تحقيق: نقاء شيت
يُقال إنّ بلدة العديسة كان اسمها قديماً «خربة العدسة»، قبل أن تتوسّع حدودها ويصبح لها هذا الاسم الحاليّ، وهو تصغير لكلمة «عدسة» المشتقّة من كلمة العدس، وذلك يعود إلى انتشار العدس البريّ فيها على نطاق واسع.
تقع البلدة على الحدود الشرقيّة لفلسطين المحتلّة، وهي محاذية اليوم لمستعمرة مسكاف عام. تحدّها كفركلا شمالاً، ومركبا وهونين (من القرى السبع المحتلّة) جنوباً. أمّا من جهة الغرب، فتحدّها بلدتَا الطيبة وربّ ثلاثين. إدرايّاً، تتبع العديسة لقضاء مرجعيون ومحافظة النبطيّة. أمّا قضائيّاً، فهي تابعة لمحكمة مرجعيون.
• تاريخ العديسة المقاوم
عانت العديسة من الاحتلال الفرنسيّ لأكثر من 20 عاماً. كما يذكر التاريخ قصصاً كثيرة تروي سيرة أهلها الذين ما رضخوا للمحتلّ الفرنسيّ، بل واجهوه وثاروا ضدّه، حتّى حُكم على عددٍ منهم بالإعدام والنفي والسجن، وكان من أبرزهم صادق حمزة.
كانت هذه البلدة الجنوبيّة من أُولى القرى التي احتلّها العدوّ الصهيونيّ في العام 1977م، فعاش أهلها مرارة الاحتلال والتنكيل.
يستفيض رئيس بلديّة العديسة، الأستاذ محمّد رمّال، في حديثه عن البلدة، ويخبرنا أنّ لها ميزة استراتيجيّة جعلتها ممرّاً رئيساً للوافدين من فلسطين والعائدين إليها في ذلك الوقت؛ فهي تقع في وادٍ تحدّه 4 جبال تشكّل مواقع عسكريّة مهمّة جدّاً، يسيطر العدوّ على أحدها، ويُعدّ أهمّ مواقعه العسكريّة، ويسمّى «تلّة مسكاف عام».
• مرحلة الاحتلال الإسرائيليّ
يخبرنا الأستاذ رمّال أنّ جيش لحد أحكم سيطرته على العديسة في ذلك الوقت، كما هو حال قرى جنوبيّة حدوديّة عدّة، مضيفاً أنّ عدداً كبيراً من أهالي البلدة اضطرّوا في تلك الفترة إلى النزوح نحو القرى المجاورة ومناطق بيروت والشمال، في حين بقيت بعض العائلات في القرية تعاني من غطرسة الاحتلال وهمجيّته.
استمرّ احتلال العديسة حتّى العام 2000م، حينما دحرت المقاومة المحتلّ الإسرائيليّ من جنوب لبنان في معركة التحرير التي استمرّت 15 سنة.
وقد عاشت البلدة يومها عرس النصر كما باقي البلدات المحرّرة، وبقيت شعلة المقاومة فيها ساطعة حتّى أينعت ثمارها في حرب تمّوز من العام 2006م، حيث كانت أولى القرى التي حاول العدوّ احتلالها مجدّداً، ولكنّه فشل أمام استبسال المجاهدين في الدفاع عن أرضهم، وسقط له قتلى في تلك المعارك وصل عددهم إلى 12 قتيلاً، ما أجبره على قصف البلدة وتأمين انسحاب جنوده تحت غطاء ناريّ، من دون التمكّن من التوغّل ولو لشبر واحد داخل حدود البلدة.
• طوفان الأقصى وإسناد غزة
يكمل رئيس البلدية حديثه، ليشرح أنّ العديسة كما باقي قرى الشريط الحدوديّ، كانت جزءاً من معركة الإسناد لغزّة منذ الطلقة الأولى في السابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر من العام 2023م، حيث كانت المقاومة تحكم سيطرتها على كامل الحدود، فاستمرّ وجود الأهالي فيها بشكل ملحوظ لنحو تسعة أشهر، على الرغم من تعرّضها لغارات إسرائيليّة كثيفة، ارتقى نتيجتها عددٌ من الشهداء.
مع بداية معركة أولي البأس، حاول العدوّ الإسرائيليّ اجتياح البلدة والدخول إليها عبر التسلّل والهجوم البرّيّ، لكنّ المجاهدين تصدّوا لتلك المحاولات، مع إصرارهم على الثبات فيها وعدم الانسحاب من الخطوط الأماميّة، لئلّا يسمحوا لجنود العدوّ بالتقدّم نحوها، فسطّروا بدمائهم الزكيّة وأرواحهم الطاهرة ملاحم بطوليّة سيظلّ يحكي عنها التاريخ للأجيال اللاحقة.
• بطولات أولي البأس
عن تفاصيل هذه المعارك، يخبرنا الأستاذ رمّال أنّ منطقة المحافر في العديسة، التي عايشت بطولات عظيمة، كانت ستشهد عمليّة أسر لجنود إسرائيليّين، إلّا أنّ العدوّ الغدّار كان في اللحظة الحاسمة يستخدم سلاح الجوّ لينفّذ غارات حربيّة على المنطقة، غير آبه بجنوده، الذين يفضّل التضحية بهم وقتلهم على أن يقعوا في قبضة مجاهدينا. ونتيجة لهذه الغارات، كان يرتقي عدد من الشهداء من أبطالنا المقاومين في أرض المعركة.
قدّمت البلدة نحو 22 شهيداً على مدى حرب الستّين يوماً، و47 شهيداً مقاوماً من أوّل حرب الإسناد.
• يوم العودة إلى العديسة
عن عودة الأهالي بعد وقف إطلاق النار، يرتسم المشهد في عينَي رئيس البلديّة، وتظهر على وجهه علامات السعادة، ليخبرنا أنّه منذ السابعة والنصف صباحاً، كانت قوافل الأهالي جاهزة للانطلاق نحو البلدة ودخولها، على الرغم من إطلاق العدوّ الصهيونيّ النار عليها من جهة الطيبة، ما أدّى إلى ارتقاء شهيدين ومع ذلك، تمكّن الناس من الدخول إليها والبدء بانتشال جثامين الشهداء وتكريمهم بما يليق بهم.
يؤكّد الأستاذ رمّال أنّه منذ ذلك اليوم، يحاول أبناء العديسة العودة إلى ممارسة حياتهم من جديد، على الرغم من كلّ ما أحدثه العدوّ فيها من خراب وتدمير لكامل بنيتها التحتيّة، مضافاً إلى تقسيمها إلى قسمين: الأوّل باتّجاه كفركلا، فيصعب الوصول إلى ذلك القسم مع استحداثه مواقع بمحاذاة الخطّ الأزرق. والثاني باتّجاه الطيبة وربّ ثلاثين، ويمكن الوصول إليه نوعاً ما.
أمّا أبرز الأمور التي يشكو منها الأهالي، فهي الطائرات المسيّرة التي تحلّق في أجواء بلدتهم بشكل متواصل. كما يذكر الأستاذ رمّال أنّ الوضع الأمنيّ في المنطقة يعوق حتّى الآن عمليّة رفع الأنقاض وإعادة الإعمار، مشيراً إلى أنّ أيّ محاولة يقوم بها أهالي البلدة وغيرها من البلدات الحدوديّة في هذا الخصوص، تواجه بغارة صهيونيّة.
وعلى الرغم من هذا الواقع، يؤكّد أنّ بعض العائلات قد عادت إلى البلدة وسكنت فيها، وأنّ الكثير من شبابها يقضون معظم نهارهم فيها ويعودون ليلاً إلى أماكن نزوحهم الحاليّة. وما هذا إلّا دليل على أنّ العدوّ لن يتمكّن يوماً من إخضاع عزيمة شعب اتّخذ من قضيّة الإمام الحسين عليه السلام نهجاً ورسالة حياة.