قال اللّه تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى﴾ (سبأ: 46). بيّن اللّه سبحانه في هذه الآية الشريفة المسيرة الإنسانيّة، من المبدأ الأوّل للطبيعة المظلمة حتّى المنتهى. وقد اختار إله العالم أفضل المواعظ ليضع إزاء الإنسان عبارة تمثّل طريق الإصلاح الوحيد للعالمين: القيام لله.
* عندما قام الأنبياء لله
القيام للّه هو الذي أوصل النبيّ إبراهيم عليه السلام إلى مقام الخلّة، وحرّره من أسر المظاهر المختلفة لعالم الطبيعة. وقد طرق عليه السلام باب علم اليقين بنداء: ﴿لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ﴾ (الأنعام: 76).
القيام للّه هو الذي نصر النبيّ موسى عليه السلام على الفراعنة، وألقى بتيجانهم وعروشهم في مهبّ الريح، وهو الذي أوصله أيضاً إلى ميقات المحبوب، وأحلّه مقام «الصعق». والقيام للّه هو الذي نصر خاتم الأنبياء محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم بمفرده، على كلّ عادات الجاهليّة وتقاليدها، وطهّر بيت اللّه من الأصنام، وأحلّ محلّها التوحيد والتقوى. وهو الذي أوصل هذه الذات المقدّسة أيضاً إلى مقام ﴿قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ (النجم: 9).
* نتاج الأنانيّة: الهيمنة والسلطة
إنّ الأنانيّة وترك القيام لله، هما اللذان أوصلانا إلى هذا اليوم الأسود، الذي أصبحت فيه البلدان الإسلاميّة تحت هيمنة الآخرين، وهما سبب تسلّط كلّ بني الدنيا علينا.
والقيام من أجل المنافع الشخصيّة، هو الذي قضى على روح الوحدة والأخوّة لدى أبناء الأمّة الإسلاميّة. القيام للنفس (الذات) هو الذي فرّق بين أكثر من عشرة ملايين شيعيّ، وباعد بينهم بنحو أضحوا فريسة لثلّة من عَبَدَة الشهوات المتربّعين على كراسي السلطة. القيام للمنفعة الشخصيّة، هو الذي سلّط علينا الآن عدداً من الأطفال المتسكّعين، ومكّنهم من التحكّم بأموال المسلمين ونفوسهم وأعراضهم في كلّ أنحاء البلاد.
القيام للنفس الأمّارة، هو الذي سلّم مدارس العلم والفكر لثلّة من الأطفال السذّج، ليحوّلوا مراكز تعليم القرآن إلى مراكز للفحشاء. القيام من أجل المصالح الشخصيّة، هو الذي صيّر الصحافة وسيلة لنشر الفساد الأخلاقيّ.
* تمسّكوا بطريق الإصلاح
أيّها العلماء الربّانيّون! أيّها الوعّاظ المؤمنون! يا أنصار الحقّ الشرفاء! اقرأوا موعظة إله العالم، وتمسّكوا بطريق الإصلاح الوحيد الذي اقترحه لكم، وتخلّوا عن المنافع الشخصيّة لتنالوا سعادة الدارَين من خلال الحياة الحرّة الشريفة: «إنّ لربّكم في أيّام دهركم نفحات، فتعرّضوا له لعلّه أن يصيبكم نفحةٌ منها فلا تشقون بعدها أبداً»(1). فاليوم يوم هبّ فيه النسيم المعنويّ الإلهيّ، وهو أفضل الأيّام للقيام من أجل الإصلاح، فإذا ضيّعتم الفرصة، ولم تقوموا لله، ولم تدعوا للشعائر الدينيّة، فسوف تتسلّط عليكم ثلّة من هؤلاء المتهتّكين، وتجعل من دينكم وشرفكم لعبة لنوازعهم الباطلة. فما هو عذركم اليوم عند إله العالم؟
*كلمة للإمام الخمينيّ قدس سره وهي أقدم وثيقة تاريخيّة تؤرّخ لنضال الإمام قدس سره، بتاريخ: 11 جمادى الأولى 1363هـ.ق. صحيفة الإمام (ترجمة عربيّة)، الإمام الخمينيّ قدس سره، ج 1، ص 43.
(1) ميزان الحكمة، الريشهري، ج2، ص 1051.