نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

عقيدة: إثبات الصفات الإلهية

تحدثنا في الحلقة الماضية عن الأدلة التي تثبت وجود الله تعالى، وذكرنا أيضاً بعض الأدلة التي تفيد التوحيد وعدم وجود شريك لله جلَّ وعلا. وبذلك تكون صفة التوحيد أول الصفات الإلهية التي تمّ إثباتها. في هذه الحلقة ستتعرض لصفات كمالية أخرى ونبين الأدلة والبراهين عليها.

● العليم
العلم من الصفات الكمالية الأساسية التي اتصف بها الله تعالى، علماء الإسلام والعقائد الإسلامية يعتمدون طرقاً متنوعة لإثبات علم الله المطلق، سنشير إلى دليلين منها.
الأول: إن من يخترع أية آلة أو جهاز، فهو قطعاً مطلعٌ إطلاعاً تاماً على كل أجزاء هذه الآلة- أو الجهاز- وكيفية عملها. هل يمكننا أن نتصور شخصاً يصنع طائرة مثلاً- حقيقة وواقعاً- ولكنه لا يعلم بأجهزتها الفنية ودور كل جهاز وموقعه؟ أو أن يؤلف شخصٌ دائرة معارف في مختلف العلوم دون أن يكون مطلعاً على المسائل التي ألّفها هو وكتبها بنفسه؟.
إن الأثر يدل على المؤثر، وكل مصنوع منسّق ومرتب بشكل دقيق ومحكم يدل على أن صانعه عليم وحكيم، وعلى هذا الأساس، فلو نظرنا إلى مخلوقات العالم- من الذرة إلى المجرة- سوف نجد أنها مخلوقة ومسيرة على أساس قوانين ونظم في غاية الروعية والتدبير. وهذا يدل بشكل واضح على أن عالم الوجود أبدعه مبدأ عالم وحكيم. القرآن الكريم يشير إلى هذا المعنى بألطف عبارة فيقول في سورة الملك- الآية 14: ﴿ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير﴾.

الثاني: إن الوجود المطلق واللامتناهي لله جل وعلا، والذي هو محيط. بجميع الكائنات وظواهر العالم دليل آخر على علم الله بكل شيء لأن من كان كل شيء حاضراً عنده فهو بالتأكيد محيط بكل شيء ومطلع وعالم بكل شيء. أما الموجود المحدود بزمان معين أو مكان محدّد لن يستطيع أن يطلع على غير ذلك الزمان والمكان والأمور المختصة بهما على أقصى التقادير. ولتقريب المعنى إلى الأذهان نضرب المثالين التاليين:
أ- لو فرضنا أن نملة صغيرة تمشي على سجادة كبيرة مزركشة بمختلف الألوان الزاهية. هذه النملة الصغيرة ترى في كل لحظة لوناً واحداً فقط من ألوان السجادة ومن جهة خاصة بها. أما الإنسان الواقف إلى جانبها فإنه يرى جميع ألوان السجادة بنظرة واحدة وفي نفس الوقت، إن الفرق بين الإنسان والنملة هو أن النملة ليس لها الإحاطة التامة بظاهر السجادة أما الإنسان فله ذلك.

ب- لو جلسنا في غرفة صغيرة ونظرنا إلى الطريق المقابلة للغرفة والتي يمر عليها قافلة من الجمال المحمّلة بالبضائع المختلفة. لو كانت الفُتحة التي تنظر من خلالها إلى الطريق صغيرة فإننا سوف نرى في كل لحظة جملاً واحداً فقط. ولن نرى الجمل الذي مضى ومر أو الجمال التي لم تأتِ ولم تمر بعد. ولكن لو صعدنا سطح المنزل ونظرنا إلى الطريق من الأعلى حيث تكون الفتحة واسعة جداً ولا يحدّها شيء فإننا سوف نرى القافلة بأجمعها- سواء الجمال التي مضت أو المقابلة لنا مباشرة أو التي لم تأت بعد.


إن علم البشر بالنسبة للماضي والمستقبل وبالنسبة لكثير من الكائنات الموجودة في العالم، مثل الشخص الجالس في الغرفة الصغيرة وينظر إلى قافلة عظيمة من خلال نافذة صغيرة جداً أو مثل تلك النملة الصغيرة التي لا ترى أكثر من ميلليمتر واحد.
أما الله العظيم الخالق المبدع لعالم الوجود بأسره، والذي لا يحدّه زمان ولا مكان بل هو محيط بكل شيء وحاضر عنده كل شيء، فهو عالم ومطلع على قافلة الوجود بأسرها سواء الماضي منها والحاضر أو المستقبل.


القرآن وعلم الله
من الصفات التي وردت في القرآن الكريم كثيراً صفة العلم. فهذا الكتاب المجيد يبين علم الله جل وعلا بطرق متنوة.
نذكر بعضاً منها:
1- ﴿وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم (الأنعام/10).
2- ﴿لا يعزب عنه مثقال ذرَّة (سبأ/3).
3- ﴿والله بما تعملون عليم (البقرة/83).
4- ﴿يعلم ما في السموات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون. والله عليم بذات الصدور (التغابن/4).


● السميع البصير
عندما ينظر الإنسان إلى الأشياء بعيون سليمة تحصل عملية معينة تسمى الإبصار. والإبصار يحصل عند الإنسان من خلال انطباع صورة الأشياء على شبكية العين، ثم انتقال هذه الصورة بواسطة الخلايا العصبية المختصة إلى المخ حيث مركز الإدراك، وبذلك تتم عملية الإبصار. كما أن السمع يحصل من خلال إستقبال الأمواج الصوتية بواسطة الأذن ونقلها إلى المخ.
صحيح أن القدرة الإلهية مطلقة، إلا أن القدرة تتعلق بالأشياء التي لها قابلية وإمكانية للتحقق
بطبيعة الحال لو فسرنا السمع والبصر بهذه الصورة. فالله جلّ وعلا لا يتصف بهاتين الصفتين بل لا يمكن وصفه بهما لأن الله جل وعلا ليس مثل الإنسان له عين وأذن. فهو كما تصفه الآية الشريفة ﴿ليس كمثله شيء.
الله تعالى منزه عن المادة وكل الأدوات والآلات والأعضاء المادية.
لكن لو أن شخصاً أطلع على كل المُبصرات والمرئيات من دون حاسة البصر، واطّلع على كل المسموعات وعلمَ بها دون حاسة السمع، وبدلاً من حضور صور الأشياء عنده فإن تمام المرئيات والمسموعات بواقعيتها وحقيقها حاضرة عنده، هذا الشخص قطعاً يمكن وصفه بأنه سميع بصيره.
إن حقيقة السمع والبصر هو العلم بالمسموعات والمُبصرات، والنشاط الذي تقوم به العين والأذن ليس سوى مقدمة للسمع والبصر.
وعليه، فالله المتعال المحيط بكل شيء مطّلع على جميع المبصرات والمسموعات، أو كل كائنات العالم وظواهر الوجود بجهاتها المختلفة حاضرة عنده، فهو السميع البصير.
 

السميع البصير في القرآن
القرآن المجيد يصف الله جل وعلا بأنه سميع بصير في مواضع كثيرة، نذكر بعضاً منها:
1- ﴿ليس كمثله شيء وهو السميع البصير (الشورى/11).
2- ﴿من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة وكان الله سميعاً بصيرا (النساء/ 114).
3- ﴿فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير(المؤمن/56).
4- ﴿الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء (إبراهيم/ 39)


● القدير
من الصفات التي نطلقها على الله الخالق العظيم القدرة، ومن أسمائه أنه القادر وهو على كل شيء قدير. والمقصود من كونه تعالى قادراً، أنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ولا في غيرهما. وبكلمة واحدة: قادر على كل شيء.
إن مطالعة ظواهر العالم ودراسة صور العظمة في الطبيعة من أهم الأدلة لإثبات القدرة المطلقة واللامحدودة لله تعالى. وبالرجوع إلى المصنوع والحقائق العظيمة المودعة في عجائب الطبيعة وأعماق نفس الإنسان تظهر عظمة الخالق سبحانه وقدرته اللامتناهية.
البشر في عين التقدم العلمي الواسع، حتى الآن لم يستطيعوا أن يدركوا أسرار عظمة هذا الكون الكبير العلماء الكبار يقولون إنه بالرغم من كل هذه الاكتشافات العلمية الجبارة فإن مجولاتنا أكثر بكثير من معلوماتنا، بل إن ما نعلمه عن العالم لا يساوي شيئاً أمام ما نجهله عنه. إن هذه المخلوقات المتنوعة من الحيوانات الصغيرة إلى الغيلان الكبيرة الضخمة، وما يعيش في أعماق البحار والمحيطات، وهذه النجوم الكثيرة والكواكب المتعددة والشمس والمجرات والسحب وغيرها من الظواهر الكونية المذهلة؛ كل ذلك ألا يدل على عظمة الخالق وقدرته المطلقة.
ويوجد طريق آخر لإثبات القدرة الإلهية المطلقة. فكما أن الفطرة الإنسانية تقود إلى الإيمان بوجود الله تعالى فهي كذلك تهدي إلى القدرة المطلقة لله العظيم.
في مواطن الشدة والبلاء، وعند انقطاع كل الأسباب والوسائل الطبيعية والظاهرة للنجاة والخلاص، يتوجه الإنسان بشكل لا إرادي إلى قدرة عظيمة قادرة على دفع البلاء ودرء الخطر عنه، وهذه القدرة العظيمة القادرة على كل شيء هي القدرة الإلهية المطلقة التي لا يعجزها شيء.
 

تجلّي القدرة
لا يمكن تصوّر حد للقدرة الإلهية. فبمجرد أن تتعلق الإرادة بأمر ما فإنه يتحقق مباشرة. ﴿إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون (يس/82).
فالأمر الكبير والصغير، الخطير والحقير، المشكل والصعب، والبسيط والسهل، والذي يحتاج إلى وقت طويل أو قصير؛ كل هذه من خواصّ الموجود المحدود ذي القدرة المحدودة، لكن في عالم الذات الإلهية والصفات المطلقة اللامتناهية لا تُطرح مسألة القلة والكثرة والكبر والصغر والصعوبة والسهولة وغيرها، ولا يمكن تصور العجز والضعف هناك. ﴿وما كان الله ليعجزه من شيء في السموات ولا في الأرض إنه كان عليماً قديراً (فاطر/44).
 

القدرة الإلهية والأمر المحال
عندما نقول أن الله قادر على كل شيء، يجب أن نلتفت دائماً إلى أن القدوة تتعلق بالأمور الممكنة. أما الأمور التي لا يمكن تحققها عقلاً فهي خارجة عن دائرة أعمال القدرة كلياً واستعمال كلمة القدرة أو عدم القدرة في خصوص المحالات غير صحيح ولا معنى له.
صحيح أن القدرة الإلهية مطلقة وغير محدودة، ولكن القدرة تتعلق بالأشياء التي لها قابلية وإمكانية للتحقق. فالشرط الأساس لتعلق إرادة الله وقدرته بشيء أن لا يكون محالاً وأن تكون له قابلية للوجود وإلا فلن بوجد. نحن نعلم أن البحر مليء بالماء وهو أضخم وأعظم المصادر للحياة على الأرض. ولكن لو غرفنا منه بدلو يتسع لعشرين ليتراً من الماء، فمن الطبيعي أن هذا الدلو لن يستوعب أكثر من عشرين ليتراً وهذا ليس لأن ماء البحر قليل وإنما لأن الدول ليس له قابلية للاستيعاب أكثر من هذا. وهكذا لو غرفنا من البحر بغربال فإنه لن يأخذ من الماء شيئاً لأن الغربال ليس له قابلية استيعاب الماء وحفظه. وهكذا فالأمور المستحيلة والتي لا يمكن أن توجد لا تتعلق بهذا قدرة الله تعالى ليس لأن القدرة محدودة بل لأنها أمور ليس لديها قابلية استيعاب الوجود.
فمن يقول هل يقدر الله تعالى أن يخلق شريكاً لخ أو مخلوقاً أقوى منه أو أن يجعل العالم في بيضة لا تكبر البيضة ولا يصغر العالم، فهو في الواقع لا يطلب شيئاً لأن ما يطلبه محل وليس ممكناً، وليس له قابلية الوجود. فهو ليس بشيء. الشيء هو ما كان له قابلية لأن يوجد.
 

يروى أن شخصاً سأل أمير المؤمنين عليه السلام، هل يستطيع ربك أن يجعل العالم داخل بيضة؟
فأجاب عليه السلام (ما معناه): إن الرب العظيم لا يعجزه أي شيء، ولكن ما سألت عنه ليس بشيء بل هو أمر غير ممكن.
يحسن الناس في القرى الظن ببعضهم إلى درجات المبالغة أحياناً. كنت أجمع عربات التسوق خارج دكان البقالة الذي أعمل فيه حين ظهر رجل وامرأة في سيارة جديدة أمام المحل إفترضت من خلال ورقة التعريف بالسيارة وسعرها الموجود على الشباك أن هذين الزوجين يتفحصان السيارة بغية شرائها، فسألت: "قيادة تجريبية"؟ عندها حدّق الرجل فيّ ملياً ثم هز رأسه، أعطاني المفاتيح، وقال: "لا بأس".

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع