نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

نور روح اللّه: أركان الاستعاذة (2)(*)

 


خطوة أخرى نخطوها مع الإمام الخمينيّ قدس سره لمعرفة حقيقة الاستعاذة. فبعد الحديث عن ركنين من أركان الاستعاذة في العدد السابق، وهما: المستعيذ والمستعاذ به، نضع بين أيدي قرّائنا الأعزّاء ركنين إضافيّين، هما: المستعاذ منه، والمستعاذ لأجله.

* الركن الثالث: المستعاذ منه
المستعاذ منه هو إبليس الشيطان الرجيم، الذي يمنع الإنسان بحبائله المتنوّعة من الوصول إلى المقصد، وحصول المقصد. وما ذكره بعض أعاظم أهل المعرفة من أنّ حقيقة الشيطان عبارة عن جميع العالم بجنبته السوائيّة، وهي الصورة الموهومة، العارية عن الحقيقة، الخالية عن التحقّق والواقعيّة، وهي من حبائل إبليس التي يشغل الإنسان بها، ولعلّه إلى ذلك أشير في قوله تعالى: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ*حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾ (التكاثر: 1-2)، وإلا فنفس إبليس هي حقيقة ذات تجرّد مثاليّ، وذات حقيقة إبليسيّة كُليّة، متحقّقة في رئيس الأبالسة وإبليس الكلّ أيضاً، كما أنّ الحقيقة العقليّة المجرّدة وهي آدم الأوّل، هي عقل الكلّ. وإنّ القوى الواهمة الجزئيّة الملكيّة من مظاهر إبليس وشؤونه، كما أنّ العقول الجزئيّة شؤون العقل الكلّيّ ومظاهره؛ فيستعاذ من مظاهر إبليس جميعها:

أ- الاستعاذة من إبليس ومظاهره
بالجملة، ما كان في هذا السير إلى الله مانعاً وشوكاً في الطريق، فهو الشيطان، أو مظاهره التي أعمالها أيضاً عمل الشيطان.

ب- الاستعاذة من كلّ مانع عن الحقّ
وما كان من عوالم الغيب والشهود، والعوارض الحاصلة للنفس، وحالاتها المختلفة، حجاباً لجمال المحبوب، سواء أكان من العوالم الملكيّة الدنيويّة كالفقر والغنى والصحّة والمرض والقدرة والعجز والجهل والآفات والعاهات وغيرها، أم كان من العوالم الغيبيّة التجرّديّة والمثاليّة، كالجنّة وجهنّم، والعلم المتعلّق بها حتّى العلوم العقليّة البرهانيّة، الراجعة إلى توحيد الحقّ وتقديسه، كلّ ذلك من حبائل إبليس التي تمنع الإنسان عن الحقّ والأنس والخلوة به وتشغله عن ذلك.

ج- الاستعاذة من الموانع المعنويّة
حتّى الاشتغال بالمقامات المعنويّة، والوقوف في المدارج الروحانيّة، الذي ظاهره الوقوف على الصراط الإنسانيّ، وباطنه الوقوف على صراط الحقّ، الذي هو جسر روحانيّ فوق جهنّم الفراق والبُعد، وينتهي إلى جنّة اللقاء. وهذا الجسر مخصوص لطائفة قليلة من أهل المعرفة وأصحاب القلوب، لكنّه من الحبائل العظيمة لإبليس الأبالسة، ولا بدّ من الاستعاذة منه، بذات الحقّ المقدّسة جلّ شأنه.

د- الاستعاذة من الدنيا المذمومة وحبائل الشيطان
بالجملة، كلّ من منعك عن الحق وحجبك عن جمال المحبوب الجميل فهو شيطانك، سواء أكان في صورة الإنسان أم الجنّ.

وكلّ ما يمنعك به الشياطين عن هذا المقصد والمقصود فهو حبائل الشيطان، سواء كان من سنخ المقامات والمدارج أو العلوم والكمالات أو الحرف والصنائع أو العيش والراحة أو المشقّة والذلّة أو غيرها، وهذه عبارة عن الدنيا المذمومة وحبائل الشيطان، ولا بدّ من الاستعاذة منها. وما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه كان يقول: "أعوذ بوجه الله الكريم، وكلمات الله التامّات التي لا يجاوزهنّ برّ ولا فاجر، من شرّ ما ينزل من السماء ومن شرّ ما يعرج فيها، ومن شرّ ما ذرأ في الأرض ومن شرّ ما يخرج منها، ومن شرّ فتن الليل والنهار، ومن شرّ طوارق الليل، إلّا طارقاً يطرق بخير"(1)؛ فلعلّ المقصود منه هذا المعنى.

* الركن الرابع: المستعاذ لأجله
اعلم أنّ ما هو المطلوب بالذات للإنسان المستعيذ فهو من نوع الكمال والسعادة والخير، ويتفاوت ذلك على حسب مراتب السالكين ومقاماتهم تفاوتاً كثيراً. فالسالك ما دام في بيت النفس وحجاب الطبيعة، تكون غاية سيره حصول الكمالات النفسانيّة، والسعادات الطبيعيّة الخسيسة، وهذا في مبادئ السلوك. فإذا خرج من بيت النفس، وذاق شيئاً من طعم المقامات الروحانيّة والكمالات التجرّديّة، يصير مقصده أعلى ومقصوده أكمل، فيلقي المقامات النفسانيّة وراء ظهره، وتكون قبلة مقصوده حصول الكمالات القلبيّة والسعادات الباطنيّة. فإذا أفلتَ عنان السير عن هذا المقام أيضاً، ووصل إلى منزل السرّ الروحيّ، تبرز في باطنه مبادئ التجلّيات الإلهيّة، ويكون لسان روحه في بادئ الأمر: وجّهتُ وجهي لوجه الله، ثمّ بعد ذلك: وجّهت وجهي لأسماء الله أو لله، ثمّ بعد ذلك: وجهت وجهي له.

* المقصود الأصليّ
وبالجملة، فالسالك غايته الحقيقيّة في كلّ مقام حصول الكمال والسعادة بالذات، وحيث إنّ مع السعادات والكمالات في كلّ مقام شيطاناً قريناً، وحباله مانعة للحصول، فلا بدّ للسالك من أن يستعيذ بالحقّ تعالى من ذلك الشيطان وشروره وحبائله؛ للوصول إلى المقصود الأصليّ والمنظور الذاتيّ. ففي الحقيقة، غاية الاستعاذة للسالك حصول ذلك الكمال المترقّب والسعادة المطلوبة، والحقّ تعالى جلّت عظمته غاية الغايات ومنتهى الطلبات، والاستعاذة من الشيطان تقع بالتبع.


(*) مستفاد من كتاب: الآداب المعنويّة للصلاة، الإمام الخمينيّ قدس سره، المصباح الثاني، تتمّة الفصل الثالث.
1- بحار الأنوار، المجلسيّ، ج 60، ص 282.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع