مع الخامنئي | التبيين في نهج السيّدة الزهراء عليها السلام* تسابيح جراح | من الانفجار... وُلد عزّ لا يُقهر عمائــــــم سلكت درب الشهادة (1) مناسبة | التعبئة روح الشعب الثوريّة مجتمع | متفوّقون... رغم الحرب آخر الكلام  | إلى أحمد الصغير القويّ قيم الحياة الزوجيّة في سيرة أهل البيت عليهم السلام سيرة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم نموذجُ الحياة الطيّبة الإمام عليّ عليه السلام مظهرُ العدالة والإصلاح برّ الوالدين في سيرة أهل البيت عليهم السلام

عمائــــــم سلكت درب الشهادة (1)

تحقيق: نانسي عمر


لم تكن العمامة يوماً، منذ انطلاقة المقاومة، حاجزاً بين صاحبها وميادين الشرف. ولم يكن سيّد شهداء المقاومة الإسلاميّة السيّد عبّاس الموسويّ وشيخها الشيخ راغب حرب (رضوان الله عليهما) إلّا قدوة في التقدّم نحو ساحات التضحية والفداء. وعلى طريق الشهادة، ارتسمت أسماء علماء كثيرين دُوّنت أسماؤهم في سجلّات الخلود، كان آخرهم سيّد شهداء المقاومة سماحة السيّد حسن نصر الله ورفيق دربه الشهيد السيّد هاشم صفي الدين (رضوان الله عليهما)، اللذين أكّدا بشهادتهما في معركة أولي البأس أنّ أمّة قادتها شهداء لا يمكن أن تركع أو تخضع.
نطلّ في هذا التحقيق على عدد من علماء الدين الذين التحقوا بركب الشهداء منذ اليوم الأوّل لهذه المعركة.

 
• الشيخ نبيل قاووق
هو «شيخ الانتصار الأوّل»، كما يحبّ الكثيرون تسميته، فهو الذي كان حاضراً في تحرير العام 2000م بعقله وقلبه ووجدانه، وهو القائد السياسيّ والميدانيّ الذي لا يعرف الكلل أو الملل، والمبلّغ والمرشد الدينيّ الذي تشهد له المنابر بحسن اطّلاعه وعمق معرفته وتديّنه، وقد كان أسرع اللاحقين بسيّد شهداء الأمّة، إذ استشهد في اليوم التالي لشهادته، ليترافقا في الجنان كما ترافقا في الدنيا.
من أبرز ما ميّز الشيخ الشهيد علاقته الخاصّة بالقرآن الكريم، بحيث كان مواظباً على قراءة ثلاثة أجزاء منه في كلّ ليلة وقوفاً، تأسّياً بالنبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم واقتداءً به، على الرغم من انشغالاته الكثيرة. ولم يمنعه أيّ حدث أو مناسبة من أداء هذا البرنامج، فهو حتّى ليلة شهادة سماحة السيّد (رضوان الله عليه) افترش سجّادة صلاته وأكمل برنامجه المعتاد، مع أنّ المصاب جلل والمسؤوليّة أصبحت أعظم.
تنقل كريمته كيف تأثّر أبناؤه وأحفاده بعلاقته بكتاب الله تعالى، حتّى باتوا كلّما اشتاقوا إليه قرأوا آيات من القرآن الكريم. وتقول: «ابنتي مثلاً، ذات الأعوام التسعة، كلّما اشتاقت إلى جدّها تقرأ بعض الآيات وقوفاً تأسّياً به وتهديها له».

• الشيخ عبدو أبو ريّا
هو العالِم الجليل وإمام البلدة، الذي ترك فيها أثراً كبيراً حتّى بعد شهادته، فلا يأتِ أحد على ذكره إلّا وبكى تأثّراً. بعد استشهاد رفيقَي دربه الشيخ علي أبو ريّا والسيّد محمّد صالح (رضوان الله عليهما) في أوّل يوم من العدوان، لم يستسلم للحزن ولم يتوانَ عن خدمة الناس حتّى آخر لحظة من حياته الشريفة.
تقول فاطمة ابنة الشهيد: «بعد شهادته، اكتشفنا شخصيّة أخرى لوالدي لم نكن نعرفها من قبل، فقد كان شديد الكتمان، ومتواضعاً جدّاً، وصاحب صدقة السرّ التي تركت أثراً كبيراً في قلوب الناس، وخصوصاً طلّابه وأهل قريته، الذين كانوا يجدون في أخلاقه وتواضعه طيفاً من أخلاق أمير المؤمنين عليه السلام وحلمه وعلمه وشجاعته».
إلى اليوم، لم يترك الشيخ أبو ريّا أهل قريته الذين أحبّهم وأحبّوه، فهو يزورهم في عالم الرؤيا، يطمئنّ على مريضهم، ويستفسر عن أحوالهم، ويجيب عن أسئلتهم، وقد ذكر لبعضهم في المنام عبارة: «ابحثوا عن سرّ العمامة»، ذلك السرّ الذي لم يكتشفه أحد حتّى اليوم.
تنقل فاطمة عن والدها، أنّه وقبل يومين من شهادته، كان جالساً مع أحد طلّاب الحوزة من أبناء قريته، يوصيه بأهلها، ويطلعه عمّا يجب أن يقوم به بعد شهادته، حتّى إنّه قال له: «إذا استشهدت، فعليك بارتداء العمامة لتكمل الطريق من بعدي، لأنّني آخر عالِم دين معمّم في القرية، ويجب أن يكون ثمّة أحد آخر يملأ هذا الفراغ». فصدق حدسه، إذ استشهد هو والسيّد إبراهيم ياسين.

• الشيخ أحمد العوطة
يتحدّث فضيلة الشيخ علي إسماعيل، وهو صديق الدراسة الحوزويّة، عن الشهيد الشيخ أحمد العوطة بلسان المشتاق تارة والفخور تارة أخرى؛ فهو الذي عاشر الشهيد منذ الأيّام الأولى للدراسة في الحوزة، واستمرّت العلاقة بشكل شبه يوميّ إلى ما قبل الشهادة التي كان ينتظرها الشيخ العوطة ويتمنّاها.
«كلّ صفات الشيخ أحمد مميّزة»، هكذا يعبّر الشيخ إسماعيل، ويتابع: «لكن، أكثر ما يلفتك فيه، اتّزانه ورصانته، فهو شخص ناضج يزن كلّ كلمة أو موقف أو سلوك، وهذه الشخصيّة الرصينة تكشّفت معالمها أكثر بعد ارتدائه العمامة وانخراطه في التبليغ الدينيّ».
عُرف الشيخ العوطة بصفات أخرى لا تخفى على أحد، وأهمّها حبّه لخدمة الناس والسعي إلى قضاء حوائجهم، بحيث كان يتابع بكلّ اندفاع ومحبّة، أيّ طلب أو حاجة يُطلبان منه حتّى يوفّق في قضائهما. هذا مضافاً إلى كرمه وشجاعته وتديّنه القويّ الذي يجسّد بحقّ حالة طالب العلم الحوزويّ بالفعل لا بالقول فقط.
يخبرنا الشيخ إسماعيل كيف كان الشهيد يعبّر عن انزعاجه بسبب عدم استدعائه للحرب منذ اندلاعها قبل سنتين، وهو الذي كان ينتظر بفارغ الصبر الالتحاق بالمقاومين في الجبهات، ورفض الابتعاد عن بيروت بانتظار استدعائه في أيّ لحظة لتأدية الواجب الجهاديّ، ونيل شرف المقاومة والشهادة.

• الشيخ طليع زين الدين
هو قارئ العزاء المتواضع والمبلّغ المحبوب الذي لم يترك أيّ تشييع لشهيد إلّا وحضره، حبّاً بالشهداء وشوقاً للَّحاق بهم. تنقل عنه ابنته بتول كيف كان يطلب منها دوماً أن تدعو له بالشهادة، وتقول: «حضر مرّة في تشييع شهيد من بلدة عيترون، وقد رأى حينها أنّه لم يتبقّ من جثمان الشهيد إلّا بعض الأشلاء التي لا يتجاوز حجمها كفّ اليد الواحدة. وعند عودته، أخبرني بما رأى، وأنّه يتمنّى لو ينال شهادة مشابهة لا تُبقي منه أثراً. وفعلاً، بقي جثمانه مفقوداً مع أفراد عائلته طيلة أيّام الحرب، ولم نتأكّد من شهادته هو وعدد من أفراد عائلته إلّا بعد انتهائها بأيّام عدّة، فلم نجد منهم إلّا بعض الأشلاء». كما تنقل ابنة الشهيد أنّ أحد الأشخاص رآه في المنام طالباً منه تأجيل الدفن، لأنّهم سيجدون أشلاء أخرى في مكان معيّن. وهذا ما حصل، فبعد أيّام وجدوا أشلاء في ذلك المكان.
هذه الشهادة المميّزة للشيخ طليع زين الدين مع عدد من أفراد عائلته كانت دليلاً على كرامة إلهيّة استحقّها بأخلاقه وإيمانه وحبّه لأهل البيت عليهم السلام، فهو الذي كان يردّد يوميّاً أنّ كلّ ما لدينا هو ببركة الإمام الحسين عليه السلام . بالإضافة إلى دراسته في مرحلة البحث الخارج، كان مبلّغاً دينيّاً ومدرّساً يتعامل مع طلّابه بكلّ حبّ وأبوّة، خصوصاً أيتام الشهداء الذين كان يخصّهم دائماً بالهدايا والعطف والحنان. كذلك، كان الشيخ الشهيد من قرّاء العزاء الذين تركوا أثراً كبيراً في قلوب كلّ من استمعوا إلى قصائده ومحاضراته ورواياته، التي كان يختارها بعناية ودقّة.

• شركاء العلم والجهاد
كثيرون هم علماء الدين الذين جسّدوا القول بالفعل، وحملوا عمامة الطهر رمزاً للتضحية والفداء، كما هي رمز للعلم والمعرفة. أسماء كثيرة لا يتّسع المقام لذكرها، لكنّها حتماً دُوّنت في سجلّات الخلود عند الله تعالى، ليبقى أثر هؤلاء حاضراً بيننا إلى حين تحقُّق النصر الكبير الذي قدّموا أرواحهم الطاهرة لأجله.
وفي العدد القادم نطلّ على مجموعة منهم أيضاً بإذنه تعالى.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع