نقاء شيت
الشهيد على طريق القدس يوسف سالم شيت «(روح اللّه)»
اسم الأم: باسمة نجم.
الوضع الاجتماعي: متزوج وله 3 أبناء.
تاريخ الولادة ومحلّها: 1988/6/29 كفركلا.
تاريخ الشهادة ومحلّها: 30/9/2024 كفركلا.
هو «روح اللّه»، اسم لطالما خبره كثيرون داخل العمل الميدانيّ والجهاديّ في حزب اللّه، واعتادت عليه الحافّة الأماميّة في محاور القتال والاشتباك مع العدوّ الصهيونيّ. إنّه الشهيد السعيد يوسف سالم شيت من بلدة كفركلا الحدوديّة، أو كما لقّبه أهالي البلدة بـ «شيخ شهداء كفركلا».
* الجانب الجهاديّ والثقافيّ
بدأ تاريخ «روح الله» الجهاديّ منذ ما قبل حرب تمّوز في عام 2006م، بحيث خضع للعديد من الدورات القتاليّة. وبعدها، شارك إخوانه المجاهدين المواجهات العنيفة مع العدوّ الإسرائيليّ في بلدته كفركلا في حرب تمّوز، وكان يبلغ من العمر 18 عاماً. أثبت خلال هذه المواجهات بأسه وصلابته وشجاعته في النزال، غير مكترث لمخاطر القتال، واضعاً نصب عينيه الشهادة هدفاً للوصال.
هذه الروح القتاليّة الفدائيّة لم تأتِ من سراب، فالشيخ الشهيد ربيب الحوزات الدينيّة، وقد التحق بحوزة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في بيروت منذ سنّ الرابعة عشرة، وأبدى فيها تفوّقاً ملحوظاً بحيث نافس زملاءه على مقاعد الدراسة ومن يكبرونه سنّاً بإتقان الأحكام الدينيّة، وتعلّم الدروس الحوزويّة، والتمكّن منها ومن تفرّعاتها رغم صغر سنّه.
كان له عمل ثقافيّ يرافق عمله العسكريّ، تمثّل في إحياء ليالي شهر رمضان مع المجاهدين، وإعطاء دروس ثقافيّة يوميّة، وإعداد مسابقات رمضانيّة للإخوة، وتنظيم أمسيات قرآنيّة، حتّى أنّه كان يخضع لدورات في تلاوة القرآن وتجويده. كما أنّه أنشأ قبل أحداث 7 تشرين الأوّل/ أكتوبر ما سُمّي بهيئة الكفيل في كفركلا مع الشهيدين السعيدين محمّد علي شيت «أمير»، وإبراهيم محمود ضاهر «ثائر»، من أجل إحياء المناسبات الدينيّة.
كان الشهيد يُعرف بـ»الشيخ» حتّى قبل التحاقه بالحوزة العلميّة لشدّة التزامه الدينيّ، والذي كان يظهر في ملامح وجهه، فهو المواظب على العبادة بمختلف أنواعها منذ صغر سنّه.
* حتّى الرمق الأخير
عند الحديث عن الشيخ الشهيد مع رفاق الدرب، فإنّهم يذكرون لنا شدّة إيثاره في العمل الجهاديّ، وحماسه، ومسؤوليّته اللامتناهية، فقد كان شخصاً عمليّاً، لا يتخلّف عن العمل والمهام الموكلة إليه رغم صعوبة الظروف، وهذا أيضاً ما شهدت به له الجبهة في أيّامه الأخيرة. فبعد استشهاد سماحة الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله (رضوان الله عليه)، وتلقّيه في الليلة نفسها نبأ استشهاد أحد الإخوة الموكلين بالعمل معه في كفركلا، توجّه الشهيد في 29/9/2025م من بيروت إلى الخطوط الأماميّة في كفركلا بسيّارته الخاصّة، غير آبهٍ بحجم الغارات التي كانت تُشنّ في تلك الليلة، ومحاولات التوغّل لجنود الاحتلال داخل البلدة، والتي كانت تواجه مقاومةً شرسة من المجاهدين، حتّى وصل إلى البلدة والتحق بعمله متابعاً سير العمليّات على الأرض، قبل أن يلتحق بركب الشهداء في اليوم التالي بتاريخ 30/9/2024م بغارة همجيّة استهدفته مع كوكبة من رفاق الدرب أثناء قيامهم بواجبهم الجهاديّ.
* أثره بين الناس
كان الشهيد على علاقة قويّة بكلّ من حوله، إذ كان حريصاً على انتقاء كلماته حتّى لا يزعج أحداً، ويلتمس العفو من الكبير والصغير. كان يحاول استيعاب الجميع ويعمل على تحفيز الشباب إيجابيّاً، حتّى أنّه ذكرهم في وصيّته وتوجّه إليهم بالنصح والهداية والثبات على هذا النهج.
ولشدّة تأثيره بمن حوله، سُئل أحد المجاهدين في كفركلا، وكان يبلغ من العمر سبعة عشر عاماً: «لماذا لم تغادر المكان وكنت تستطيع ذلك، خصوصاً أنّ طبيعة المواجهات كانت تخوّلك التراجع إلى خطوط الإسناد الخلفيّة بدلاً من البقاء في الخطوط الأماميّة؟»، فكان جوابه: «لأنّي تلميذ الشيخ يوسف»! لقد حاول الشهيد أن ينقل الروح الجهاديّة التي تمتّع بها إلى كلّ الشباب الذين التقى بهم، سواء عن طريق التدريبات العسكريّة أو الدروس الثقافيّة التي خضعوا لها معه.
* ألم التشييع
لقد ترك الشهيد الأثر الكبير ومشاعر الفقد في نفوس محبّيه وكلّ من عرفه، وهذا ما تجلّى يوم البدء بالبحث عن جثمانه الطاهر، بحيث تجمهر عدد كبير من أهالي بلدة كفركلا في ذاك المكان المستهدف، رافعين أيديهم للسماء، طالبين من الله أن يخرج لهم الشيخ على قيد الحياة. وبعد البحث الطويل وكثير الحفر، وصلوا إلى الجثمان الطاهر، وكان ذلك في 20/2/2025م، أي بعد 4 أشهر و20 يوماً من الارتقاء المبارك.
ننتقل بالمشهد إلى يوم التشييع، الذي كان مهيباً بعدد المشيّعين الذين ما بخلوا على الشيخ بتواجدهم معه، فهو الذي لم يبخل على أحد يوماً بأن كان له سنداً وعوناً بعد الله. وقد دعاهم بنفسه في نصّ وصيّته إلى حضور تشييعه المبارك لتوجيه رسالة إلى العدوّ، أنّ كفركلا لن تُهزم أو ترضخ للتهديدات، ولن تتراجع أمام شدّة المجازر والدمار. عندما تنظر في وجه كلّ واحد منهم، ترى دموع الفقد تمتزج بنظرات العزّ والإباء، ولسان حالهم يقول: «بعينك كلّ هذا الفقد يا الله». ثمّ تطرق مسامعك عبارة: «أصلا مش بعيدة عالشيخ، غريب إذا بهيك حرب ما بروح شهيد، الشيخ بيستحقّها ونالها»، وغيرها الكثير من عبارات التبريك والتهنئة الممزوجة بألم الفقد والعزاء.
* الوداع الأخير
أمّا الخيام، البلدة التي لطالما استقبلته واحتضنته، إذ قضى فيها «روح الله» سنين خدمته الجهاديّة، فها هي تستقبله شهيداً هذه المرّة، فقد مرّ جثمانه الطاهر في شوارعها بناءً على وصيّته. كان أهلها يتجمّعون وينتظرونه في ساحتها، ليلقوا عليه نظرات الوداع الأخيرة. استقبلوه بالزغاريد والتلبيات ونثر الورد والأرزّ على جثمانه، فقد عاد إليهم الشيخ يوسف مكلّلاً بثوب العزّة، رافعاً راية النصر، فالشهادة في ثقافتنا أرقى انتصار. ثمّ عاد جثمانه الطاهر إلى بلدته كفركلا التي دُفن فيها في 28/2/2024م.