نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

علمٌ يُنتفع به/ مقابلة مع السيد عباس علي الموسوي

حوار: جومانة عبد الساتر



جاء في الكتاب المحكم: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (القلم: 1).  وفي الحديث أنه "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وولد صالح يدعو له، وعلم يُنتفع به"(1). ما هي أبرز مصاديق ونماذج العلم الذي ينتفع به ويكون مفيداً في حياة الإنسان وآخرته؟ وما هي أبرز الروايات والأحاديث الواردة بهذا الخصوص؟ سؤالان شكّلا محور الحديث في اللقاء مع سماحة العلّامة السيد عباس علي الموسوي.

بدايةً سماحة السيد وانطلاقاً مما ذكرنا في المقدمة، ما هي أهمية العلم بالنسبة للإنسان؟ وكيف يكون العلم نافعاً؟ قال تعالى: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ وقال: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. لقد دعت أول آيات القرآن الكريم إلى القراءة. وأقسم الله بالقلم الذي يُكتب به لأنه يتحصّل من العلم ذخيرة دائمة لأن الأجيال تتناقله. فالعلم نور والجهل ظلام. ولذلك فالعلم له أعظم الأدوار في حركة الإنسان، وهو المؤثر الأول على النمو والتقدّم والرّقيّ والازدهار. وكذلك فإن كل المعاني الطيبة تتجسّد من خلاله. وإنّ الأمة التي لا تملك قلماً ولا فكراً أو ثقافة هي أمّه جاهلة تعيش على هامش الحياة. وهذا أمر مدرَكٌ بالواقع والوجدان. فإن مسيرة الأمم وتقدّمها وما تحصل عليه من الرقيّ والعلوّ والعظمة هو نتيجة طبيعية لما تمتلك من علوم وثقافة.

* تلازم العلم مع الإيمان
بالعلم استطاع الإنسان أن يشقّ عنان السماء، أن يصل إلى الكواكب وأن يرتفع فوق الغيوم، كما استطاع أن يدخل إلى باطن الأرض فيستخرج كنوزها ومعادنها وما فيها من خيرات. والعلم إذا كان صحيحاً وسليماً ومسخَّراً لخدمة البشرية كانت عطاءاته عظيمة جداً. ولذلك ينبغي أن يتحول ليس للزينة وإنما لخدمة الإنسان.  كذلك العلم لا يمكن أن يكون في يوم من الأيام سيئاً، وإنما الذي يستعمل العلم هو الذي يسيء إليه وإلى الإنسانية. نحن بحاجة إلى أيدٍ أمنة تتسلم هذا العلم. لا تستطيع أن تصف العلم فتقول إنه سيئ، على سبيل المثال القنبلة النووية التي ألقيت على هيروشيما ليس العيب فيها، بل في مَن أمر وألقى هذه القنبلة. ولذلك ينبغي تحصين العلم بالإيمان لئلا يكون هناك خلل. ينبغي أن يكون هناك تلازم بين العلم والإيمان لئلا يتحوّل هذا العلم إلى آلة للدمار والتخريب.

- ما هي أبرز الروايات الواردة في الحث على طلب العلم؟
يقول النبي صلى الله عليه وآله: "طلب العلم فريضة على كل مسلم"(2). وعن الإمام الباقر عليه السلام: "زكاة العلم أن تعلّمه عباد الله" (3). وفي كتاب الكافي باب اسمه باب العلم. في جزئه الأوّل يذكر الكليني فضل العلم، ويذكر أحاديث مختلفة وردت عن الأئمة عليهم السلام والرسول صلى الله عليه وآله وهي كنز ثمين. فالعالِم إذا زلّ زلّ العالَم. فتحصين النفس بالعلم، بالتقوى والإيمان وحسن السلوك، بالسيرة الطيبة وبالاقتداء بأهل البيت عليهم السلام، أمر مطلوب. وفي الحديث عن أبي عبد الله الحسين عليه السلام: "إنّ العالم إذا لم يعمل بعلمه زلّت موعظته عن القلوب كما يزلّ المطر عن الصفا" (4). أي هذا الحجر الأملس عندما ينزل عليه الماء لا يعلق عليه شيء وكذلك العالم إذا لم يراعِ مقتضى العلم وعمل به خاصة ونحن في عصر التطور والتكنولوجيا كان تأثيره ضعيفاً نسبياً نتيجة أن ما خرج من اللسان لم يتجاوز الأذنين، وما خرج من القلب يدخل في القلب. لذلك نحن بحاجة إلى علماء ربانيين متّصلين بالله. فليس مقتضى العلم إلا العمل. وإلا فالعامل بلا عمل كالشجرة بلا ثمر يتفيأ ظلالها فحسب وأما أكثر فلا.

* العلم يقيّد بالكتابة
في الحديث أنه "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية وولد صالح يستغفر له وكتاب يُنتفع به"(5). هل النفع يختص بالآخرة أم يشمل الدنيا؟  علم يُنتفع به يعني التدوين. ورد في مصادر السيرة كما في الحديث أنَّ النبي صلى الله عليه وآله دخل المسجد فرأى الناس يتحلقون حول أحدهم، سأل من هذا، قالوا: إنه نسَّابة، قال: وما نسّابة؟ قالوا: هذا رجل ينسب العرب، قال: هذا علم لا يُنتفع به. أي إن العلم الذي لا يُنتفع منه هو الذي لا ثمرة منه. ابن إدريس الحلّي "رحمه الله" كان له فضل كبير في كسر طوق الجمود الذي عاشه الشيعة والمتفقهة والعلماء بعد عصر الشيخ الطوسي "رحمه الله". جاء ابن إدريس "رحمه الله" وكسر هذا الحاجز وأخرج فتاوى مستحدثة جديدة وفتح باب الاجتهاد وكان له فضل كبير في هذا الاتجاه. وعندما كتب كتاب السرائر أورد في مقدمة أسباب كتابة هذا الكتاب، قوله: أولاً تخليد هذا العلم. فالعلم يُقيَّد بالكتابة. وقد دعا الأئمة عليهم السلام إلى هذا المعنى وحثّوا شيعتهم على كتابة ما يسمعون من الحديث، فعن الإمام الصادق عليه السلام في كتاب فضل العالم قال: "القلب يتّكل على الكتابة" (6). وقال عليه السلام في موضع آخر لبعض أصحابه: "اكتبوا فإنكم لا تحفظون حتى تكتبوا" (7). وفي حديث آخر: "احتفظوا بكتبكم فإنكم سوف تحتاجون إليها" (8). ويقول الإمام الصادق عليه السلام للمفضَّل بن عمر: "اكتب وبُثّ علمك في إخوانك، فإن متّ فأورث كتبك بنيك فإنه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون فيه إلا بكتبهم" (9).

* مدرسة أهل البيت عليهم السلام
لذلك الأئمة عليهم السلام دعوا إلى الكتابة والتي كانت في وقت متقدّم عند الشيعة، بينما عند السنّة كانت في عصر متأخر، في عصر المأمون أو عمر بن عبد العزيز بحدود سنة 100هـ. لم يُكتب الحديث والسُنّة عند السنّة إلا بعد مضي مئة سنة. بينما عندنا كانت كتابة الأحاديث منذ رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام فالأئمة الأوائل أي علي والحسن والحسين عليه السلام كتبوا. كما كانوا جميعهم يأمرون أصحابهم بذلك، حتى أن الأصول الـ 400 التي كانت معتمدة عند الشيعة كانت موجودة عندهم في عصر الأئمة عليهم السلام: الكافي للكليني 300هـ في عصر الإمام الحجة عجل الله فرجه، الصدوق كان في زمن الإمام عجل الله فرجه. ولذلك حتى في زمن الأئمة عليهم السلام كان العلم وكتابته وتقييده موجوداً. مدرسة أهل البيت عليهم السلام ليست مدرسة منحصرة بالفقه، بل هي متشعبة الجوانب، جامعة لها فروع متعددة. الإمام الصادق عليه السلام كان لديه جامعة لا تقتصر على الفقه والأصول، بل تتجاوز هذين العلمين إلى العلوم الطبيعية، التوحيد، المبدأ، المعاد، والفلسفة، أضف إلى ذلك مناقشة آراء الإلحاد، الكفر، الزندقة. كان يعطي كل مسألة حقّها.

* العلم النافع
ما هي أبرز مصاديق ونماذج العلم الذي يُنتفع به ويكون مفيداً في الحياة الآخرة؟

عندما نعرف أن المحور هو الإنسان نعرف أن كل ما يحقق سعادة الإنسان هو مطلوب في الإسلام سواء أكان على مستوى الدين أم الدنيا. والإنسان المسلم يجب أن تكون غايته الآخرة، فالدنيا مزرعة الآخرة، ومن خلال الدنيا نستطيع أن نقرّر الآخرة. لا يستطيع الإنسان أن يعيش اللامبالاة ثم يريد أن يدخل الجنة. لم يُكتب هذا الأمر لا للأنبياء عليهم السلام ولا للأوصياء عليهم السلام ولا للأبرار ولا للأخيار. الحياة مفتوحة لفعل كل ما يخدم الإنسان. الإسلام يريد من العلم أن يخدم الإنسان، ليس فقط في الدنيا، بل أن يكون لله أيضاً، فعندما يتعلم الإنسان مسألة ما ثم يُعلّمها فإن أجر هذه المسألة يبقى قائماً طالما أن هناك من يتعلّمها. ولذلك فإنّ زكاة العلم أن تعلّمه غيرك. ومطلوب من الأمة أن تستفيق، أن تقرأ عن المبدعين والمخترعين الذين قدّموا علمهم للإنسانية. يجب أن يكون لدينا نهضة، ورشة في كل شيء: العامل في عمله والصانع في مصنعه والتاجر في متجره، كل واحد يتحول إلى جزء من هذا الكيان عليه أن يساهم في بنائه.

* العلم يحقق أهداف الإسلام
اليوم ما تشهده إيران من اكتشافات واختراعات في مجالات عديدة، هل يُعتبر مصداقاً لما ذكرنا؟

من أظهر مصاديق تقدم العلم ما أحرزته الثورة الإسلامية في إيران حيث قدّمت هذا النموذج الجديد للعلم وأن الإسلام قد كشف أن له وجهاً مضيئاً يستطيع أن يجاري الأمم والشعوب ويحقق أهداف الإسلام. ولذلك هذا التقدم السريع والنوعي في الجمهورية الإسلامية كان ببركة العلم والإيمان والإخلاص والعمل الدؤوب؛ فالإيمان لا يعني أن يكون المرء معقداً وزاهداً. الإسلام كلّ لا يتجزأ إلا بالاستعمار الذي يضغط بقوة لقهر الشعوب العربية والإسلامية. وبالقوة والقدرات العسكرية نواجه هذا الاستعمار، حتى أن انتصار المقاومة كان من نتاج هذا الإيمان.

- ما هو دور الإخلاص في بقاء العمل بعد موت الإنسان؟
الإخلاص ينعكس في الدنيا وينعكس في الآخرة. نتائج الإخلاص في الآخرة تكون أوضح، لأنَّه عملية قلبية وحالة نفسية لا يستطيع الإنسان أن يشخّصها. الإخلاص له انعكاسات، يكتشف الإنسان من خلال إخلاصه أن الله يسدّده، ويعطيه القوة، يفتح بصيرته والطريق أمامه حيث لا منفعة شخصية وما إلى ذلك.

* مؤلفات أخلاقية
- ذكرتم أن لديكم مؤلفات عديدة، كيف تكون هذه المؤلفات بتجربتكم وتجارب العلماء السابقين باباً في مجال تقريب العلم الذي يُنتفع منه؟ وما الذي هدفتم إليه بكتابتها؟  هي كتابات أخلاقية مثل كتاب "وصية الإمام علي للإمام الحسن عليه السلام"، و"رسالة الحقوق" و"الصحيفة السجادية". هذه مواد شرحتها وأكملت الموضوع في كتاب "الأصدق في قصص الأنبياء" وكتاب "آية وقصة". وأمَّا الإمام علي عليه السلام فكان له دور كبير في نفسي حيث شرحت نهج البلاغة في خمسة أجزاء ثم في مجلد مع المعنى اللغوي. وقد جمع هذا المعنى فيه فأصبح موسوعة لغوية بحيث إن الشيخ صبحي الصالح كان له 500 كلمة لغوية تقريباً، بينما ما جمعته هو بحدود 15,000 كلمة لغوية جديدة مستوفية المعنى اللغوي كاملاً.

- لماذا لا تستخدمون التكنولوجيا الحديثة لنشر هذه الكتب خاصة في ظل التراجع في القراء؟
تم ذلك بالنسبة لكتاب "أوضح البيان في تفسير القرآن" الذي سوف يتم تسجيله خلال شهر ونصف بحيث إن الشخص يسمع الآية والتفسير بصوت المذيع.

- من الذي أثّر في مسيرتكم؟
لقد وفقني الله وعائلتي المتدينة إلى الذهاب إلى النجف لطلب العلم واستفدنا من العلماء هناك كالإمام الخميني قدس سره والسيد محمد باقر الصدر قدس سره.

- ما هي دعوتكم لجيل اليوم؟
أدعوه لكي يقرأ، فالكتاب له مكانته وميزته ويجب أن نعتمد كل الوسائل الممكنة لخدمة الإنسان.


بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 2، ص 22.
الكافي، الشيخ الكليني، ج 1، ص 30.
م. ن، ص 41.
بحار الأنوار، م. س، ج 2، ص 39.
م. ن، ص 22.
وسائل الشيعة (آل البيت)، الحرّ العاملي، ج 7، ص 81.
منية المريد، الشهيد الثاني، ص 340.
جامع أحاديث الشيعة، السيد البروجردي، ج 1، ص 244.
الكافي، م. س، ج 1، ص 52.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع