مع الخامنئي| السيّد رئيسي الخادم المخلص* نور روح الله | قوموا للّه تُفلحوا الكوفـــة عاصمة الدولة المهدويّة أخلاقنا | الكبر الرداء المحرّم (1) فقه الولي | من أحكام عدّة الوفاة أولو البأس | المعركة الأسطوريّة في الخيام الشهادة ميراثٌ عظيم بالهمّة يسمو العمل نهوضٌ من تحت الرّماد بالأمل والإبداع نتجاوز الأزمات

الله يرانا على كلّ حال

السيّد حسين أمين السيّد


لعلّ من أصعب ما تعانيه البشريّة، آليّة ضبط المجتمعات وانصياعها للقوانين والأنظمة التي تراعي مصالحها بالأصل. لقد عجزت كلّ المدارس الإداريّة عن معالجة المشكلة، مع أنّها جعلت الرقابة من أساسيّات العمليّة الإداريّة في النظام العامّ.

أمّا في ما يخصّ سلوك الفرد فالكارثة أكبر؛ إذ إنّه يطيع قانون السير، مثلاً، ما دامت كاميرات المراقبة تعمل، وتراه في الأمكنة الخالية منها أوّل الخارجين على القانون!

من هنا، كانت التربية التي نادت بها الرسالة الإلهيّة، وهدفها صناعة الفرد المطيع لله، والذي يخافه في السرّ والعلن.

* الرقابة الإلهيّة
عند الحديث عن الصفات الإلهيّة، نجد في العقيدة الإسلاميّة بحثاً أساسيّاً عن صفة العلم؛ فالله سبحانه وتعالى عالم بالأشياء إجمالاً وتفصيلاً. وقد قال سبحانه في ردّه على الكفّار المنكرين ليوم القيامة: ﴿وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَا تَأتِينَا ٱلسَّاعَةُ قُل بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأتِيَنَّكُم عَٰلِمِ ٱلغَيبِ لَا يَعزُبُ عَنهُ مِثقَالُ ذَرَّة فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلَأرضِ وَلَآ أَصغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكبَرُ إِلَّا فِي كِتَٰب مُّبِين﴾ (سبأ: 3). وهو أيضاً ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ (غافر: 19). فالمؤمن بالله تعالى، والذي يعيش الرقابة الإلهيّة الكاملة، لا يمكن أن يخرج عن الطاعة؛ فلو أنّه عاش الرقابة الكاملة وراعى حقّ الله تعالى في نفسه وعباده، فعندها، لا نحتاج إلى أيّ عمليّة رقابيّة أو إلى قضاء ومحاكم وأجهزة شرطة؛ فيتحوّل المجتمع المؤمن إلى مجتمع مثاليّ حيث لا كذب ولا ظلم ولا اعتداء.

* أجهزة الرقابة الإلهيّة
ثمّة مجموعة من أجهزة الرقابة، التي تشهد على الإنسان يوم القيامة، وهي:

1. الله سبحانه وتعالى: يوجد آيات كثيرة تتحدّث عن الرقابة الإلهيّة، منها قوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ﴾ (العلق: 14). فالرؤية الإلهيّة المستمرّة، والتي لا انقطاع لها، من المفترض أن تُبقي الإنسان ضمن الطاعة الكاملة، حتّى على مستوى التفكير، فلا يفكّر إلّا بما يرضي الله تعالى.

2. الأنبياء والرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام والمؤمنون: يقول تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ (التوبة: 105)، ويقول تعالى: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾ (النساء: 41)، ويقول أيضاً: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾ (الأحزاب: 45).

3. نفس الإنسان: هي من أعظم الشهود من حيث الحجيّة، فلا يستطيع الإنسان أن يكذّبها، قال تعالى: ﴿وَإِذ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيٓ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِم ذُرِّيَّتَهُم وَأَشهَدَهُم عَلَىٰٓ أَنفُسِهِم أَلَستُ بِرَبِّكُم قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدنَآ أَن تَقُولُواْ يَومَ ٱلقِيَاٰمَةِ إِنَّا كُنَّا عَن هَٰذَا غَٰفِلِينَ﴾ (الأعراف: 172)، وقال تعالى: ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً﴾ (الإسراء: 14).

4. الكرام الكاتبون: ورد عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام في دعاء كميل: “وكلّ سيّئة أمرت بإثباتها الكرام الكاتبين، الذين وكّلتهم بحفظ ما يكون منّي، وجعلتهم شهوداً عليّ مع جوارحي، وكنت أنت الرقيب عليّ من ورائهم والشاهد لِما خفي عنهم، وبرحمتك أخفيته...”. يقول تعالى: ﴿إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ* كِرَامًا كَاتِبِينَ* يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُون﴾ (الانفطار: 10)، ويقول أيضاً: ﴿إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ* مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْه رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ (ق: 17-18). فهذان الملكان المكرّمان يكتبان أعمال الإنسان بالتفصيل حتّى الهمس واللمز والنظرة والنفَس، إلّا ما أخفاه الله سبحانه عنهما ستراً على عبده لخير فعله. ففي رواية عن معاوية بن وهب قال: سمعت أبا عبد الله الصادق عليه السلام يقول: «إذا تاب العبد المؤمن توبة نصوحاً، أحبّه الله فستر عليه في الدنيا والآخرة». قلت: فكيف يستر عليه؟ قال: «يُنسي ملكَيه ما كتبا عليه من الذنوب، ويوحي الله إلى جوارحه اكتمي عليه ذنوبه، ويوحى إلى بقاع الأرض اكتمي عليه ما كان يعمل عليك من الذنوب، فيلقى الله حين يلقاه وليس شيء يشهد عليه بالذنوب»(1).

5. الجوارح: قال تعالى: ﴿يَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ*حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ علَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ*وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ (فصلت: 19-21)، ويقول تعالى: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (النور: 24).

6. بقاع الأرض: يقول تعالى: ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا*وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا*وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا*يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾ (الزلزلة: 4).

* تنمية الشعور بالرقابة الإلهيّة
يعاني كثيرٌ من الناس من الظلم وضياع الحقوق والانحرافات، نتيجة البُعد عن الله تعالى وانعدام الحسّ بالرقابة الإلهيّة. من هنا، ثمّة مجموعة من السبل لتنمية الشعور بالرقابة الإلهيّة وتقويته:

1. تنمية الشعور بالحضور الإلهيّ: قال الإمام الخمينيّ قدس سره: “العالم محضر الله، فلا تعصِ الله في محضره”. قال ذلك في أوج القيادة والخدمة، بحيث كان من المفترض أن ينشغل بهموم الناس ومكائد الأعداء، إلّا أنّه لم يسمح لشيء أن يشغله عن الحضور الإلهيّ. وكلّ مؤمن يحتاج إلى هذا الشعور بالحضور والرقابة الإلهيّة، فإذا نجح في ذلك، أصبح من الذاكرين، فلا يعمل إلّا لمرضاة الله تعالى: “عظمَ الخالق في أنفسهم، فصغر ما دونه في أعينهم”(2).

من هنا، يبدأ الجهاد الأكبر، بحيث يجاهد نفسه كي لا يقع في الغفلة فتشغله عن ذكر الله تعالى.

2. عرض الأعمال: أعمالنا تُعرض كلّ يوم على إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، لذا، علينا أن ننظر ماذا نفعل، ونجتهد حتّى لا نسقط من عينه.

3. استشعار الرقابة في تفاصيل حياتنا: إنّنا نتصوّر أنّ الرقابة منحصرة في الأشياء العباديّة، والمعاصي المعروفة؛ فيهرب منها أهل الإيمان بنسب متفاوتة. لذلك، على الإنسان أن يعيش حالة الرقابة في مختلف مجالات الحياة:

أ. في البيت: من المفترض أن يحوّل الإنسان بيته إلى بيت من بيوت الله تعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾ (النور: 36). ولكنّ أغلبنا يعدّ البيت مكان الخروج عن الضوابط، بحيث يمارس الفرد سلطته الكاملة ويفرغ كلّ مكنوناته وغضبه مع أهله وعياله وزوجته، في حين أنّه يكون كالحمل الوديع خارجه.

وهنا، لا بدّ من رفع مستوى الرقابة والخوف من الله تعالى وعيش حضوره التامّ، فأيّ خير تطلبه وقد خسرت عائلتك؟ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي”(3). لذلك، إنّ زرع الرقابة في العائلة أهمّ من الرقابة عليها؛ فيصبح كلّ فرد في حالة خشية من الله كأنّه يراه.

أمّا أفضل طريقة لزرع الرقابة الإلهيّة في الأولاد، فمن خلال التربية العمليّة، أي ما يلاحظه الأولاد من سلوك الوالدين، لزرع الخوف من الله تعالى في قلوبهم، حتّى يصلوا إلى الشعور بحبّ الطاعة له في أوامره ونواهيه. لذلك، إنّ نجاح عمليّة التربية على الرقابة الإلهيّة من أهمّ الوظائف التربويّة المنوطة بالوالدين.

ب. البيئة المحيطة: انطلاقاً من مقولة: “قل لي من تعاشر، أقل لك من أنت”، من اللازم على الأبوين مراقبة من يعاشر أولادهما من أصحاب، لأنّهم يعيشون مع مخالطيهم في المدرسة والعمل وخلال أوقات الفراغ أكثر ممّا يعيشون مع الأهل. أمّا إن كانت الرقابة عالية المستوى، فلا خوف على الأبناء، وإلّا ستصيبهم البلاءات لا قدّر الله تعالى.

ج. الرقابة في العمل: من المشاكل التي توقعنا في الحرام في العمل، عدم الشعور بالرقابة أثناء تأدية واجبنا. وبسبب التقصير في شروط العمل أو الاستهتار بحقوقه، قد يشوب بعض المال الذي يُجنى الحرمة، وكفى بذلك مصيبة! فإذا لم يكن الحلال أساس حياتنا، فلا عبادة ولا تزكية. وإن كنت تستطيع التحايل والتهرّب من الضوابط، فاعلم بأنّ الله يراك دائماً وأبداً!

 

(1) الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 436.
(2) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 64، ص 315.
(3) وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، ج 20، ص 171.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع