أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

مجتمع | المضايف الحسينيّة ظاهرة حبّ تتنامى


تحقيق: زهراء عودي شكر


لا يدري مهدي من أين تدرّ عليه الأرزاق، وكيف تُفتح أبواب الخير أمامه، ومن أين يأتيه كلّ هذا التيسير، فيقول: "أنا أقدّم الطعام على حبّ الإمام الحسين وأهل بيته عليهم السلام في أيّام عاشوراء، فهل أستحقّ أن يكافئني سيّدي أبو عبد الله بكلّ هذا ويغرقني بكرمه ولطفه إلى هذا الحدّ؟ أنا أخجل من كلّ هذا الكرم الحسينيّ، فكلّ ما أقدّمه لا يساوي شيئاً أمام ما بذله الإمام عليه السلام في سبيل رفع راية الدين المحمديّ".

إنّها إحدى بركات الإطعام على حبّ الإمام الحسين عليه السلام خصوصاً وأهل البيت عليهم السلام عموماً، والذي بات عادة جميلة تتكرّس عاماً بعد عام متّخذة أشكالاً مختلفة وكثيرة. فما هو أصل هذه العادة؟ وما هي انعكاساتها وآثارها؟

* الإطعام حبّاً بالحسين عليه السلام 
إنّ مسألة الإطعام على حبّ أهل البيت عليهم السلام ليست وليدة هذه الأيّام، إنّما انحدرت منذ زمن الأئمّة عليهم السلام وتحديداً الإمام السّجّاد عليه السلام، الذي-وبحسب رواية البرقي- كان يقدّم طعام المأتم للنساء والأطفال. وإذا كان الإمام السجّاد عليه السلام يقوم بخدمة الإطعام، فيكفي شرفاً وفخراً لمقيمي المآتم والمآدب أن يقوموا بتلك الخدمة التي روّج لها أئمّتهم عليهم السلام.

ولكن هل للإطعام أيّ أبعاد وآثار؟

* آثار الإطعام على حبّ الحسين عليه السلام 
إنّ المضايف الحسينيّة هي خدمة عمليّة للمسيرة العاشورائيّة، ولعلّها أصبحت تقليداً سنويّاً لا يستطيع من خاضه أن يتفلّت منه نظراً لما يترك في نفس المشارك من عزّة وسعادة ورضى بسبب ما يقوم به في سبيل هذا النهج العظيم، كما أنّها أصبحت دافعاً ومثالاً يحتذي به الموالون. وهذا التقليد لم يأتِ من فراغ، بل إنّه نابع من إيمان وعقيدة لها أبعاد متعدّدة:

1. أخلاقيّة: تترسّخ بالصّبر والتّضحية بالمال والوقت والجهد في سبيل خدمة الآخرين وإطعامهم، فضلاً عن اكتساب التعاون وآداب التعاطي مع الناس، واحترام حرمات الطريق، وغيرها.

2. ثقافيّة: تتكرّس بالعمل التطوّعيّ وترويض النفس على التضحية في سبيل الآخرين وخدمتهم.

3. اجتماعيّة: تتأتّى بمشاركة كلّ الفئات العمريّة، صغاراً وكباراً ونساءً ورجالاً، ومن كلّ المستويات الاجتماعيّة، بإعداد الطعام وتقديمه؛ فالإمام الحسين عليه السلام يجمعهم على طاولة واحدة دون تفرقة، والهدف هو الخدمة والمشاركة، وبذلك تتقارب القلوب وتتواضع الأنفس وتلين.

* تطوّر المضايف
لعاشوراء قيمٌ وثقافةٌ وتقاليدُ خاصّة تتكرّر سنويّاً وتتوارث عبر الأجيال. وهذه الموروثات متجدّدة وتتماشى مع الزمن ضمن الأطر الدينيّة المرسومة للمناسبة، فمثلاً: كان الإطعام سابقاً محصوراً في يوم العاشر، إذ كانت ولائم سيّد الشهداء عليه السلام تُقام بعد المصرع الحسينيّ في القرى وبعض المدن. ومع الوقت، تغيّر هذا التقليد، وبات مفهوم الإطعام أكثر اتّساعاً وانتشاراً. وفي السنوات الأخيرة، ظهرت المضايف على جنبات الطرقات وفي الساحات؛ صحيح أنّها كانت خجولة بعض الشيء في البداية، لكنّها ما برحت أن أصبحت حاضرة بشكل قويّ.

انطلقت المضايف في المناطق بمبادرات فرديّة تارةً، حيث كان بعض الأشخاص يقدّمون الطعام للمارّة والمشاركين في العزاء من أمام منازلهم في العشرة الأوائل من محرّم ويوم الأربعين، وطوراً كانت المضايف جماعيّة، حيث يتعاون أبناء الحيّ الواحد والأصحاب والجيران بغية إقامتها، فتجدهم يجمعون الأموال ويقدّمون كلّ ما لديهم من معدّات وحاجات ومواد غذائيّة دون تردّد. فما هي أبرز المضايف؟

* إطلالة على بعض المضايف
1. مضيف الإمام الحسن عليه السلام: كما باقي المناطق اللبنانيّة، تحتضن الضاحية الجنوبيّة لبيروت، مضايف عدّة قصدنا أحدها في الحيّ الأبيض قرب مجمع القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف، الذي بدأ بمبادرة جماعيّة من سكان إحدى البنايات، وبعدها اتّسع المجال حيث صار أبناء الحيّ يشاركون فيه أيضاً.

عند نهاية المجلس الحسينيّ، يقدّم المضيف مساء كلّ يوم من العشرة الأوائل من محرّم، كما في المناسبات الدينيّة الأخرى، وجبات طعام وحلويات ومشروبات متنوّعة، خصوصاً لروّاد المجلس الحسينيّ الذي يقام في مجمع القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف. يشارك في المضيف الكبار والصغار على وقع أصداء اللطميّات عبر المكبّرات الصوتيّة. يقول الحاج أحمد -أحد القيّمين على المضيف-: "ننتظر هذه الأيّام من السنة بحماسة عالية وروح توّاقة لخدمة الإمام الحسين عليه السلام. شعورنا يكون مختلفاً حينها، أجسادنا يملؤها نشاط غريب، وأرواحنا يجتاحها حماسٌ ومحبّة للعمل فنعطي ما بوسعنا من قلوبنا بكلّ سعادة لأنّنا نشعر-مع كلّ هذا الشيء اليسير الذي نقدّمه- وكأنّنا نخدم الإمام الحسين عليه السلام ".

إلى جانب المضايف الثابتة، ثمّة العديد من المضايف المتنقّلة بين الأحياء والمناطق بحسب المناسبة وبما يتناسب مع خطّة المضيف والإمكانات. وأحد هذه المضايف تشرف عليه الأخت منى ناصر، والذي انطلق بمبادرة فرديّة وتوسّع بمشاركة مجموعة من الإخوة والأخوات بشكل تطوّعي. تحكي ناصر قصّة المضيف قائلةً: "هذا المضيف كان سابقاً عبارة عن أنشطة تحيي مناسبات أهل البيت عليهم السلام من خلال توزيع حصص تموين ومساعدات ماليّة وطبيّة. وفي محرّم 1443هـ، قرّرنا توسيع العمل، فبات لا يقتصر فقط على المساعدات وإنّما أصبح من أهدافنا أيضاً تعزيز إحياء مناسبات أهل البيت عليهم السلام، ولفت انتباه الناس إليها، وحثّهم على الاهتمام بها". وأضافت: "لهذا العمل أثر تربويّ من خلال البذل والسخاء في سبيل إحياء الشعائر وعلى حبّ الإمام الحسين عليه السلام، وماديّ من خلال جمع التبرعات، ومعنويّ من خلال زيادة الارتباط بأهل البيت عليهم السلام والسعي إلى تحقيق رضى الله ورضاهم، وثقافيّ من خلال إقامة المسابقات وتحفيز المشتركين عن طريق تقديم الجوائز، والهدف من هذا كلّه تعريف المجتمع بشخصيّة الإمام عليه السلام.

* المضايف: إحياء القضيّة الحسينيّة
تشكّل المضايف بأنواعها وأشكالها صورة جديدة وحضاريّة للخدمة الحسينيّة، وفي هذا الصدد أشار فضيلة الشيخ نجيب صالح في استصراح معه، إلى أنّ الطعام الذي يوزّع على حبّ الإمام الحسين عليه السلام" ما هو إلّا ظاهرة جميلة فيها الكثير من الاندفاع في سبيل الله، فكلّ مال أو طعام يُبذل له أثر كبير وجزيل في نفوس خدّام الإمام عليه السلام، لذلك، فلتكن النيّة دائماً أنّ كلّ ما يقدّم هو على حبّ أهل البيت عليهم السلام وفي سبيل الله تعالى". ويرى فضيلته أنّ أهميّة المضايف تكمن في "أنّ الناس لا يزالون يوزّعون الطعام على حبّ أهل البيت بالرغم من مرور مئات السنين على تلك المأساة العظيمة، ويقدّمون المال وخدمات أخرى لهذه المضايف، وهذا كلّه يساهم في خدمة القضيّة الحسينيّة".

* أدبيّات إقامة المضايف
ولكي لا يضيع الهدف الذي من أجله تقام المضايف، وحتّى لا يرتدّ أيّ تصرّف سلباً على هذه المناسبة السامية؛ يلفت الشيخ صالح إلى مجموعة أدبيّات لا بدّ من مراعاتها كي لا تتعارض هذه الخدمة مع المسائل والأحكام الدينيّة والشرعيّة. ومن النقاط التي أثارها:

1. النظافة: لا يجوز رمي الأوساخ في الأماكن والشوارع التي يُقام فيها المضيف؛ لأنّ ذلك يتعارض مع المناسبة، بل يجب المبادرة فوراً إلى إزالة كلّ الأوساخ وتنظيف مختلف الأماكن.

2. مكبّرات الصوت: ينبغي أن لا يسبّب الصوت إزعاجاً للناس، بل أن يكون بمستوى مقبول وفي أوقات محدّدة ومدروسة.

3. الاختلاط: يجب الحدّ قدر المستطاع من الاختلاط بين الجنسين، وذلك عبر فصل النساء عن الرجال ما أمكن، كي لا يقع العاملون بهذه الخدمة الجليلة بما هو مكروه أو حرام، فيكسبون بذلك الإثم بدل الثواب العظيم.

4. عدم التسبّب بالازدحام: ينبغي اختيار مكان المضيف بعناية، في أماكن مفتوحة مثلاً، أو أماكن واسعة، وليس في أطراف الطرق الضيّقة التي تتسبب غالباً بزحمة سير؛ لأن الناس سيجتمعون حولها، فينبغي مراعاة ذلك، وعدم التضييق على المحال الموجودة.

* بحر من العطاءات
الإطعام هو إحدى الخدمات السامية في بحر العطاءات الحسينيّة، التي تساهم في تربية النفس وترويضها لتكون لائقة بحمل أبعاد القضيّة الحسينيّة والاقتداء بها.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع