مع الخامنئي | التبيين في نهج السيّدة الزهراء عليها السلام* تسابيح جراح | من الانفجار... وُلد عزّ لا يُقهر عمائــــــم سلكت درب الشهادة (1) مناسبة | التعبئة روح الشعب الثوريّة مجتمع | متفوّقون... رغم الحرب آخر الكلام  | إلى أحمد الصغير القويّ قيم الحياة الزوجيّة في سيرة أهل البيت عليهم السلام سيرة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم نموذجُ الحياة الطيّبة الإمام عليّ عليه السلام مظهرُ العدالة والإصلاح برّ الوالدين في سيرة أهل البيت عليهم السلام

الافتتاحية | أحزاننا صنع أيدينا!

الشيخ بلال حسين ناصر الدين


هل تساءلنا يوماً عمّا يُثقل قلوبنا بالهموم والأحزان، دونما سبب ظاهر نتلمّسه؟ ولماذا تتحوّل بعض أيّامنا إلى أحمالٍ ثقيلة على الرغم من كلّ ما نملك من نِعم؟ قد نبحث عن أسباب هذه الأحزان خارج أنفسنا، لكنّ الحقيقة تكمن في أنّ كثيراً من أوجاعنا ننحتها نحن بأيدينا، كبناءٍ شيّدناه على غفلة منّا، ثمّ شكونا من ظلّه الذي يحجب عنّا الضوء!

إنّ الكثير من الآلام والأحزان التي تعتري قلب الإنسان ليس قدراً محتوماً يُجبر عليه من دون أسباب موضوعيّة، بل هو في الحقيقة نتائج طبيعيّة لأفعاله ولاختياراته. فلطالما كانت أفعاله وأهواؤه تولّدان شعور الأسى في داخله، ومن تلك الأسباب الموضوعيّة التي يغفل عنها الكثيرون: ارتكاب الذنوب، والتعلّق المفرط بالدنيا وزينتها.

إنّ للذنوب آثاراً خطيرة على قلب الإنسان ونفسه. هي بمثابة شوكة مسمومة إذا ما دخلت في القلب سرى سمّها فيه. وكلّما كثرت الذنوب، كثرت الأشواك المسمومة تلك، حتّى تغشي صفحة القلب وتجعله في حالة من القلق والتوتّر وعدم الاستقرار. لقد روي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنّه قال: «إذا أذنب الرجل خرج في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب انمحت وإن زاد زادت، حتّى تغلب على قلبه فلا يفلح بعدها أبداً»(1). وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة في أنّ المصائب تحلّ بالإنسان نتيجة ما كسبت يداه، كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ (الشورى: 30). وعن الإمام عليّ عليه السلام أنّه قال: «لا وجع أوجع للقلوب من الذنوب، ولا خوف أشدّ من الموت، وكفى بما سلف تفكّراً، وكفى بالموت واعظاً»(2). فالذنب كما نرى، ليس مجرّد معصية لها مفاعيلها الأخرويّة فحسب، بل يؤثّر أيضاً في القلب ويجعله في حالة من الألم والحزن.


من جهة أخرى، فإنّ تعلّق القلب بالدنيا ورهنَ السعادة بملذّاتها الزائلة، كالمال، والمنصب، والجاه، والمتاع، إنّما يعرّض صاحبه للحسرة والأسى. ذلك أنّ طبيعة هذه الأمور القابلة للزوال والفساد تجعل فقدانها أمراً محتوماً، ما يولّد الحزن في قلب الإنسان عند فقدها، وهو غافل عن مكمن حزنه هذا!
ولكي يوقظ الإنسان نفسه من غفلة التعلّق بالدنيا، عليه أن يستحضر في قلبه وعقله حقائق تذكّره بغايته الحقيقيّة؛ كأن يتذكّر معنى الدنيا الفانية، وبأنّها دار ممرّ لا دار مقرّ. حينها، فإنّه يردع نفسه عن التعلّق بها، ويتحرّك ضمن دائرة الواقع لا الوهم. وكذلك، حين يستحضر الموت والحساب والآخرة، فإنّ ذلك ينير بصيرته، ويجعل الدنيا صغيرة في عينه، ويهدم مطامح أهوائه، التي إن تُركت على هواها، ما وجدت للقلب ارتواءً وشبعاً.


إن كان حزنك لله سبحانه، فـ«إنّ الله يحبّ كلّ قلب حزين»(3). أمّا أن يكون لفقد أمور الدنيا الزائلة، فحينها، لا بدّ من أن تشمّر عن ساعدَي قلبك، لتخلّصه ممّا يوقعه في الوهم، وتبعد نفسك عمّا يؤرّق صفو حياتك.


1. بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 70، ص 327.
2. الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 275.
3. بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 68، ص 38.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع