د.علي شعيب*
«بإمكانك أن تكون مديراً ناجحاً، لكن ليس بالضرورة أن تكون قائداً مُلهماً». حقيقةٌ نعيشها في كلّ مستويات إدارة الحياة، وعندما تقرأ هذه العبارة ستمرّ في ذهنك مجموعة من الوجوه والأسماء التي امتهنت الإدارة لكنّها حازت رتبةً أعلى، وربما تركت فيك أثراً عميقاً.
قد يكون أحدها أباً، أو معلّماً، أو مديراً، لكنّنا في لبنان عرفنا تلك الرتبة في قادتنا.
في هذا البحث، سنستعرض أبرز ما يمتاز به القائد عن المدير، وأهمّ الأدوار الملقاة على عاتقه، عسى أن يغيّر ذلك من النمطيّة المتّبعة عند كثير من مديري المنظّمات المرتكزة على التطبيق الجامد للأنظمة والقوانين.
* مصادر قوّة المدير
لا بدّ بدايةً من الحديث عن مصادر قوّة المدير. فالقوّة هي القدرة على فرض إرادتك على الآخر(1)، ثمّ التأثير في سلوكه طوعاً أو كرهاً(2). وبذلك، يتفرّع من هذا التعريف نوعان من القوة:
1. القوّة الصلبة: جعل إرادة الآخر مستجيبة لك باستخدام سبيل الإكراه والقهر.
2. القوّة الناعمة: جعل إرادة الآخر مستجيبة لك بطريقة طوعيّة.
* القوّة التي يستخدمها المدير
يتحدّث علم الإدارة عن أنواع عدّة من القوّة الإداريّة التي يستخدمها المديرون والقادة، وهي كالآتي:
1. قوّة السلطة (Legitimate Power): هي القوّة التي يستمدّها الفرد من منصبه الرسميّ أو موقعه في الهيكل التنظيميّ. هي تعتمد على الاعتقاد بأنّ الفرد لديه الحقّ في إصدار الأوامر، وأنّ الآخرين لديهم واجب الامتثال(3).
2. قوّة المكافأة (Reward Power): هي القدرة على منح المكافآت، مثل الزيادات في الرواتب، والترقيات، والتقدير، أو حتّى مجرّد الثناء(4).
3. قوّة العقاب (Coercive Power): هي القدرة على فرض عقوبات أو تهديدات بالعقوبات. يعتمد هذا النوع من القوّة على الخوف من العواقب السلبيّة(5).
4. قوّة الخبرة (Expert Power): هي القوّة التي يستمدّها الفرد من معرفته المتخصّصة أو مهاراته أو خبرته في مجال معيّن. يعتمد هذا النوع من القوّة على الاعتقاد بأنّ الفرد لديه فهم أو قدرة فائقة في مجال معيّن.
5. قوّة الجاذبيّة الشخصيّة (Referent Power): هي القوّة التي يستمدّها الفرد من إعجاب الآخرين به أو رغبتهم في التماهي معه. يعتمد هذا النوع من القوّة على العلاقات الشخصيّة القويّة والثقة والاحترام(6).
* لتتحوّل الإدارة إلى قيادة
عُرّفت القيادة الإداريّة بالآتي:
1. هي صياغة رؤية ملهمة تربط بين أهداف المنظّمة وتطلّعات العاملين الشخصيّة، ممّا يُحفّزهم على تبنّي سلوكات استباقيّة ومبتكرة(7).
2. تعكس قدرة المديرين على تحفيز الأفراد وتمكينهم عبر تبنّي أنماط قياديّة مرنة، مثل الديمقراطيّة أو التوجيهيّة، مع التركيز على تحقيق التوازن بين إنجاز المهام والحفاظ على العلاقات الإنسانيّة داخل الفريق(8).
3. تتمثّل في قدرة القائد على إلهام المرؤوسين لتجاوز المصالح الشخصيّة لصالح الأهداف الجماعيّة، من خلال بناء الثقة، وتعزيز الابتكار، وتطوير الثقافة التنظيميّة(9).
4. هي نهج يعتمد على تفويض السلطة، وتشجيع المشاركة في صنع القرار، وتعزيز الشفافيّة لضمان انخراط جميع المستويات الإداريّة في تحقيق الأهداف(10).
5. هي فلسفة تقوم على أنّ دور القائد يتمحور حول خدمة فريقه وتوفير الموارد والدعم اللازمين لتمكينهم من تحقيق إمكاناتهم الكاملة(11).
6. هي قدرة القائد على تكييف أسلوبه القياديّ وفقاً لطبيعة المهام، وخبرة الفريق، والظروف التنظيميّة، لتحقيق أقصى قدر من الفعاليّة(12).
7. تعكس قدرة القائد على قراءة مشاعر العاملين، وإدارة التوتّرات العاطفيّة داخل الفريق، وتحويل الطاقة السلبيّة إلى دافع إيجابيّ، ممّا ينعكس على سلوكات العمل اليوميّة(13).
8. هي قدرة القائد على تشكيل سلوك المرؤوسين من خلال تقديم نموذج يُحتذى به في العمل، سواء عبر السلوك الأخلاقيّ أو التفاني المهنيّ، ممّا يُحدث تغييراً في ثقافة الفريق(14).
9. هي عمليّة استخدام القائد لمصادر القوّة (كالشرعيّة أو الخبرة أو الإلهام) لتوجيه سلوك الأفراد نحو تحقيق الأهداف التنظيميّة، مع تعديل اتّجاهاتهم ورفع مستوى التزامهم من خلال التفاعل اليوميّ(15).
10. تشير إلى تأثير القائد غير المباشر في سلوك الفريق من خلال التزامه الشخصيّ بالمعايير العالية، والشفافيّة في التعامل، ممّا يُشجّع العاملين على محاكاته دون الحاجة إلى إشراف مباشر(16).
يحاكي كلّ تعريف مكوّناً أو أكثر من مكوّنات الجاذبيّة الشخصيّة، مستخدماً مزيجاً من مصادر القوّة الإداريّة الناعمة؛ وهو ما يساعدنا في تعريف القيادة بالآتي:
القيادة الإداريّة هي عمليّة مستمرّة للتأثير في سلوك العاملين، بالاعتماد غالباً على القوّة الناعمة ودفعهم لتحقيق أهداف المنظّمة وتدريبهم ليصبحوا قادة في المستقبل.
* القائد دوره مستمرّ
إذا اعتمد المدير في إدارة شؤون منظّمته القوّة الصلبة المتمثّلة بالسلطة الممنوحة له، وقوّة الثواب الماديّ والعقاب، والتمسّك الجامد بالأنظمة والقوانين دون مرونة تمكّنه من تكييفها وفق متطلّبات الموقف، وركّز في ذلك على العمل والإنتاج بشكلٍ مفرط مهملاً الجوانب الإنسانيّة التي تقرّبه من الناس، وتوجِد الثقة بينه وبينهم، فإنّه يكون بذلك مديراً فقط، متّجهاً لأن يكون رئيساً إداريّاً.
أمّا إذا اعتمد غالباً على القوّة الناعمة المتمثّلة في جاذبيّته الشخصيّة، وخبرته، وقوّة الثواب المعنويّ التي تحفّز العاملين إيجاباً، مقدّراً إنجازاتهم وعطاءاتهم، ومشاركاً لهم في عمليّات اتّخاذ القرار، وحريصاً على أن يكون قدوة أمامهم متجرّداً من الدوافع الشخصيّة الأنانيّة الذاتيّة، باذلاً كلّ ما لديه في سبيل الاهتمام بهم وتدريبهم وتنميتهم، مستخدماً قدرته على حسن البيان في تحفيزهم نحو الأهداف المرجوّة، وجاعلاً القوّة الصلبة آخر ما يستخدمه من أدوات، فإنّه بذلك يكون مديراً قائداً بما يحدثه من أثر إلهاميّ إيجابيّ في نفوسهم ينعكس تلقائيّاً في ارتفاع درجة الرضى الوظيفيّ لديهم، وفي تحسين أدائهم الوظيفيّ، بالتالي، زيادة الإنتاجيّة بما يحقّق لها ذلك من أهداف تنظيميّة تنعكس نجاحاً وتقدّماً.
* قيادة رحيمة
وردت في القرآن الكريم آيات تؤكّد سياسات رشيدة في التعامل مع العاملين، قال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾)آل عمران:(159(17)، وقال تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ التوبة:(128).
تذكر الآية الثانية أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يتألّم لألم الناس وما يعترضهم من صعوبات ومشقّات، وهو حريص عليهم، يحبّهم، ويتجاوز عن أخطائهم ويصلحها. وهذا ما تعنيه الرأفة والرحمة.
هذه الروحيّة هي التي يجب غرسها في نفوس المديرين ليكونوا أكثر اهتماماً بالعاملين، محبّين لهم، ومعاونين إيّاهم على تجاوز الضغوطات العمليّة والحياتيّة. وبهذا الإحسان تُبنى الثقة وتعمر بين المدير والعاملين، وتصبح العلاقة متينة وتراحميّة بين الطرفين. ومن خلال هذه الثقة يمكنه الاعتماد عليهم في المهمّات الصعبة والأزمات، لأنّه قد أسلفهم ذخيرة إحسانه إليهم، فيبادلونه الإحسان بالإحسان.
هذه هي الطريقة المثلى لإدارة أي مؤسّسة، ينبغي للمديرين الالتفات إليها والسعي لاكتسابها ليكونوا فعلاً مديرين قادة يسوقون فريقهم من نجاح إلى نجاح.
* أستاذ مادّة الموارد البشريّة في الجامعة اللبنانية
(1) .Weber, Max. “Politics as a Vocation.” From Max Weber: Essays in Sociology, translated and edited by H. H. Gerth and C. Wright Mills, Oxford University Press, 1946, p. 78.
(2) Wrong, Dennis H. Power: Its Forms, Bases and Uses. Harper & Row, 1979, p.
(3) French, John R. P., Jr., and Bertram Raven. “The Bases of Social Power.” Studies in Social Power, edited by Dorwin Cartwright, University of Michigan Press, 1959, p. 159.)
(4) French, John R. P., Jr., and Bertram Raven. “The Bases of Social Power.” Studies in Social Power, edited by Dorwin Cartwright, University of Michigan Press, 1959, pp. 150-67.
(5) French, John R. P., Jr., and Bertram Raven. “The Bases of Social Power.” Studies in Social Power, edited by Dorwin Cartwright, University of Michigan Press, 1959, p. 160.
(6) French, John R. P., Jr., and Bertram Raven. “The Bases of Social Power.” Studies in Social Power, edited by Dorwin Cartwright, University of Michigan Press, 1959, p. 160.
(7) House, R. J. (1971). A path-goal theory of leader effectiveness. Administrative Science Quarterly, 16(3), 321–339.
(8) Robbins, S. P., & Judge, T. A. (2021). Organizational behavior (18th ed.). Pearson.
(9) Bass BM, Avolio BJ. Improving organizational effectiveness through transformational leadership. Thousand Oaks: SAGE Publications; 1994.
(10) Yukl, G. (2020). Leadership in organizations (9th ed.). Pearson.
(11) Greenleaf RK. Servant leadership: a journey into the nature of legitimate power and greatness. New York: Paulist Press; 1977.
(12) Hersey P, Blanchard KH. Management of organizational behavior: utilizing human resources. 5th ed. Englewood Cliffs: Prentice Hall; 1988
(13) Goleman, D. (1995). Emotional intelligence: Why it can matter more than IQ. Bantam Books.
(14) Bandura, A. (1977). Social learning theory. Prentice Hall.
(15) French, J. R., & Raven, B. (1959). The bases of social power. In D. Cartwright (Ed.), Studies in social power (pp. 150–167). Institute for Social Research.
(16) Kouzes, J. M., & Posner, B. Z. (2012). The leadership challenge: How to make extraordinary things happen in organizations (5th ed.). Wiley.