نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

طاعة الولي

الشيخ نبيل قاووق


* الحج تثبيت للولاية الإلهية:
الوفادة إلى بيت لله، وتمثُّل سفر الآخرة بأعمال الحج، تهيّىء القلب وتعدّ الروح لتجديد الميثاق مع لله بالعبودية وخلوص الطاعة، حيث تتجلّى روح تلك الأعمال في توحيد لله إيماناً وعبادة وطاعة، ونفياً للشرك وطاعة الشيطان. قال لله تعالى: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا. وفي آية أخرى: ﴿أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا لله وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ﴿وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا. فالبيت الحرام أسس على نفي الشرك، كل الشرك من الأصنام والأوثان والأرباب والطواغيت وكل من كان على شاكلة الأصنام التي تعبد. والقاصد لبيت لله، يجد مخرجاً وملاذاً مما كان فيه من انغماس في شأن الدنيا وهوى النفس ومن كل شائبة طاعة وولاء لغير لله، ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِلله إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ، فتأخذ أعمال الحج بالمؤمنين للانعتاق والتحرر من هيمنة طواغيت العصر، وعبودية أئمة الكفر والمستكبرين في الأرض، لتكون الطاعة والولاء لله وحده ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لله.

* آية الطاعة للولي بلسان إسماعيل:
عندما يقول العبد "لبيك"، يريد إجابة النداء الإلهي بالاستعداد للطاعة، لا يمكنه إلا أن يستحضر موقف إسماعيل الغلام الحليم. فهل هو مستعد لأن يتخذ موقفاً كإسماعيل؟ إسماعيل ما إن سمع من وليَّ الأمر رؤياه حتى سارع ممتثلاً ملبياً مستعداً للذبح... عندما تمتحن السرائر، ويرتجف القلب قبل أن يتمكن اللسان من أن يقول: "لبّيك اللهم لبّيك".

ذلك أنه في تلك الواقعة التي خلّدها لله تعالى، أدّى إسماعيل واجب الطاعة والتسليم لأمر لله، بموقف فيه من السمو والعظمة ما جعله عبرة تتمثلها الأجيال، ودرساً بليغاً وسراً عميقاً من دروس وأسرار الحج الإبراهيمي. إبراهيم هو الأب المشفق على ولده إسماعيل، وهو النبي وولي الأمر الذي فرض لله طاعته... يرى في المنام أنه يذبح ابنه! الولد الذي تحمل مشاق الهجرة والغربة والعطش والأعز على قلب أبيه ﴿قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى. فيقدم إسماعيل نموذجاً في خالص الإيمان والتسليم المطلق لأمر لله وأمر وليه، ﴿افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ لله مِنَ الصَّابِرِينَ. ورُوِي عن تلك الواقعة أن إسماعيل قال لإبراهيم يا أبت أُشدد رباطي حتى لا اضطرب، واكْفُفْ عني ثيابك حتى لا ينتضح من دمي شيء فتراه أمي، واشحذّ شفرتك وأسرع من السكين على حلقي... فقال له إبراهيم: نِعم العون أنت على أمر لله. فعلّم الأجيال كيف يكون الامتثال لأمر ولي لله، لدرجة أن يقدم نفسه للذبح إيماناً وتسليماً بأن ما ينطق به إبراهيم من أحكام وأوامر ونواه لا ينطق به عن الهوى، وإنما هو وحي يوحي، وأن أمره أمر لله نهيه نهي من لله. وبمقدار ما يعرف العبد ربه يطيع وليه، ويسلم له، والمؤمنون في أدائهم لمناسك الحج يتمثلون موقف إبراهيم، فيمتحن لله قلوبهم بالإخلاص، والتسليم لأمر لله إلى حد ذبح أعز الأولاد، ويتمثلون موقف إسماعيل، الذي كان الولاء والطاعة لإمام زمانه أولى به من نفسه. ذلك هو التمحض بالعبودية، قد تجسد بالمشاهدة والعيان، آية في التوحيد ومعلماً في الدين الحنيف.

* الرابط الوثيق بين الحج والولاية
إن في إدراك مقاصد وأسرار الحج، الوصول إلى طاعة ولي الأمر الذي فرض لله طاعته. فالقلب الذي ثبت فيه توحيد لله، وتجرد عن كل ما سوى لله وسلم أمره لله، يدخل في ساحة طاعة أوليائه، وكلما ارتقى في توحيده لله، ارتقى مثلها في درجات الطاعة. فإن توحيد لله لا يكتمل ولا يتم إلا بالولاية، وهذا ما بيّنه الإمام الرضا عليه السلام بقوله لأهل نيسابور: "كلمة لا إله إلا لله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي وبعد هنيهة التفت ليسترعي انتباه الناس، وأضاف بشروطها، وأنا من شروطها" (عيون أخبار الرضا، ج2، ص135). ويمكن الإشارة هنا إلى واقعة غدير خمّ حيث بلّغ النبي صلى الله عليه وآله المسلمين بالوحي الذي جاءه بولاية أمير المؤمنين عليه السلام بعدما أتموا أعمال الحج، وقبل أن يتفرقوا إلى أوطانهم، وبذل لك يتضح أنه كما لا حج بلا توحيد، فإنه لا توحيد بلا ولاية.

* اختبار الناس بالولاية
لطالما تردد سؤال عن مغزى إختبار الناس من الأولين والآخرين بأحجار لا تضرّ ولا تنفع ولا تبصر ولا تسمع، وقد جعلها لله بيته الحرام الذي جعله للناس قياماً. وإذ يشير أمير المؤمنين عليه السلام إلى هذا الاختبار يقول: "لكن لله سبحانه أراد أن يكون الإتباع لرسله والتصديق لكتبه والخشوع لوجهه، والإستكانة لأمره، والاستسلام لطاعته.." (خ192، نهج البلاغة). وقد بيّن الإمام الباقر عليه السلام ذلك بقوله: "إنّما أمر الناس أن يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا بها ثم يأتونا فيخبرونا بولايتهم ويعرضوا علينا نصرهم" (وسائل الشيعة، ج10، ص252). ولعلّ من أبلغ ما عبّر عن مدى الرابط القوي بين الحج والولاية ما ورد عن أبي جعفر عليه السلام بقوله: "تمام الحج لقاء الإمام" (الكافي، ج4، ص549). ومثله عن أبي عبد لله عليه السلام في قول لله عز وجل: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ .

* بالولاية تقبل الأعمال:
إن التأمل في المناسك التي تتوافق وسفر الآخرة والاستعداد للموت والقبر والبعث والقيامة والحساب. تضع الإنسان أمام حقيقة الحاجة الملحة في سيره إلى الآخرة من الأدلاء على الطريق، وهم الأئمة الطاهرون عليهم السلام الذين يصفهم الإمام الرضا عليه السلام بقوله: "الأدلاء على لله... الذين من والاهم فقد والى لله ومن عاداهم فقد عادى لله ومن عرفهم فقد عرف لله ومن جهلهم فقد جهل لله، ومن اعتصم بهم فقد اعتصم بلله، ومن تخلّى منهم فقد تخلّى من لله عزّ وجلّ" (الزيارة الجامعة). بل قد ورد في النصوص أن قبول أعمال العباد متوقف على ولايتهم وطاعتهم عليهم السلام. فعن الصادق عليه السلام: "نحن فيما بينكم وبين لله عز وجل ما جعل لله لأحد خيراً في خلاف أمرنا". وعن الحسين عن جدّه رسول لله صلى الله عليه وآله أنه قال: "إلزموا مودّتنا أهل البيت فإنّه من لقي لله عز وجل وهو يودّنا دخل الجنّة بشفاعتنا، والذي نفسي بيده لا ينفع عبداً عمله إلا بمعرفة حقنا" (الهيثمي في المجمع، ج9، ص172). وفي دعاء الندبة: "فكانوا هم السبيل إليك والمسلك إلى رضوانك". وفي الزيارة الجامعة: "وبموالاتكم تُقبل الطاعة المفترضة".

* منعة الأمة بطاعة الولي الفقيه:
إن في استعادة المؤمنين في بيت لله الحرام لوقفة وأعمال الأنبياء والأوصياء في تلك البقعة المقدسة، دعوةً لهم لتجديد العهد والميثاق مع لله بصدق الولاية والالتزام بالطاعة، ﴿وَأَطِيعُوا لله وَالرَّسُولَ. وما أحوج الأمة إلى أن تلتزم بطاعة قائدها وولي أمرها، وبغير ذلك تبقى أسيرة الضياع وسيطرة الطواغيت وهيمنة الأعداء... يقول النبي صلى الله عليه وآله: "إسمعوا وأطيعوا لمن ولاّه لله الأمر فإنه نظام الإسلام" (الأمالي 14، المجلس الثاني، ج2). وهذا ما جسدته الأمة في إيران، حيث صدقت ولاءها لنائب الإمام عليه السلام فقادها إلى شاطئ النصر وأسس الدولة الإسلامية، وأسقط أعظم إمبراطورية في القرن العشرين، المدعومة من أمريكا، أعتى قوة عسكرية في العالم، وحقق بذلك النصر العظيم الذي هزّ أركان الدنيا.

وليس ذلك إلا لأن التزام لأمّة بطاعة الإمام الخميني قدس سره كان إمتداداً لطاعة لله تبارك وتعالى، فكان لله معها ناصراً ومعيناً. وكان الإمام الخميني قدس سره يؤكّد دوماً أنه طالما التزم الناس بطاعة ولاية الفقيه فإن البلد في مِنعة وأمان من كل خطر. وإن الحديث عن شواهد من مسيرة الإمام الخميني والتزام الشّعب بطاعته هو طلب الجزء من الكل لأنه في الواقع كانت كل مواقف الإمام الخميني التي اقترنت بطاعة الشعب، هي عبارة عن شاهد مستمر ومتواصل.

* آيات الطاعة في مسيرة المقاومة الإسلامية:
إن الوقوف عند دور طاعة الولي الفقيه في حركة المقاومة الإسلامية هي وقوف عند الروح التي كانت تهب الحياة والحركة للمقاومة وتوفر لها القوة والاطمئنان. ولكي نضيء وبوضوح على رابط العلاقة هذا، فلا بد من الإشارة والتأكيد على أن هذه المقاومة عندما انطلقت، إنّما انطلقت على أساس الطاعة والتكليف. فالولي الفقيه المتمثّل بالإمام الخميني قدس سره هو الذي أعطى إشارة البدء وحرجك مسارها وحدّد خطواتها، ومن بعده تصدى السيد القائد الخامنئي دام ظله، فواكبها وقادها بالشجاعة والحكمة ولا يزال. ولولا الطاعة الصادقة، لكانت المقاومة عرضة لكثير من الأخطار، وهي المسيرة التي واجهتها العوائق والتهديدات منذ إنطلاقتها، بل من الأجدر القول، أنه لولا الولاية والطاعة لما تشكّلت هذه المسيرة ولما نالت قدسيتها ولا تجمّع المجاهدون ولا بلغت ضفاف النصر.

إن الطاعة للولي هي أصل في الانتصار وحفظ الانتصار، الذي أذلّ إسرائيل ومن ورائها أمريكا، وأوجب عزّ الأمّة ومجدها. هذه الطاعة لقائد المقاومة، وقائد الأمّة كانت تتّصل بطاعة أهل البيت عليهم السلام فكان لها التأييد والتسديد ما أنجاها من الشدائد وأوجد لها الفرج من حيث لا تحتسب. هذه الطاعة هي التي كانت تدفع بالمجاهدين للثبات واقتحام مواقع العدو، وحصونه غير عابئين بالقتل وهم ينتظرونه في كل لحظة، حتى بلغت الطاعة أنها كانت تحرك الاستشهاديين بشوق للشهادة مجسدين صدق الولاء وعزّ العبودية لله تبارك وتعالى.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع