مع الخامنئي| السيّد رئيسي الخادم المخلص* نور روح الله | قوموا للّه تُفلحوا الكوفـــة عاصمة الدولة المهدويّة أخلاقنا | الكبر الرداء المحرّم (1) فقه الولي | من أحكام عدّة الوفاة أولو البأس | المعركة الأسطوريّة في الخيام الشهادة ميراثٌ عظيم بالهمّة يسمو العمل نهوضٌ من تحت الرّماد بالأمل والإبداع نتجاوز الأزمات

أخلاقنا | الكبر الرداء المحرّم (1)

السيّد الشهيد عبد الحسين دستغيب (رضوان الله عليه)


من جملة الذنوب القلبيّة والأمراض النفسيّة، والطبائع القبيحة الحيوانيّة، الكِبر. والإنسان الملوّث بهذا الذنب والمبتلى قلبه بهذا المرض، لا سبيل له إلى الجنّة التي هي دار السلام ومحلّ السالمين. وإذا مات على الإيمان، فيجب أن يبقى سنين في البرزخ وعقبات المحشر أو في النار ليطهر من هذه القذارة وتوجد فيه قابليّة دخول الجنّة.


* معنى الكِبر
الكِبر خلق نفسانيّ وحالة باطنيّة توجد في الإنسان؛ بحيث يسيطر عليه اعتقاد خاطئ أنّه مهمّ وعزيز وعظيم، ويفرح بعظمته الموهومة، فيرى نفسه أفضل وأسمى مرتبةً من شخص آخر، ويرى غيره ذليلاً ولا قيمة له. وهكذا، يتّضح الفرق بين العُجب والكِبر، لأنّ العُجب هو أن يرى الإنسان نفسه وعمله ويكبرهما ويتباهى بهما، لا أنّه يرى نفسه أكبر من آخر. وعليه، فقد يكون الشخص معجباً ولا يكون فيه كِبر.

* منشأ الكِبر
منشأه أربعة أمور مجتمعةً، أوّلها اعتقاد الشخص بمرتبة لنفسه، واعتقاده بمرتبة لغيره، واعتقاده بترجيح مرتبته على مرتبة غيره، وأخيراً اعتماده على هذا الترجيح بحيث يرى نفسه عزيزاً وعظيماً وطاهراً.

إذاً، إنّ مجرّد الاعتقاد بالتفوّق على آخر دون وجود حالة الإحساس بالعظمة والعزّة ليس كِبراً. مثلاً: إذا اعتقد شخص بأنّه درس أكثر من فلان، أو أنّه في الصناعة الفلانيّة يمتلك مهارة خاصّة لا يمتلكها زميله، أو أنّ فهمه أكثر، أو أنّ عمله الخيريّ الفلانيّ من حيث المقدار أكثر من عمل غيره،... إنّ مجرّد هذا الاعتقاد دون أن تنشأ منه حالة الإحساس بالعظمة والتعالي ليس كبراً ولا ضرر فيه، لأنّه ليس اختياريّاً. أمّا حالة الكِبر فاختياريّة كما سيأتي.

* مظاهر الكبر
إنّ المتكبّر يُظهر بأقواله وأفعاله كِبره الباطنيّ:

1. في الأقوال: مثاله أن يزكّي نفسه ويتباهى بأنّه أفضل من فلان، وأنّ أعماله صحيحة، وأنّه لا نقص فيه ولا عيب، أو يتباهى بأمور هي من وجهة نظره كمال ويفتخر بها على الآخرين. روي عن عقبة بن بشير قال: «قلت لأبي جعفر الصادق عليه السلام : أنا عقبة بن بشير الأسديّ، وأنا في الحسب الضخم من قومي، فقال: ما تمنّ علينا بحسبك، إنّ اللّه رفع بالإيمان من كان الناس يسمّونه وضيعاً إذا كان مؤمناً، ووضع بالكفر من كان الناس يسمّونه شريفاً إذا كان كافراً، فليس لأحد فضل على أحد إلّا بالتقوى»(1).

ومن الكِبر في الأقوال أيضاً توقّع إصغاء المستمع وقبول كلامه، بحيث إذا لم يصغِ إليه ولم يقبل كلامه أو اعترض عليه، فإنّه رغم علمه بصحّة ما قاله يستبدّ به الغضب ويستنكر ذلك.

2. الكبر في الأفعال: أمّا الكِبر في الأفعال فمثاله أن يمشي الإنسان مشية تكبّر مع أنّ القرآن يصرّح: ﴿ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا﴾ (الإسراء:37)، أو يخرج خادمه وأتباعه في أثره، ويضع نفسه في مقدّمة الأقران، ويجلس في صدر المجلس متعاظماً بذلك، ويتباعد عن الجالس بقربه، ولا يؤاكل أحداً، ويجتنب مجالسة الفقراء والأكل معهم، ولا يزور أرحامه الفقراء، ويتوقّع أن يبدأه غيره بالسلام ويتوقّع قيام الناس إجلالاً له، وغيرها الكثير من المظاهر.

قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: «من أحبّ أن يتمثّل له الناس أو الرجال (أي يقفوا بين يديه) فليتبوّأ مقعده من النار»(2).

* حرمة الكِبر
ممّا تقدّم، يتّضح جيّداً معنى الكِبر والتكبّر، وأنّه حرام ومن الكبائر، وأنّ من الواجب على كلّ مكلّف أن لا يفسح للكِبر مجالاً في قلبه، فإذا فعل، عليه أن يطهّر قلبه منه. ودليل هذا الحكم:

1. جميع أدلّة حرمة العُجب هي أدلّة على حرمة الكِبر أيضاً، لأنّهما ذلك الاعتقاد بالعظمة والخلوِّ من العيب والنقص والحاجة، وقد أُشير إلى الفرق بينهما. وبناءً عليه، فالآيات والروايات الدالّة على حرمة العُجب تشمل حالة الكِبر أيضاً.

2. يمكن الادّعاء بأنّ جميع الأدلّة في بيان حرمة ظهور الكِبر في الأقوال والأفعال تدلّ كذلك على حرمة الكِبر الباطنيّ في القلب؛ لأنّ الأعمال التي تتحقّق عن كِبر هي حرام بسبب حالة الكِبر القلبيّة المقترنة بها، بحيث إنّها لو لم تكن كذلك، لما كانت حراماً، مثلاً: الجلوس في صدر المجلس أو التقدّم على الآخرين في المسير، إذا كان كلّ منهما عن كِبر فهو حرام. أمّا إذا أجلسه صاحب المنزل في صدر المجلس، أو لم يوجد متّسع إلّا في ذلك المكان، أو قدّمه الآخرون، أو حصل تقدّمه عليهم قهراً، فليس ذلك حراماً.

وكذلك تزكية النفس، فهي حرام إذا كانت من منطلق كبرياء، وإلّا فليست حراماً كما تقدّم في بحث العُجب.

* آيات الكِبر
ذُكر في الآيات والروايات عنوان الكِبر القلبيّ ويشار إلى بعضها:

1. ﴿كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ﴾ (غافر: 35). إنّ اللّه يغضب على كلّ قلب متكبّر فيختمه، بحيث لا يمكن أن يوجد فيه بعد ذلك نور الإيمان والإخلاص والخشوع.

2. ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِىٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَٰنٍ أَتَىٰهُمْ إِن فِى صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَٰلِغِيهِ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ﴾ (غافر: 56). أي أنّ السبب الوحيد لجدالهم في الحقّ الكِبر الباطنيّ، ولذلك، يريدون طمس الحقّ وإظهار الباطل ولا يستطيعون ذلك لأنّ اللّه سيُظهر الحقّ.

إذاً، إذا وُجدت حالة الكِبر في المخلوق الذي هو مملوك وذليل محتاج إلى الله، وعدّ نفسه غنيّاً وعظيماً ويستحقّ التعظيم، فقد جعل نفسه شريكاً للّه في صفته الخاصّة به، وفي الحقيقة، يكون قد أنكر الربوبيّة الإلهيّة.

*مقتبس من كتاب: القلب السليم، الشهيد دستغيب، ج 2، ص ص 199- 205.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع