أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

مناسبة: دور الإمام الخميني في إحياء الفكر الديني‏

د. علي الحاج حسن(*)‏

 



تشكل حركة الإمام الخميني قدس سره في عصرنا الحاضر أهم معالم حركات إحياء الفكر الديني الذي ترك آثاره الواقعية على تفاصيل الحياة العملية للمسلمين، وذلك بما آلت إليه من نتائج علمية وعملية، فشهدنا في هذا العصر قيام أهم نظام إسلامي يعتمد مبادئ الدين والشريعة الإسلامية مترافقاً مع نهضة علمية دينية واسعة ووعي لدى المسلمين في شتى الجوانب كنا نفتقدها في فترات ومراحل سابقة. وأما المقصود من الإحياء وما ينطبق على مسيرة الإمام الفكرية، فهو إعطاء الدين والشريعة أو التعاليم الدينية المعنى الحقيقي والمفهوم الصحيح وذلك من خلال الوقوف على أصول هذه التعاليم وإرجاعها إلى سيرة المعصومين. وبالتالي ليس المقصود في عملية الإحياء إزالة الموجود واعتباره في حكم الميت بحيث تكون عملية الإحياء عبارة عن تقديم دين وشريعة جديدين.

* أركان الإحياء الديني‏
لو حاولنا الإطلالة على المسيرة الفكرية للإمام الخميني لأمكننا الوقوف على بعض العناوين التي تشكل أهم أركان الإحياء الديني إذ لولا وجود هذه العناوين لكان من الصعب الحديث عن عملية الإحياء:

أ - تتجلى الخطوة الأولى والأساسية في عملية إحياء الفكر الديني في تحديد واقع الشريعة والوقوف على تفاصيل تطبيقاتها وبالتالي التعرف على الموانع الحقيقية التي تمنع الفرد من الوصول إلى حقيقة الدين من خلال ما يقوم به. وهنا تبرز أهمية الإمام قدس سره إذ أنه كان صاحب جهود بارزة في تحديد الموانع الأساسية التي أدت إلى عدم ظهور الدين بشكله الحقيقي (وسأشير إلى هذا البحث بشكل مفصل).

ب - امتاز الإمام قدس سره بقدرة عالية على فهم وإدراك تعاليم الدين حيث شكل هذا الأمر منطلقاً أساسياً لتحديد ما هو من الإسلام وما هو خارج منه. وبعبارة أخرى إن عملية الإحياء لا تحصل ولا تأخذ معناها الحقيقي إلا بعد المعرفة الحقيقية بالدين الحق ليمكن التمييز بينه وبين سواه.

ج - واتصفت مسيرة الإمام الإحيائية أيضاً بقدرة على إيجاد نماذج إحيائية في شتى المجالات العلمية والعملية. الإمام لم يكن مجرد منظّر يقدم نظريات قد لا تتطابق مع الواقع أو لا تأخذ في الحسبان الضروريات الخارجية بتجلياتها كافة، بل قدم النظرية وقدم نماذج واقعية تساهم في الوصول إلى الدين الحق.

* موانع إحياء الفكر الديني‏
أما أهم موانع إحياء الفكر الديني كما يراها الإمام قدس سره فهي عبارة عن:

1- الإحساس بعدم الاستقلال وفقدان الثقة بالذات أمام الغير: لعل من أبرز الأمور التي كانت تقف حائلاً أمام الفكر الديني هو ما كان شائعاً بواسطة الثقافات المغايرة للإسلام والتي روجت لفكرة أن التقدم والرقي والحضارة لا تتم إلا بواسطة الثقافة الغربية فقط. فأصبح المسلمون يشعرون بأن الثقافة الإسلامية ليست ذات قيمة أمام الثقافة الغربية، وبدأوا يبتعدون عن الدين والشريعة الحق باتجاه الثقافة المضادة للدين. وبالتالي كان الأمر يحتاج إلى جهود كبيرة لإعادة ثقة المسلم إلى ذاته وثقافته. يقول الإمام قدس سره: "علينا أن نعتقد أننا كل شي‏ء وأننا لسنا أقل من سوانا، فنحن مطالبون بالعثور على هويتنا التي أضعناها "(1)، ويؤكد أيضاً بقوله: "ما لم نتخلص من التغرب ونبدل منهجنا في التفكير وما لم نعرف أنفسنا فلن نستطيع أن نكون مستقلين ولن نستطيع أن نكون شيئاً بالمرة "(2). وكلمات الإمام قدس سره في هذا الإطار كثيرة تبين معرفته الدقيقة بما يعاني منه المسلمون، وتوضح الطرق الأساسية للخروج من هذه الحالة والعودة إلى الإسلام.

2 - إيجاد الخلافات في المجتمعات الإسلامية بواسطة القوى الخارجية: إن ترويج روحية الاختلاف والافتراق والقبائلية والمذهبية بين المسلمين هو الذي ساهم وساعد في عدم التفاتهم إلى حقيقة دينهم وأبعدهم عن البحث عن المقومات الحقيقية والصحيحة للدين. وهنا يقف الإمام قدس سره ليحذر المسلمين من العواقب السيئة لما تقوم به القوى المعادية للإسلام وما تحاول إيجاده بين المسلمين. يقول الإمام رضوان اللَّه تعالى عليه: "إن أمريكا نشطة من أجل إضعاف الإسلام والدول الإسلامية لذلك تقوم بإيجاد التفرقة وإشاعة التشنجات الداخلية بواسطة عملائها المغرر بهم وذلك بغية إشعال نار الحرب بين الدول الإسلامية والمستضعفة في العالم "(3).

3 - وجود بعض المتحجرين والقشريين: يعتقد الإمام أن وجود بعض المتحجرين والقشريين والذين لا معرفة لديهم بمقتضيات الزمان والمكان هو من الضربات الكبيرة التي وجهت إلى الدين والشريعة لذلك يوجه خطابه إلى طلاب العلوم ويحذرهم من مخططاتهم المشبوهة: "إن خطر المتحجرين والقشريين الحمقى في الحوزات العلمية ليس قليلاً، وعلى الطلبة الأعزاء أن لا يغفلوا لحظة واحدة عن هذه الأفاعي المخططة المرقطة "(4).
ويقول الإمام قدس سره في هذا الصدد أيضاً: "لقد وُجهت للإسلام ضربة من قبل المتدينين القشريين لم توجه مثلها من قبل أية طبقة أخرى "(5). وكلمات الإمام في هذا الشأن عديدة تبين التفاتة إلى ما يعانيه الفكر الديني بسبب وجود هذه الشخصيات.

4- التقلبات المنحرفة عن الروايات: يعاني الفكر الديني كما يعتقد الإمام قدس سره وجود بعض الأشخاص الذين يستنبطون معانيَ مختلفة من الروايات الموجودة في المصادر الإسلامية، بالأخص تلك الروايات التي تتحدث عن الثورات التي تسبق ظهور الحجة عجل الله تعالى فرجه، فروجوا من خلال فهم خاص للروايات أن كل الثورات والحركات التي تسبق الظهور هي حركات محكومة بالفشل. وحاول الإمام التحذير من هذه الحركات مبيناً الأسس التي تقوم عليها حركتهم مستنكراً عليهم أفكارهم وعقائدهم: "يعتقد بعض العوام المنحرفون أنه يجب السعي في إيجاد الكفر والظلم لأجل التمهيد لظهور ذاك العظيم، فإنا للَّه وإنا إليه راجعون "(6).

5 - الفهم الناقص للحكومة الإسلامية: يقف الإمام في وجه الذين يقدمون فهماً مختلفاً عن الحكومة الإسلامية بحيث ينفون أصل وجودها فيعتقدون بأن وجود الحكومة الإسلامية لا يتحقق إلا مع وجود المعصوم فلو لم يكن المعصوم موجوداً لانتفى أصل وجودها. وهنا يوجه الإمام قدس سره كلامه إليهم قائلاً: "إن الاعتقاد بهكذا مسائل أو إظهارها هو أسوء من الاعتقاد بنسخ الإسلام... كل من يوضح عدم ضرورة تشكيل الحكومة الإسلامية فإنه ينكر ضرورة إجراء الأحكام وأنكر جامعية أحكام الإسلام وسرمدية الدين "(7). فأي إسلام حقيقي سيتحقق إذا كانت أحكامه مغيبة غير موجودة؟ والأحكام لا تصبح واقعاً إلا إذا عمدت الحكومة الإسلامية إلى تنظيمها وإيجادها ومراعاة تطبيقها.

6 - فصل الدين عن السياسة: تعتبر هذه العقيدة واحدة من أسباب بعد المسلمين عن جوهر الدين. فلو عدنا إلى الجذور التاريخية لوجودها في أوروبا لوجدنا أن السبب الحقيقي فيها كان يكمن في محاولات التخلص من سلطة وتعاليم الكنيسة. وأما المقصود من إدخال هذه العقيدة على الفكر الإسلامي فهو الوقوف أمامه عند خروجه إلى أرض الواقع. والخطأ الذي ارتكب هنا أنهم قارنوا بين تعاليم الدين الإسلامي والأديان الأخرى لذلك حكموا بأن الدين كما كان في فترة معينة مرفوضاً من قبل أرباب العلوم الحديثة فإن كل دين يجب أن يحكم بنفس هذا الحكم. وهذا أمر غير صحيح إذ أن جوهر الدين الإسلامي يقوم على تقديم نظام كامل متكامل يرعى شؤون الفرد والمجتمع والعلاقات القائمة بينهما. هنا يجد الإمام نفسه أيضاً في مواجهة هذا الفكر ويؤكد في العديد من أحاديثه على رفض فكرة الفصل بين الدين والسياسة ويعتبرها فكرة من إبداع المستعمر لإخراج الدين من عملية تنظيم أمور الدنيا والمجتمع.

الخلاصة:
 إن من أهم أسباب موفقية الإمام قدس سره في حركته الإحيائية هو وقوفه الدقيق على جميع أسباب وموانع عملية الإحياء سواء تلك التي ذكرنا أو الموانع الأخرى التي لم يتسع المجال للتعرض لها، وبالتالي كان الإمام يمتلك مقومات النهوض بالفكر الديني كافة نحو الأصالة والحقيقة وهذا هو المقصود الصحيح من الإحياء عند الإمام قدس سره.


(*) مدير مركز الإمام الخميني الثقافي.
(1) الكلمات القصار، ص‏90.
(2) المصدر نفسه، ص‏210.
(3) صحيفة النور، ج‏18، ص‏120.
(4) صحيفة النور، ج‏21، ص‏91.
(5) الكلمات القصار، ص‏266.
(6) الإسلام الخالص في كلام الإمام (فارسي)، ص‏53.
(7) مجلة "الحوزة " (فارسي)، العدد 70 71، ص‏217 218.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع