ولم يضعوا فضل الله حيث وضعه الله تبارك وتعالى، فضلّوا وأضلّوا أتباعهم ولم يكن لهم حجة يوم القيامة.


1- الوافي، الكاشاني، ج2، ص406.
2- المحبور من الحبر بالفتح: السرور والنعمة والكرامة.
3- بحار الأنوار، المجلسي، ج26، ص117.
4- الكافي، الكليني، ج1، ص53.
5- الوافي، م.س، ج3، ص601.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع