يقول الله تبارك وتعالى ﴿حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ﴾ ، وفي الحديث: "الصلاة عمود الدين، إن قبلت قبل ما سواها وإن ردّت ردّ ما سواها". "الصلاة قربان كلّ تقي"، "إنّ أول ما فرض الله: الصلاة، وآخر ما يبقى عند الموت: الصلاة، وآخر ما يحاسب به يوم القيامة: الصلاة، فمن أجاب فقد سهل عليه من بعده، ومن لم يجب فقد اشتدّ عليه ما بعده"، "بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة".
وقد حذرنا الله تعالى بقوله: ﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾. وإنّ أوّل ما يعترف به من يلقى في نار جهنّم من الخطايا والذنوب هو ترك الصلاة، بقوله تعالى: (ما سلككم في سقر، قالوا لم نكُ من المصلين).
فالصلاة مناجاة الروح بين العبد وربّه يبثّ إليه ما انتابه من آلام ونوائب، بخشوع وخضوع، وتذلّل فيلهم من الصبر والارتياح النفسي ما يخفّف عنه تلك الآلام أو يزيلها. فقد ثبت في الطب الحديث أنّ لعرض الآلام والكوارث وبثّها أثراً هاماً في تخفيفها، على أنّ الله تعالى هو القادر المتعال على إزالة ما يصيب الإنسان من مصائب وقضاء ما له من حوائج. وهو القائل: "ادعوني استجب لكم".
وفي صلاة الجماعة من آثار اجتماعية وروحية عظيمة، فيتفقّد المؤمنون حالات بعضهم بعضاً ويقوم المستطيع منهم بدفع حاجة الضعيف، وتتحقّق الأخوة الإسلامية بين المؤمنين: "إنّما المؤمنون أخوة".
* الشعور بالمساواة
يقول الكاتب (هراس ليف): "ما كان شيء في العالم ليقنعني بأنّ أيّ دين من الأديان يدعو إلى المساواة بين الناس، ولو أنّ بعضها يتظاهر بهذه الدعوة. فقد زرت كثيراً من الكنائس والمعابد فرأيت التفريق بين الطبقات داخل المعابد كما هو خارجها، وكان اعتقادي بالطبع أنّ الأمر لا بدّ كذلك داخل المساجد الإسلامية، ولكن ما كان أشدّ دهشتي حينما رأيت الشعور بالمساواة على أتمّه بين المسلمين في عيد الفطر في مسجد (ووكنج) بلندن. هنالك وجدت أجناساً مختلطين على اختلافهم في المراتب اختلاطاً لك أن تسمه بحقّ أخوياً، ولم أكن شاهدت مثل ذلك. ترى في المسجد نوبياً من بلاد (ممباسا) يصافح عظيماً من رجال الأعمال المصريين أو سياسياً من بلاد العرب. وقد ارتفعت الكلفة بين الجميع، فلا يأنف أحدهم مهما عظم قدره من أن يجاوره في الصلاة أقل الناس شأناً. فالكل عند الله سواء، وعندما صرح لي إمام المسجد بأنّ المسلمين يعتقدون برسالة جميع الأنبياء ويؤمنون بما أنزل إليهم كدت لا أصدّق أذني، وكان هذا جديداً استفدته عن الإسلام، لذلك لم أعد أشكّ في أنّ هذا الدين يصلح لأن يكون ديناً عاماً.
ويقول الأستاذ (عبد الله كوليم) المسلم: "إنّه حينما كان مسافراً على ظهر باخرة إلى طنجة في بلاد المغرب، إذ بعاصفة قد هبّت وأشرفت السفينة على الغرق وأخذ الركاب يحزمون أمتعتهم ويهرولون في كلّ اتجاه وقد اضطربوا ونزل بهم الهول، فلا يدرون ماذا يصنعون.. وإذا به يرى جماعة من المسلمين قد استوت في صفّ واحد يكبرون ويهلّلون ويسبّحون.. فسأل أحدهم: ماذا يفعلون؟ فقال: نصلّل الله.. فسأل: ألم يلهكم أشراف السفينة على الغرق؟ قال: لا.. إنّنا نصلّي له الذي بيده وحده الأمر، إن شاء أحيا، وإن شاء أمات..".
وقد كان هذا الحادث سبباً في بحثه عن الدين الإسلامي وهدايته للإسلام وأصبح من كبار دعاة الإسلام وقد أسلم علي يديه الكثير.
ومعلوم أنّ الصلاة لو قبلت تدفع عن هذا الإنسان الفحشاء والمنكر: "إنّ الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر". وما أحوج الإنسان إلى عمل يبعده عن الفحشاء ويطهّره من الدنس والرجس ويدخله في عالم قدسي كلّه جمال وكمال. فلم يؤتَ بهذا الإنسان إلى عالم الوجود إلاّ ليتكامل نفسياً، ولا شيء يؤدّي إلى هذا التكامل كالصلاة المقبولة، صلاة يتخلّلها خشوع وخضوع وبكاء من خوف الله تعالى: ﴿بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾
فالإنسان أشبه شيء بخليطة من المعادن، فيها المعدن الخسيس كالحديد والألمنيوم والنحاس إلى ما هنالك وفيها الذهب الخالص، فبالصلاة تذوب وتزول الأدران والأوساخ المعنوية وتظهر الحقيقة الإنسانية وتتجلّى الفطرة الواقعية، فتتعرف النفس إلى ربها تعرفاً يؤدي بها اليقين بمنّه تعالى. وهو غاية وجودنا في هذه الدنيا المؤقتة في هذا الحقل العملي الامتحاني من حياتنا. فقد جاء في حديث قدسي عن الله تعالى وعن سرّ خلقنا ووجودنا حيث يقول جلّ من قائل: (كنت كنزاً مخفياً، فأحببت أن أعرف، فخلقت الخلق لكي أعرف).
فالصلاة طريق لمعرفتنا ربنا، وتتفاوت هذه المعرفة بمقدار ما في هذه الصلاة من خشوع وإقبال وخضوع، وهو القائل: ﴿وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا﴾
* راحة الضمير
وفي الصلاة اطمئنان للنفس وخروج عن هموم الدنيا والقلق النفسي، فإن هذا القلق يتفاقم يوماً بعد يوم في هذا العالم المزدحم بالكوارث والنوائب والآلام.
فلا بدّ لهذا الإنسان من متنفس يزيح به عند همومه وآلامه. والصلاة خير وسيلة لإعادة النفس إلى حالتها الطبيعية. وهو قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾
يقول الطبيب النفساني الدكتور هانري لنك في كتابه (العودة إلى الإيمان) ص 26:
"من يعتنق ديناً أو يتردّد على دار العبادة يتمتّع بشخصية أقوى وأفضل ممن لا دين له، أو لا يزاول أيّة عبادة".
ثمّ يقول: "الدين هو الإيمان بوجود قوة ما كمصدر للحياة. هذه القوة هي قوة الله: مدبر الكون، خالق السماوات، وهو الاقتناع بالدستور الإلهي الذي سنّه الله في كتبه المتعاقبة. واعتبار التعاليم السماوية أثمن كنز تغترف منه الحقائق الدينية التي هي أسمى في مرماها من العلوم كلها مجتمعة والقيم الخلقية التي هي أقوى في أساسها من نظرية العقل أو السببية".
ثمّ يقول: "الدين الذي أتكلّم عنه ليس ملجأ الضعفاء. ولكنذه سلاح الأقوياء فهو وسيلة الحياة الباسلة التي تنهض بالإنسان ليصير سيد بيئته المسيطرة عليها لا فريستها وعبدها الخانع.
وهو يقول أيضاً (ص 32): وقد صارحني عدد جم من الناس قائلين: لا تظننا نشك في وجود الخالق، بل نحن نؤمن به وبقدرته جلّ وعلا، لكنّه إيمان من نوع جديد، لم يأتِ عن طريق ترديد الخلف قول السلف. فكلّنا يمقت الكنيسة ويتجنّبها لما تثيره فينا نظرياتها ومبادئها بل ورجالها من النفور والاشمئزاز، فكنت أومي برأسي علامة الموافقة على هذه الاعترافات، لأنّها تؤيّد مبادئي تأييداً مطلقاً".
ويقول الدكتور (صد 81): "فلن نهتدي إلى حلّ شافٍ لمشكلات الحياة العويصة، ولن ننهل من مورد السعادة عن طريق تقدّم المعلومات والمعرفة العلمية وحدها، فارتقاء العلم معناه ازدياد الارتباك واضطراد التخبط، وما لم يتمّ توحيد هذه العلوم كلّها تحت راية حقائق الحياة اليومية الواضحة وإخضاعها، فلن تؤدّي هذه العلوم إلى تحرير العقول التي ابتدعتها وابتكرتها. بل ستقود حتماً إلى انهيار هذه العقول وتعفنها، كما أنّ هذا التوحيد لا بدّ أن يأتي عن طريق آخر غير طريق العلم: وأعني به طريق الإيمان. الإيمان ببعض قيم الحياة الجوهرية التي لا يستطيع المنطق إزاحتها أو زعزعتها".
ويقول أيضاً (ص 84): "فالواقع: أنّ عبادة العقل والاحتقار الفكري للديانات قد جعلا الإنسان فريسة سهلة بين يدي تلك النظريات شبه العلمية التي لا تقوم اليوم إلاّ لتموت في الغد. ولقمة سائغة بين براثن أدعياء الطب، وتلك المذاهب السياسية التي أصبحت اليوم تحير عقله وتبلبل فكره.
* القلب والانتحار
وهذا القلق النفسي المسيطر على العالم الغربي اليوم أدّى إلى مزيد من الانتحارات لضعف الإيمان وعدم الثقة بالله المتعال في حلاّ المشكلات. فإنّ عدد الانتحارات في الثلاثين سنة الأخيرة يزيد على 40 مليون منتحر، ولقد تسرّب ضعف الإيمان من الغرب إلى الشرق فكانت نتيجة ذلك أن قد حدث خلال 6 أشهر في بلد إسلامي في الشرق 2000 حادثة انتحار!
ومعلوم أنّ الدين يحرم الانتحار ويعده من أعظم المعاصي والكبائر. وأنّ المنتحر مخلد في النار. فقد قال الصادق عليه أفضل الصلاة والسلام:
"من قتل نفسه متعمداً، فهو في نار جهنّم خالداً فيها" ولقد ثبت أنّ المنتحر إمّا لا إيمان له أو هو ضعيف الإيمان جداً.
إنّ الدين الإسلامي قد حرّم إيذاء البدن وإيجاد نقص فيه فكيف بالانتحار!
فضعف الإيمان بالله واليأس من رحمة الله هما الباعثان القويان للانتحار. ولذلك لا تجد في بلاد الشرق في وقت كان الإيمان فيه قوياً والناس متعبدون أثراً للانتحار.
يقول الدكتور بريل: "إنّ المتدين لا يصاب بأمراض نفسية، وجميع الأمراض الجسمية (فضلاً عن النفسية) كقرحة المعدة، واختلال الجهاز الهضمي، وضربات القلب وغيرها ناتجة عن القلق النفسي والاضطرابات الروحية واليأس من رحمة الله تعالى، وهو القائل: ﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ .
وإنّ عدم التوجّه في المشاكل إلى الخالق المتعال، وعدم المثول بين يدي رب العباد بتضرّع وابتهال عند طورء المشاكل والنوائب أدّيا إلى انتحار فظيع في أمريكا. ففي أحد الإحصائيات، أنّ في أمريكا ينتحر في كل 35 دقيقة شخص واحد، ويبتلى بالجنون في كلّ دقيقتين شخص واحد.