نهى عبد الله
فتح عينيه محاولاً رؤية ما حوله بعد القصف العنيف. الأرض ملتهبة، لا أثر لصديقيه، حاول تذكّر آخر اللحظات؛ كان يعدّ ومجموعته كميناً لمنع العدوّ من التسلّل من خلال ثغرة على الحدود، وقد جهّزوه بانتظار لحظة التنفيذ. لكن العدوّ طالهم بقصف مؤمناً طريقه للدخول. وضع يده خلف رأسه فتلمّس دماً سائلاً، إحدى رجليه لا يشعر بها، علم أنّه مثخنٌ بالجراح. حاول استعادة تركيزه: «المهمة... من سينفذها؟».
جاهد وهو يرفع رأسه قليلاً ليحدّد موقعه، وليرى صديقيه، ويحدد أثر القصف.. لم يقوَ بعد، حاول أخذ نفس قويّ، لم يقوَ.. نظر حوله ليجد عصا خشبيّة، مدّ ذراعه بصعوبة وسحبها ليستند إليها، وأخيراً تمكّن من الجلوس.. جسده متضرّر والشظايا تملؤه، لمح جسدين على مسافة في حالة نبّأته بشهادتهما. فكّر: «ما العمل؟ لن يدخلوا وأنا ما زلت أتنفّس»، نظر إلى قدميه المدمّايتن، ذراعه المصابة، تناول عصا أخرى وقرّر أن يتعكّز عليهما.
«ساجد 14، الهدف يقترب، جاهز للتنفيذ؟»» وصله النداء من الجهاز اللاسلكيّ، وثب ليسرع، فتكسّرت عصا ومزّقت بعض شظاياها الحادّة يده. المهمّة صعبة، بل مستحيلة، كان يحمل جسداً متكسّراً ينوء بالأوجاع والنزف، نظر إلى السماء: «ربِّ! أغثنيّ». تذكّر آخر حديث له مع قائده، حين حدّثه عن سرّ الفحم الذي يستحيل ألماساً: «سيأتي يوم تشكر فيه الضغط والشدّة، فلن تعرف حجم طاقتك إلّا عندما تُحاط بظروف قاهرة تصهرك، عندها فقط تولد طاقتك الكامنة».
أدرك أنّ عليه أن يصوّب إرادته نحو المهمّة فقط، وكلّ ما يشعر به هي تفاصيل تؤخرّه، وثب بالعصا الأخرى وانطلق بقلب متأجّج، كأنّما حملته الريح..
بعد ساعتين، أخذت فرق العدوّ تحاول يائسة سحب القتلى، معلنةً فشل العملية البريّة.