تثار بين الحين والآخر الحوارات الفكرية الساخنة، والهمسات الموجسة و الخائفة على إنجازات الحاضر والمستقبل، وكل ذلك من منطلقات سليمة لا نستطيع المزايدة على قائليها ومطلقيها.
إلا أننا نخاف على أنفسنا من أن تضيع في حمأة الكلمات التي تخدم المشاريع المشبوهة والتي تريد لنا الاستسلام لقد الثقافات الأخرى أو السخافات، وكأننا بلا هوية ثقافية أصيلة ومتأصلة ومتجذرة في النفوس بحيث لا يمكن اقتلاعها مهما صنع أعداؤها لأنها منيعة حصينة، وكأننا بلا رسالة أنزلها بارئ الخلائق أجمعين على رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وآله وبلا تاريخ وتراث وأمجاد وثورات باتت تشكل عناوين لحضارة طرحنا الثقافي والفكري ومن ذلك كربلاء الحسين عليه السلام وكأننا بلا حاضر كَبُرَ وتعملق حتى ملأ العيون وسحر القلوب ومن ذلك ثورة الإسلام في إيران، والمقاومة الإسلامية في لبنان، هذا بالإضافة للانتفاضة في فلسطين وفي الجزائر و تونس و العراق والأردن ومصر...
أمام هذا هل يمكن لعقيدة ما أن تصنع ما صنعته العقيدة الإسلامية؟ وهل يمكن لأي ثقافة أن تحوِّل الناس من عناصر لا همّ لهم في الدنيا إلا همّ الطعام والشراب إلى أشخاصٍ مضحين بحقٍ يتقدمون إلى الموت بشوق الطفل إلى ثدي أمه ويتحرَّقون شوقاً إلى نصرة المستضعفين في أي بقعة كانوا وذلك للهم الرسالي الكبير الذي أقلق حياتهم وأسهر ليلهم، وهم إذا ما سمعوا بمظلوم قضى تحت التعذيب أو مظلومة ذبحها قاتلها الصربي وهو يمارس الاغتصاب معها تذوب قلوبهم وتدمع أعينهم وتكاد تزهق أرواحهم، وإذا ما معوا بعملية جهادية لأبناء المقاومة الإسلامية ينفذونها ضد المحتلين تطير قلوبهم فرحاً وتطرب آذانهم شوقاً ورغبة فيما يسمعون؟ أما الثقافات الأخرى والإيديولوجيات ـ إن كانت ـ قد رقدت في متاحف التاريخ كما رقد منظرّوها في قبورهم وأجداثهم، حتى راح من يتحدث بها كأنه آتٍ من غابر الأزمان ينفض غبار الأعوام والعقود والقرون، بل كأنه قادم من كهف أو رقيم يتكلم بلغة عافها الدهر.
هذا عن الثقافات، أما عن الترهات التي تُقولب بأسلوب حضاري وفني تُزرع بأساليب متعددة من خلال الاستفادة من وسائل الإعلام الهادفة إلى استنفار الشهوات ووأد الطاقات وقتل ثقة المؤمنين بأنفسهم، فهي لا تخدع إلا السذج ولا تبهر إلا عمي البصيرة، وما على الواعين إلا اليقظة والتحرّز من الوقوع في مصائد حبائلها المنسوجة بخيوط العنكبوت، فثقافتنا الإسلامية بخطها المحمدي الأصيل وبخمينيها وخامنئيها عطرت أجواء الدنيا بعطر شذاها الفوّاح وهي التي صنعت المجاهدين والشهداء والاستشهاديين من بيئة يحيط بها منظرّو الهزائم وقاتلوا الآمال والمنفعلون بكل ما قيل ويقال، فالشاعر يقول:
|
فإن المسك بعض دم الغزال |
فإن تفق الأنام وأنت منهم |
فأين منها كل الثقافات الغربية التي وإن صنعت سياسيين ومحلِّلين ومكتشفين إلا أنها أنتجت أيضاً مجانين يملأون شاشات التلفزة بحركات بهلوانية تثير في الإنسان حيوانيته وشهواته ولا همّ آخر بعد ذلك.
فالمشكلة عندنا ليست أبداً في الثقافة التي نحمل، بل هي فينا، في أساليبنا، في طرحنا لها، في تقديمها للناس وفي ثقتنا بأنفسنا ولو بالقدر الذي يراه الأعداء فينا وهو أضعف الإيمان، فهلمّ إليها، نذود عنها، ونستبسل في سبيلها لندرك أن الأمل الذي نريد هو فينا وما علينا إلا إكمال السير في معراج الكمال.
فها هو شاطئ السعادة يلوح لطلاب الحرية وعشاق المعرفة، وها هي الفرصة الذهبية بين يدي الأحرار، فحذار من تفويتها وضياعها.
والسلام