مع الخامنئي | التبيين في نهج السيّدة الزهراء عليها السلام* تسابيح جراح | من الانفجار... وُلد عزّ لا يُقهر عمائــــــم سلكت درب الشهادة (1) مناسبة | التعبئة روح الشعب الثوريّة مجتمع | متفوّقون... رغم الحرب آخر الكلام  | إلى أحمد الصغير القويّ قيم الحياة الزوجيّة في سيرة أهل البيت عليهم السلام سيرة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم نموذجُ الحياة الطيّبة الإمام عليّ عليه السلام مظهرُ العدالة والإصلاح برّ الوالدين في سيرة أهل البيت عليهم السلام

قصة | أحمد كلّ الحكاية*

ميثم قصير


كانت تنظر إليهم جميعاً بعين الزمن لا بعدد السنين، ولكنّها كانت تفضّله، كأيّ أمّ يجذبها طفل محدّد من بين أطفالها كلّهم، وترسم له عمراً مديداً ومستقبلاً زاهراً.
أمّا هو، فلم يكن ولداً ضعيفاً كالأولاد الذين يغدق عليهم أهلهم أنواع الدلال، بل كان يأخذ الحبّ منها ليفيضه على إخوته ورفاقه، ويحوّل قسوة الزمن صلابةً وغضباً ضدّ الظالمين، «ومن قال بأنّنا لا نستطيع، بل بالتوكّل قادرون، سأريكم ما أنا فاعلٌ بهم»، قالها مراراً، جهاراً، نهاراً. وفعلاً، عاد إلى وطنه لينفّذ قسمه، علّه ينقذ أهل بلده من وحش استباح قراهم.

• «لن تجدوه»
مذ أوّل وصوله، شرع في بثّ روح الثورة في كلّ مكان بين رفاقه، وإخوته، وأهل بلده. لم يترك أيّ وسيلة إلّا واستفاد منها؛ غَضِبَ، اعترضَ، صَرَخَ، وتعارك مع المحتلّين.
لم يبقَ إلّا أن ينفّذ قسمه، ولكن ما زالت أمامه خطوةٌ واحدة، نظر إلى إخوته نظرة ثاقبة ليختار منهم خليلًا يلقّنه فنون التحدّي ويفضي إليه ببعض الأسرار. تأمّل قليلاً ثمّ نادى: «محمّد»، وكأنّ القدر ساقه إلى سميّه الذي يصغره بأربع سنوات، سنوات لم تكن عائقاً ليصنعه كما يريد، فأشركه في الأعمال كلّها، بل وحباه بوصيّة خاصّة، وأعلمه بقسمه، وأمره بالكتمان، وأوصاه بإخوته.
بكى الصهاينة عند أعتاب جثث قتلاهم، فيما أسرّها محمّد في نفسه حين رأى أهله يبحثون عن أخيه، متمتماً: «لن تجدوه، لقد طوى الدروب كلّها ليستقرّ في القلوب»، ومضى يمرّغ أنوف المحتلّين عملاً بوصيّة أخيه.
انتهت غيبة الحبيب، واجتمعوا في القرية والكلّ يلهج بكلمةٍ واحدة: «أحمد»، تسعة عشر عاماً من الحبّ والقوّة، من العطف والصلابة، من الفطنة والإصرار، جمع صفاته كلّها اليوم في سلّة واحدة ونثرها بين إخوته.

• «سألتحق بكم»
وقف موسى متأمّلاً ومستذكراً كيف أصبح أخوه، الذي يصغره بعام، يملأ حياته كلّها؛ أحمد المعلّم، الأخ، الصديق، والملهم، الذي يرسم له طريقه. صاح منادياً: «محمّد، سألتحق بكم. لقد اتّخذت قراري». جاهد، جُرِحَ، وسعى كثيراً، لكن روحه ظلّت تبحث عن أحمد فمضى إليه سريعاً.
جلس حسن على تلّة مرتفعة، رمى ببصره بعيداً معاتباً نفسه: «أتممت تسعة عشر ربيعاً وما زلت هنا. ربّت محمّد على كتفه قائلاً: «لم يحن الوقت، لم تتحرّر أرضنا، ولم ننجز وصيّة أحمد، هلمّ معي». قاطعه حسن قائلاً: «سأشقّ طريقي كأحمد». اقتحم، اشتبك، جُرِحَ، حَرّرَ، ووقف بطلاً أمام سيّد المقاومة مستهزئاً بالعدوّ، صادحاً بأعلى صوته: «جبروتهم تحت قدميك». لم يغفل عن أيّ وسيلة ليقطع دابر الظالمين إلّا وقام بها.
لكنّ الحرب في تمّوز شرّعت أبوابها، نادى مخاطباً إخوته: «هذه فرصتي للّحاق بأحمد»، فأجابه ربيع: «لا يا أخي، ما زال أمامك الكثير، سأدخل عليهم فاتحاً ولن أعود، أحمد قد عبر باسم حيدر، واليوم أعبر باسم عليّ».

• إنّه الشوق
غبطت الأمّ قمرها بلقائه أحمد، فأسرعت اللحاق بهما. وقبل أن تغمض عينيها، نظرت إلى محمّد وحسن، وأوصتهما الإسراع في اللحاق بها. تفطّر قلب محمّد هذه المرّة، ولم يستطع كبح جماح الشوق، وكأنّ ذلك الجبل الذي ظلّ شامخاً أمام العواصف كلّها أضحى كوردة تتساقط منها قطرات الندى.
نظر إلى حسن وقال: «هيّا نهيّئ أنفسنا للرحيل». عملا معاً بجدّ، لم يتركا مؤامرة للعدوّ إلّا وحطّماها. حاول العدوّ تشويه صورتهما وقتلهما، لكنّهما كانا كما وعدهما الله؛ الأعلَون، لأنّهما مؤمنان. إلى أن جاء موعد الرحيل. اتّصل محمّد بأخيه حسن، وأخبره على عجل: «موعد سفري قد حان، وأنت لاحقٌ بي غداً».
كثرٌ ظنّوا أنّ أحمدَ مضى في التاسعة عشرة من عمره، لكنّهم عادوا وأجمعوا في كلّ مرحلة وعند ارتقاء كلّ شهيد من إخوته، أنّه حاضر وبقوّة، إنّه هنا، يرشدهم كأيّام الصبا، يفيض عليهم بعطفه، ويرسم لهم معالم الطريق.
لم يمضِ أحمد وإن مضى إخوته، ولم يحنث قسمه: «ومن قال بأنّنا لا نستطيع؟ بل إنّنا قادرون، سأريكم ما أنا فاعلٌ بهم».إنّهم أحياءٌ ولكن لا تشعرون.
 

*عن إخوة خمس مضوا على طريق الشهادة، بدأت حكايتهم مع أوّلهم أحمد قصير (فاتح عهد الاستشهاديّين).
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع