إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد

شهيد الدفاع عن المقدّسات محمد مهدي حيدر حيدر (ناصر)

نسرين إدريس قازان


اسم الأم: انتصار جابر.
محل الولادة وتاريخها:
زقاق البلاط 26/2/1985م.
رقم القيد:
351.
الوضع الاجتماعي:
متأهّل وله ولدان.
تاريخ الاستشهاد:
الخالدية 9/3/2013م.


"إنّ الله موجود ولن يتركنا يا أمي"، هذا هو الدرسُ الذي تعلّمته الأم المفجوعة بزوجها، من ابنها محمد مهدي البالغ من العمر ثماني سنوات، وكأنّه بذلك لم يرد أن يهدّئ قلبها فحسب، بل أن يرسم لها مسار حياتها الطويل في رحلة الشقاء بين فناءٍ وبقاء...

*سعادته في راحة والدته
لقد انفطر قلب هذا الطفل الصغير بوفاة والده، وهو الذي كان يفضّل أن يرافقه أينما حلَّ عوض اللعب مع الفتية. وكان لصداقتهما رونقٌ خاصٌ، موشّحٌ برائحة الحديد والعرق وتراب "البورة" حيث يعمل الأب.. والآن، لم يعد بوسعه الذهاب إلى هناك، وليس الزمن زمن لعب، فكيف يلهو، وأمّه تعمل بكدٍّ لتربية أيتامها الخمسة؟ وكيف السبيل للتخفيف عنها وعن إخوته؟ هذا ما حمل همّه، بل الهاجس الذي عاشه بكلّه..

التحق محمد مهدي وإخوته بالمبرّة، فيما أمّهم تعمل لإعالتهم، وتكاتف الجميع للسعي لحياةٍ أفضل، وكان محمد صاحب المبادرات الدائمة، والحلول حينما تتعسّر الأمور... أوليس هو من يكرّر دوماً: "إنّ الله موجود"؟!، فلم يعدم وسيلة للتخفيف عن أمه، ولم تغمر قلبه سعادة كتلك التي تملأ روحه عندما يراها مرتاحة البال هادئة النفس. وكم كان يؤنسها مشهد عودته حاملاً أكياس الخضار والفاكهة من عمل قام به وبسمته تسبقه.

*مرشد الأُسرة الدينيّ
ابن خمس سنين كان يذهب إلى المسجد قرب المنزل، فيستأنس كثيراً بحديث الشيخ، يحفظه ويعود إلى أمّه ليخبرها به. وكان يلفت نظرها إلى الالتزام بالحجاب. كما إنه قد احتفظ برداءٍ طاهرٍ لنفسه يصلّي عليه. ولم يألُ جهداً في سبيل الانتقال بعائلته من جوِّ تديّن تقليدي إلى جوٍّ ملتزم. وكما وضع نفسه مسؤولاً، إلى جانب إخوته الكبار، عن رعاية الأسرة ماديّاً، فقد لعب أيضاً دور المرشد الديني والموجّه الاجتماعي لهم.

تميّز محمد بتطبيقه الحديث الشريف: "وأحبّ لأخيك ما تحب لنفسك"، وما أحبّ شيئاً إلّا وآثر الآخرين على نفسه، أو تقاسَمَه معهم، حتّى حنان الأم لم يستأثر به، ففي مرة تخلّفت أمّ أحد رفاقه في المبرة عن القدوم، فطلب من أمه اصطحابه معهما، فقد عزَّ عليه رؤية دموع رفيقه، وهل يشعر باليتيم إلّا اليتيم؟!

*مقاوم صغير
تابع محمد دراسته بجدٍّ، فدرس المحاسبة إلى جانب عمله، إذ كان كلّ فترة يوجد لنفسه عملاً يساعده في مساندة العائلة، وكان آخرها سائق سيّارة أجرة، إلى جانب عمله في المقاومة الإسلامية، وكان لا يتجاوز الخامسة عشرة عندما قرّر الالتحاق بأولى الدورات العسكريّة. عاد يوماً إلى أمّه باكياً مكسور الخاطر، لأنّ طلبه قد رُفض، لِصِغَر سنه، فما كان منها إلّا أن أمسكت بيده وذهبت معه إلى المعنيّ بالأمر، وطلبت منه قبول ولدها، فكان لها ما أرادت، فطار النوم من عيني محمد الذي انتظر أياماً قليلة قبل أن ينطلق بحماسته المتوقّدة إلى عالم سرعان ما خالط لحمه ودمه... ومن دورة إلى أخرى راكم محمد خبرةً وافيةً، أهّلته ليكون مدرباً فيما بعد...

"السعادة العارمة" هي ما يشعر به محمد عند وجوده في عمله، فيستغرب أهله تلك الملامح التي تنبضُ بالحياة حينما يحين موعد التحاقه به، ولم يقتصر عمله على العسكر، فقد تطوع في الدفاع المدنيّ وشارك في حرب تموز 2006م كأحد المسعفين، فاختزنت ذاكرته مشاهد مرّوعة لم تفارقه أبداً.

*الله لا يخذل عبده
حينما قرّر محمد الزواج، لم يكن بعد قد جمع ما يكفيه لتلك الخطوة، فاستنكرت أمّه عليه قراره، وطلبت منه تأجيل ذلك ريثما يجمع ما يساعده على الإقدام على هذه الخطوة بثبات، ولكنّه هدّأ بالها بتوكّله المطلق "إنّ الله موجود". وما إنْ خطا الخطوة الأولى في مشروعه حتّى تيسّرت أموره أمام ذهول أمّه التي أيقنت أن الله لا يخذل عبداً اتّكل عليه.

تزوّج محمد ورزق ولدين، وعادت ذكريات طفولته ترتسم أمامه مع ولديه، فيستذكر الأيام الخوالي مع أبيه، وأحبَّ أن يعوّض معهما ما حُرم منه، وهيّأ لهما أرضيّة إيمانيّة خصبة وبيئة ملتزمة، وحرص على تعويض الأيام التي يغيب فيها عنهما، حتى لاحت بارقة الجهاد في سوريا، فخفق قلبه العاشق، وسعى لنقل عمله إلى هناك.

*شيء في السماء لم يرَه سواه
كانت المرة الأولى التي يتوجّه فيها محمد إلى سوريا، وقد جرّب أن لا يخبر والدته بالأمر حتّى لا يصعب عليها موقف الوداع، وآثر توديع إخوته خارج المنزل بعيداً عن ناظريها، ولكن ما يُخفى عن عينَي الأم، يهمس به قلبها، فصارت تشيح بوجهها عن النظر إلى ابنها وقلبها ينقبضُ من جمال ارتسم على سحنته، ولكن الموعد حان، فمضى إليه بنفس هادئة وقلب مطمئن تاركاً ولديه في رعاية الله، أوَليس الله بكافٍ عبده؟!

في الخالديّة بمدينة حمص، وبعد مضيّ أحد عشر يوماً من المرابطة، رمى محمد صاروخاً على الأعداء، وما إن أطلّ برأسه من النافذة حتى أصابته رصاصة في قلبه فسقط بين يدي صديقه. نظر محمد مهدي إلى السماء وضحك ضحكة رقيقة، قائلاً من أعماقه: "يا الله!".. وأطبق عينيه على شيء لم يرَه أحد سواه...
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع