مع الخامنئي| السيّد رئيسي الخادم المخلص* نور روح الله | قوموا للّه تُفلحوا الكوفـــة عاصمة الدولة المهدويّة أخلاقنا | الكبر الرداء المحرّم (1) فقه الولي | من أحكام عدّة الوفاة أولو البأس | المعركة الأسطوريّة في الخيام الشهادة ميراثٌ عظيم بالهمّة يسمو العمل نهوضٌ من تحت الرّماد بالأمل والإبداع نتجاوز الأزمات

إنّما خُلقتَ لهدف

الشيخ نبيل أمهز
 

يستمرّ نهج أهل الدنيا بتصوير بعض الأهداف والغايات الفانية مثل المال والسياحة والمناصب العليا وأشكال الترفيه أولويةً منشودةً للإنسان، وهنا بالتحديد يضيع الإنسان ويظنّ أنّ سعادته تكمن في تحقيق هذا النوع من الغايات؛ ليصطدم بأفولها وبالتالي يعيش تعاساةً وفراغاً، وأحياناً أخرى يظنّ أنّه لن يضره أن يعيش بلا هدف أو رؤية في هذه الحياة، وإنّما العمر ينقضي تلقائياً. لكن الحياة ليست بهذه البساطة، فكلّ تحدٍّ يواجهه سيفرض عليه سؤالاً ملحّاً: ما هو هدفك في الحياة؟

* من أين نبدأ؟
خلق الله الإنسان حرّاً في اختياره وأفعاله، وجعله مسؤولاً عنها ومحاسباً عليها، وقد زوّده سبحانه بجميع القدرات والإمكانات اللازمة لأداء الدور الذي كُلّف به؛ فالحياة ليست عبثيّة أو عشوائيّة، بل هي ذات هدف محدّد وغاية سامية ومنهج متكامل يسير بتناسقٍ تامّ ليصل بالإنسان إلى حقيقة إنسانيّته وكماله.

وهي نقطة يجدر أن نبدأ بها لتحديد الهدف الذي يمكن أن نوليه أولويةً في حياتنا، فقيمة حياتنا تكمن في نجاحنا بتحقيق كمال إنسانيتنا وعبوديتنا.

إذاً، يجب أولاً أن يستند هدف حياة المؤمن إلى الهدف الأساس من خلقه، ثم يتفرّع عنه الغايات الصغرى بحسب الدور والوظيفة والإمكانات.

ويكون بذلك ضمن صوابيّة مساره أولاً، وطمأنينة نفسه بأنّه يظلّل هدفه برضى الله ثانياً، كما ورد في دعاء كميل بن زياد: « يا رَبِّ، أَسْأَلُكَ بِحَقِّكَ وَقُدْسِكَ وَاَعْظَمِ صِفاتِكَ وَاَسْمائِكَ اَنْ تَجْعَلَ اَوْقاتي مِنَ (فِي) اللَّيْلِ وَالنَّهارِ بِذِكْرِكَ مَعْمُورَةً، وَبِخِدْمَتِكَ مَوْصُولَةً، وَاَعْمالى عِنْدَكَ مَقْبُولَةً حَتّى تَكُونَ اَعْمالي وَاَوْرادى كُلُّها وِرْداً واحِداً وَحالى فى خِدْمَتِكَ سَرْمَداً»(1).

* الأبعاد ترتبط بالهدف
تعدّ الأسرة الإنسانيّة في الحياة مؤسّسة يقوم بنيانها على الفرد، بالتالي، فإنّ الحديث عن مقوّماتها يرتبط بشكلٍ أساسيّ بمقوّمات هذا الفرد ودوره فيها. من هنا، تقوم حياة الرجل والمرأة والشابّ والشابّة ونشأة كلّ واحد منهم على بُعدين: عقديّ وعمليّ. من خلال البّعد العقديّ تتشكّل منظومة من الثوابت والدوافع التي يعتمد عليها الفرد في توجيه مسيرته ضمن الحياة الاجتماعيّة التي ينتمي إليها، فيتشكّل كلّ من نفسه وعقله وقلبه. ومن خلال البُعد العمليّ، يتجلّى دور الفرد الإنتاجيّ في حماية ذاك العقديّ، عن طريق ثابتين:

1. الهدف: الثابت الأوّل هو الهدف والغاية المستمدّان من إيمانه الولائيّ، وهو ما يمنحه هويّته الإنسانيّة والعبوديّة المرتبطة بالله تعالى وبأنبيائه وأوليائه.

2. المنهج: الثابت الثاني يتمثّل في المنهج الذي يتّبعه كخطّة ذات معالم محدّدة ووظيفة يؤدّيها في كلّ ما يصدر منه أو يتعرّض له، بهدف الوصول إلى الغاية المنشودة وتحقيق الهدف المرجوّ. وبهذا، تكتمل دورة الحياة في نشأة الدنيا التي يقوم عليها وجود الإنسان الفرد، ذلك الحيّ اللامتناهي الذي يمتدّ بين المنهج الدنيويّ والغاية الأخرويّة، حيث يستمرّ وجوده ببقاء الله تعالى.

* أهميّة الهدف
الهدف هو الغاية المنشودة التي يسعى الإنسان العاقل العابد لبلوغها من خلال فطرته المودعة فيه، إذ لا بدّ من هدف للخروج من العبثيّة والفراغ اللذين يضيع بهما أمام واقع هذه الحياة الدنيا. وهذا الهدف قد يأتي في شكلين:

1. إمّا أن يتوافق مع حفظ الفرد وثوابته الإنسانيّة، فيبقى في مظهره وسرّه وأعماله ومقاصده إنساناً مرتبطاً بالله تعالى، ويسعى للفوز بالتقرّب منه، وتحصيل رضاه، ودخول جنّة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

2. وإمّا أن لا يتوافق مع واقعيّة الحياة الأبديّة، بحيث يقتصر على نظرة وعقيدة ومنهج مرتبطين بدنيا فانية زائلة، إذ يسعى فقط لتحقيق رغباته الضيّقة ومصالحه الخاصّة الموهومة المتعلّقة بالدنيا والتي تزول مع زوالها.

هذه الثنائيّة بين ما يتوافق ولا يتوافق تكشف عن الدور الذي يؤدّي إلى تحقيق الانسجام مع الفطرة السليمة، بحيث يتجلّى بوضوح ما يتلاءم مع المقصد الأسمى، وهو نيل رضى الله تعالى والتقرّب منه.

ويتحقّق ذلك من خلال بناء منظومة الخلافة الإلهيّة في الأرض، بهدف إرساء قواعد العدالة التي من أجلها كانت كلّ الرسالات السماويّة، وآخرها الإسلام الولائيّ لمحمّد وآل محمّد، والذي من خلاله تبرز أهميّة الهدف ودوره في إرساء سعادة الفرد في نشأتَيه الدنيويّة والآخرويّة: «يا بني آدم، خلقت كلّ شيء لأجلك وخلقتك لأجلي»(2). هذا هو أيضاً مبدأ القرآن الكريم، الرسالة الخاتمة الخالدة، الذي أشار في كثير من آياته إلى دور الفرد الولائيّ في تحقيق هدف خلافة الإنسان لله تعالى، من هذه الآيات: ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي﴾ (طه: 41)، ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِىٓ ءَادَمَ﴾ (إسراء:7)،﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ (البقرة: 30)، ﴿أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ (الأنبياء: 105). عن أمير المؤمنين عليه السلام : «أيّها الناس، اتّقوا الله، فما خُلق امرؤ عبثاً فيلهو، ولا تُرك سُدى فيلغو»(3).

إنّ مرجع الهدفيّة يعود إلى فطرة البقاء والخلود، وهي تتجاوز حدود الدنيا والحياة، لتتّصل بالحياة المرتبطة بالحيّ الذي لا يموت، وهذا ينبع من منهج متّبع يتوافق مع الهدف المنشود.

* ما هو هذا المنهج؟
هو الطريق المتّبع للوصول إلى الهدف المقصود، ويسمّى بالوظيفة العمليّة والتكليف العبوديّ الذي يتمحور حوله هدف المؤمن والمؤمنة في أدائهما الواجب المؤدّي إلى إعطاء هويّة دينيّة للشخصيّة والمجتمع الذي ينتميان إليه. ومع هذا المنهج، تكتمل دورة نظام عالم نشأة الدنيا، والروايات عن أهل العصمة عليهم السلام بيّنَته بياناً جليّاً وربطته بتحقيق الخلافة الإلهيّة في الأرض، ونشر العدل والقسط من خلال الانتظار والتمهيد، الذي سينشر راية التوحيد على يد أهل المعتقد والجهاد. وربطت كلّ ذلك باتّباع الفرد الموالي منهجاً عمليّاً ووظيفة تكليفيّة، ففي رواية عن أبي بصير عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنّه قال ذات يوم: «ألا أخبركم بما لا يقبل الله عزّ وجلّ من العباد عملاً إلّا به؟ قلت: بلى، فقال: شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله، والإقرار بما أمر الله، والولاية لنا، والبراءة من أعدائنا، والتسليم، والورع، والاجتهاد، والطمأنينة، والانتظار للقائم عليه السلام »(4).

تُظهر الرواية الجانب العقديّ التوحيديّ المتمثّل بالشهادة والنبوّة لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم، والولاية، والبراءة كمنهج جهاديّ. كما تكشف عن الأبعاد المتعلّقة بأهميّة الهدف، وتوضيحه، ودوره في الإعداد النفسيّ والروحيّ لجميع الحالات التي يمرّ فيها الإنسان، والتي تتطلّب قدرة على التحمّل والثبات والنشاط، وهو ما يدفع بدوره إلى المواجهة مهما بلغت التضحيات في سبيل المشروع الإلهيّ المهدويّ في زمن الغيبة. عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: «أقرب ما يكون العباد من الله عزّ وجلّ ذكره، وأرضى ما يكون عنهم، إذا افتقدوا حجّة الله جلّ وعزّ، ولم يظهر لهم، ولم يعلموا مكانه، وهم في ذلك يعلمون أنّه لم تبطل حجّة الله جلّ ذكره ولا ميثاقه»(5).

وعليه، إنّ الهدف النهائيّ المنشود يتمثّل في نيل رضى الله عزّ وجلّ. أمّا المنهج المتّبع كوظيفة تكليفيّة فيسهم في تحقيق هذا الهدف، بالإضافة إلى الارتباط الولائيّ الذي يعزّز من إقامة دولة صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهو ما يصنع صبر الفرد وثباته في تأدية دوره الجهاديّ المؤسّس لهذه الدولة. في رواية الإمام الحسين عليه السلام : «أما إنّ الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب، بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم»(6). 

* النتيجة
إنّ هدف المؤمن والمؤمنة تحقيق مراد الله من خلق هذه الحياة الدنيا. يقول تعالى في القرآن: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَٰتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ﴾ (الحديد: 25)، وعن أمير المؤمنين عليه السلام : «إنّ أفضل ما توسّل به المتوسّلون إلى الله سبحانه وتعالى الإيمان به وبرسوله والجهاد في سبيله»(7). وهذا ما يبيّنه قول الإمام الصادق عليه السلام : «إنّ هذا الأمر لا يأتيكم إلّا بعد إياس، ولا والله حتّى تميّزوا، ولا والله حتّى تمحّصوا، ولا والله حتّى يشقى من يشقى ويسعد من يسعد»(8).
 

(1) دعاء كميل بن زياد، مفاتيح الجنان، ص 204.
(2) الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 294.
(3) نهج البلاغة، ج19، ص 300.
(4) الغيبة، النعماني، ج 1، ص 205.
(5) المصدر نفسه، ج 1، ص 163.
(6) كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق، ج1، ص 345.
(7) نهج البلاغة، مصدر سابق، ج 7، ص 221.
(8) الكافي، مصدر سابق، ج 1، ص270.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع