مع الخامنئي| السيّد رئيسي الخادم المخلص* نور روح الله | قوموا للّه تُفلحوا الكوفـــة عاصمة الدولة المهدويّة أخلاقنا | الكبر الرداء المحرّم (1) فقه الولي | من أحكام عدّة الوفاة أولو البأس | المعركة الأسطوريّة في الخيام الشهادة ميراثٌ عظيم بالهمّة يسمو العمل نهوضٌ من تحت الرّماد بالأمل والإبداع نتجاوز الأزمات

الافتتاحية | ربُّ المنع والعطاء

الشيخ بلال حسين ناصر الدين


أحكم الأمرَ من كلّ جوانبه، ونفّذ الإجراءات اللازمة للسفر، عاقداً على هذا السفر كلّ آماله وأحلامه، وكأنّه خلاصه ومصدر الفرج المطلق عليه. انتظر النتيجة، وما لبث إلّا أيّاماً حتّى جاءه الردّ: «لَا يمكنك السفر، فقد رُفضت تأشيرتك!». حينها، شعر وكأنّ صفعة قد أصابت قلبه وكاد يُغشى عليه من شدّة صدمته، وبدأت رشحات الاعتراض تظهر على فلتات لسانه: «ماذا فعلت لك يا ربّ حتّى تمنعني من ذلك؟ لماذا لم توفّقني في هذا الأمر وأنت تعلم شغفي إليه؟ أين العدل؟ أين؟ وأين؟ وأين؟»، حتّى عظم في داخله الشعور بالمظلوميّة متوهّماً، وكاد من فرط شكّه أن يكون كافراً.

إنّه المنع الذي يعدّه بعضهم عقاباً من الله، أو دليل عدم حبّه تعالى لهم، وهم غافلون عن أنّ ربّ العطاء هو نفسه من يمنع، وأنّ عطاءه أو منعه ليسا إلّا بتدبيره وحكمته اللا متناهية؛ فإن أعطى، أعطى ما يراه صلاحاً للإنسان، وإن منع، منع ما يراه فساداً له، أكان على صعيد دنياه أم آخرته.

ولطالما يخفى على الإنسان سرّ ما يقدّر له، فينشد شيئاً ويرغب به ويسعى بكلّ جوارحه إليه، ويحسبه خيراً له، بل قد يدعو للتوفيق به، ومع ذلك كلّه يمنعه اللّه عنه لأنّه يعلم ما فيه من ضرّ خفيّ عليه، وهنا مكمن الفرق بين الإنسان الضعيف الجاهل، والله القويّ العليم.

إنّ لنا في القرآن الكريم ما يؤكّد هذا المفهوم، ومن ذلك قصّة الخضر وموسى L، فقد قتل الخضر غلاماً ظاهره البراءة: ﴿فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ﴾ (الكهف: 74). فتساءل النبيّ موسى عليه السلام عن ذلك، حتّى كشف اللّه عن سرّه، قائلاً له إنّ الغلام هذا لو عاش، فسوف يكون سبباً في شقاء والديه وكفرهما: ﴿وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْبِيَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا﴾ (الكهف: 80). وبهذا، ندرك كم من حزنٍ مؤقّت يحمل بشرى خفيّة، وكم من حرمانٍ آنيّ يكون سبباً في صون الإنسان ولو بعد حين.

ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ كلّ ما يُعدّ خيراً أو شرّاً في نظر الإنسان، إنّما كلاهما بلاء من الله، قال تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ (الأنبياء: 35)، وقال سبحانه: ﴿وَبَلَوْنَاهُم بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ (الأعراف: 168).

إذا كان الأمر كذلك، ونحن نقرّ بأنّ مقادير الأمور كلّها بيد اللّه سبحانه ونؤمن بها، فإنّ كثيراً من همومنا وأحزاننا سوف تتلاشى وتذهب، ويحلّ مكانها الرّضى والقناعة وحسن الظنّ به سبحانه، ويبقى الرجاء دوماً حاكماً على ما نبتلى به، وهو الذي ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ (الأنبياء: 23).

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع