نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

شخصية العدد: زيد بن صوحان السائر على بصيرة


الشيخ تامر محمّد حمزة


"زيد بن صوحان"، كنيته "أبو سلمان"، لشدّة حبّه لسلمان الفارسي، وقيل كان يكنّى بغير ذلك. عدّه علماء الرجال كالبرقي والعلّامة الحلّي من رجالات أمير المؤمنين عليه السلام. وأما شيخ الطائفة الطوسي فقد ذكر أنّه من الأبدال. وأمّا في كتب أهل السنّة -كما في "الاستيعاب" و"الطبقات الكبرى" و"تاريخ دمشق"- فورد أنّه كان فاضلاً ديّناً سيّداً في قومه هو وإخوته، وكان قليل الحديث. أما اليافعي فقد عدّه من سادة التابعين صَوّاماً وقَوّاماً(1). وقال عنه ابن قُتيبة: "كان من خيار الناس"(2). وقال صاحب شذرات الذهب عنه: "من خواصّ (عليّ)، من العلماء الأتقياء"(3).

* زيد يطيل السكوت ويحفظ الكلام
وأيضاً طلب "ابن عباس" من "صعصعة" أن يصف أخويه زيداً وعبد الله فقال: صِفهما لأعرف وزنكم، قال: أمّا زيد فكما قال أخو غنيّ:

فتى لا يبالي أن يكون بوجهه إذا سدَّ خلّات الكرام شحوبُ
إذا ما تراءاه الرجال تحفّظوا فلم ينطقوا العوراء وهو قريب
حليف الندى يدعو الندى فيجيبه إليه ويدعوه الندى فيجيب

كان والله، يا ابن عبّاس، عظيم المروءة، شريف الأخوّة، جليل الخطر، بعيد الأثر، كميش العروة، أليف البدوة، سليم جوانح الصدر، قليل وَساوس الدهر، ذاكراً لله طرفي النهار وزلفاً من الليل، الجوع والشبع عنده سيّان، لا ينافس في الدنيا، وأقلّ أصحابه من ينافس فيها، يُطيل السكوت، ويحفظ الكلام، وإنْ نَطق نطق بمقام يهرب منه الدُعَّار الأشرار، ويألفه الأحرار الأخيار(4).

* زيد صوّام قوّام
نقل صاحب الأعيان عن تاريخ بغداد "كان زيدٌ يقوم الليل ويصوم النهار، وإذا كانت ليلة الجمعة أحياها، فإن كان ليكرهها -إذا جاءت- ممّا يلقى فيها، فبلغ سلمان ما كان يصنع، فأتاه فقال: أين زيد؟ قالت امرأته: ليس ها هنا، قال: فإنّي أُقسم عليكِ لما صنعتِ طعاماً...؟ ثم بعثَتْ إلى زيد؛ فجاء زيد فقرّب الطعام، فقال سلمان: كُلْ يا زيد، قال: إني صائم، قال: كُلْ يا زيد لا ينقص أو لا تُنقص دينك، إنّ شرّ السير الحقحقة(5)، إنّ لعينيك عليك حقّاً وإنّ لبدنك عليك حقّاً وإنّ لزوجتك عليك حقّاً، كُلْ يا زيد. فأكل وترك ما كان يصنع وخاطبه: "يا زُيَيْد" بالتصغير، تجهيلاً له في ما فعله"(6).

* مِن الزهّاد
مضافاً إلى انقطاعه إلى العبادة، فإنّه كان من الزهّاد. ويدلّ عليه ما رواه الكشّي عن الفضل بن شاذان، في ترجمة زيد بن صوحان.
فاز زيد بكرامتين: الأولى، أنه جرى اسمه على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمدح له ولقبيلته، والأخرى أنّه مبشَّرٌ بالجنة. وفي المقام، نقل صاحب "الاستيعاب" عن وجوهٍ أنّهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مسير له، فبينما هو يسير فجعل يقول: زيد وما زيد، جندب وما جندب. فسئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك فقال: رجلان من أمّتي، أمّا أحدهما فتسبقه يده إلى الجنة أو قال: بعض جسده إلى الجنّة، ثم يتبعه سائر جسده(7).

وقال عبد الرحمن بن مسعود: سمعت عليّاً يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من سرّه أن ينظُر إلى من يسبقه بعض أعضائه إلى الجنة فلينظُر إلى زيد بن صوحان(8). وعلّق المؤرخون على ذلك بأن المعروف عن زيد بن صوحان أنّه شارك في جهاد المشركين في معركة جلولاء أو القادسية فقطعت يده، وبعد ثلاثين عاماً شارك مع أمير المؤمنين عليه السلام في معركة الجمل فاستشهد فيها(9).

أقول: إنّ التحديد بثلاثين سنة ليس دقيقاً، بل ليس صحيحاً، وذلك لأنّه لو قدّر لزيد أن تقطع يده في معركة جلولاء فهذه المعركة حصلت عام 16 للهجرة بقيادة هاشم بن عتبة، وبناءً عليه فتكون قد قطعت قبل عشرين سنة وليس قبل ثلاثين، ولم يذكر أحد أن يده قطعت في معركة أخرى.

ومن طرائف ما حصل معه كما ينقل إبراهيم النخعي، أنّ زيداً كان يحدّثهم فقال له أعرابي: إن حديثك ليعجبني وإن يدك لتريبني (أن تكون قد قطعت في سرقة)، فقال: أوَما تراها الشمال وإنّما تقطع في السرقة اليمين؟ فقال: والله ما أدري اليمين تقطعون أم الشمال! فقال زيد صدق الله: ﴿الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ...(10) (التوبة: 97).

* زيد يتحدّى والي الكوفة
أرسل أمير المؤمنين عليه السلام ابنه الحسن عليه السلام وعمّار بن ياسر إلى الكوفة يستنفران أهلها يوم الجمل، وجعل واليها أبا موسى الأشعري يثبّط الناس ويخذلهم عن أمير المؤمنين عليه السلام. وهنا ثار زيد وثار الناس معه فجعل أبو موسى يُكفكف الناس حتى وقف زيد على باب المسجد فشال يده المقطوعة، وقال له: يا عبد الله بن قيس (ولم يكنّه بكنيته) ردّ الفرات على أدراجه أرددْه من حيث يجيء حتى يعود كما بدأ، فإن قدرت على ذلك فستقدر على ما تريد، فدع عنك ما لست مدركه. ثم قرأ قوله تعالى: ﴿الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (العنكبوت: 1-2). سيروا إلى أمير المؤمنين وسيد المسلمين وانفروا إليه أجمعين تصيبوا الحق(11).
جوابه لأم المؤمنين

وممّا رواه الطبري وابن الأثير، أنَّ أمّ المؤمنين كتبت رسالة إلى زيد يوم الجمل، ومما جاء فيها: "من أمّ المؤمنين حبيبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان. أما بعد، فإذا أتاك كتابي هذا فأقدم فانصرنا، فإنْ لم تفعل، فخذِّلِ النّاس عن عليّ.

فجاء جوابه: أما بعد، فأنا ابنك الخالص إنِ اعتزلت ورجعت إلى بيتك، وإلّا فأنا أوّل من نابذك. رحم الله أمّ المؤمنين أُمرتْ أن تَلزم بيتها وأُمرنا أن نقاتل، فتركت ما أُمرت به وأمَرتنا به وصنعت ما أُمرنا به ونَهتنا عنه حتى لا تكون فتنة والسلام"(12).

* يدي أشرفت من السماء
كان زيد أميراً على عبد القيس في الجمل وصاحب رايتها. وذكر ابن قتيبة في المعارف أن زيداً قال لأمير المؤمنين عليه السلام: ما أراني إلّا مقتولاً، فقال عليه السلام: وما عِلمك بذلك يا أبا سلمان؟ قال: رأيت يدي نزلت من السماء وهي تستشيلني. وقال ابن عساكر: قال زيد قبل أن يُقتل إنّي رأيت يداً خرجت من السماء تُشير إليّ أنْ تعالَ، وأنا لاحق بها يا أمير المؤمنين.

وهكذا تنبّأ زيد بشهادته. ولمّا حان لقاء الله تعالى طلب من أمير المؤمنين عليه السلام الإذن في المبارزة لفارس أصحاب الجمل وقائدهم وهو عمرو بن يثري الضبي، فأذن له بعد أن أخبره بأنّي رأيت يدي أشرفت من السماء وهي تقول "هلمّ إلينا" فإذا قتلني فادفنّي بدمي ولا تغسلني فإنّي مخاصم عند ربي، ثم خرج فقتله عمرو(13).

* شهيد في حجر أمير المؤمنين عليه السلام
قال الكشّي بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لمّا صُرع زيد بن صوحان يوم الجمل جاء أمير المؤمنين عليه السلام حتّى جلس عند رأسه فقال: رحِمك الله يا زيد قد كنت خفيف المؤونة، عظيم المعونة. فرفع زيد رأسه إليه ثم قال: "وأنت فجزاك الله خيراً يا أمير المؤمنين، فوالله ما علِمتك إلّا بالله عليماً وفي أمّ الكتاب عليّاً حكيماً وإنّ الله في صدرك لعظيم والله ما قَاتلت معك على جَهالة ولكنّي سمعت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: مَن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، فكرهت والله أن أخذلك فيخذلني الله"(14).

والحمد لله رب العالمين.


(1) مرآة الزمان، ابن الجوزي، ج1، ص99.
(2) أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين، ج7، ص102.
(3) شذرات الذهب، عبد الحيّ الدمشقي، ج1، ص44.
(4) مروج الذهب، المسعودي، ج3، ص45.
(5) المتعب من السير أو أن تحمل الدابة ما لا تطيقه.
(6) أعيان الشيعة، (م.س).
(7) الاستيعاب، ابن عبد البر، ج2، ص556.
(8) أعيان الشيعة، ج7، ص102.
(9) جلولاء هي موضع في خراسان كانت بها وقعة المسلمين على الفرس سنة 16هـ.
(10) أعيان الشيعة، (م.س).
(11) (م.ن)، نقلاً عن الطبري وابن الأثير.
(12) أعيان الشيعة، (م.س)، ص102.
(13) (م.ن)، ص103.
(14) (م.ن).


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع

النجف الأشرف

أبو جعفر

2022-01-13 01:32:22

الحمد لله الذي رزقنا ذكر هؤلاء الصفوة بعد أن كانت سيرتهم على وشك الانقراض، فنعم الاختيار .. ارجو الاشارة بطريقة ما إلى دعاء الأمير في مسجد زيد بن صوحان.. ان الذكرى تنفع المؤمنين.